متى غادرت؟

شهرزاد


ترى كم سنة نفسية أبعدتنا الحياة عن أنفسنا؟ حتى أصبحنا لا ننتبه للكثير من المتغيرات التي قد تستجد في دواخلنا، فنحن قد ننسى دون أن ندرك أننا نسينا، وقد نُسقط الكثير من دواخلنا دون أن نلاحظ أن تلك الأشياء قد سقطت منا.
وأنت كنت من تلك الأشياء التي سقطت من داخلي على غفلة مني، دون الانتباه للحظة سقوطك، أو تسجيل توقيت مغادرتك لقلبي..
فأنا اكتشفتُ غيابك حين مرتني تلك الأغنية التي أهديتني إياها ذات ميلاد، دون أن أتوقف أمامها وأتذكر كما كنت أفعل دائماً..


اكتشفت غيابك حين أنصت إلى أغنيات الفراق، وقصائد المنفى، ولم أبكِ حنيناً إليك، وقرأتُ روايات الحب دون أن تلامسني أسطرها الحزينة، ودون أن يدفعني حنيني للبحث عنك بين الصفحات..
اكتشفت غيابك حين لاحظت أن الأشياء التي كانت تؤلمني لم تعد تؤلمني، وأن التفاصيل التي كانت تزرع في داخلي مساحة من الوجع لم تعد تفعل ذلك..
اكتشفت غيابك..


حين تفقدت تلك الوجوه التي أخفيتها في قلبي فلم أجد وجهك، وتفقدت تلك الأصوات التي احتفظت بها في زوايا ذاكرتي فلم أجد نبرة صوتك بينها..
عندها أدركتُ أنك غادرت أعماقي منذ زمن دون أن أنتبه لذلك، ودون أن أسمع صوت خطواتك الأخيرة وأنت تتسرب من أعماقي..
لذا لا أعلم متى فقدتَ عرشك بي، ومتي تحولت إلى شخص عادي، وكيف مررت من باب الخروج دون أن تُحدث ضجة كبرى تدفع قلبي للنبض بقوة..
ولا أعلم كيف أسقطتك فى زحمة الحياة، دون أن تنبهني حاستي السادسة لسقوطك..


ولا كيف رحلت دون أن نقف عند عتبة باب الخروج من الحكاية، كي نتذكر الكثير ونثرثر بالكثير،
ولا كيف رحلت دون أن ألمح حقيبة النهايات في يدك، ولا كيف مررت بجانبي دون أن أنتبه أنك على سفر
ولا أعلم كيف رحلت دون أن أحتفل معك الاحتفال الأخير، ودون أن أطفئ الشمعة الأخيرة معك، ودون أن أفرقع بالونات أحلامي أمامك، ودون أن أقول لك شكراً على حكاية دافئة عشت تفاصيلها يوماً بكل طفولة وفرح.


قبل النهاية بقليل:
أخبرني كيف رحلت دون أن تطلب مني الصفح الأخير، ودون أن نتشارك بزراعة الورد على قبر حكاية كانت لنا يوماً وطناً..