القرى مهد جديد لاستثمار آمن

تعددت الأفكار التي كانت تطرح من وقت لآخر في محاولة من طارحيها لتوفير المناخ المناسب والبيئة الجيدة للاستثمارات القائمة للنجاة من الأزمة المالية والضغوط الاقتصادية المتتالية، وقد كان من أفضل ما طُرح وما يتناسب مع بيئاتنا في المنطقة العربية بشكل عام والخليجية والسعودية بشكل خاص؛ محاولة الهروب بالاستثمار من المناطق المتمدنة والعواصم والمدن الكبيرة والمزدحمة إلى المناطق الحديثة والبسيطة كخطوة لحماية هذا الاستثمار، وربما تكون خطوة للنجاح وتحقيق الثروة.

ولكن ما الحكمة من وراء التوجه لهذه المناطق سواء لبداية مشروع أو لنقل استثمار معين؟ وما الفائدة المرجوة من وراء ذلك؟

 


 

أولاً: سهولة اختيار نوع الاستثمار

المقصود بسهولة اختيار نوع الاستثمار أو الفكرة الاستثمارية هو أنّ المدن المستحدثة «حديثة الإنشاء»، أو القرى التي يفصلها عن التمدن فترة زمنية معينة، يكون من السهل جدًّا فيها الوصول إلى العديد من الأفكار الاستثمارية الناجحة في ظل تعطش البيئة المحيطة للكثير من الخدمات، فالمشاريع الاستثمارية في العادة يقصد أصحابها العواصم والمدن الكبيرة، في حين أنّ القرى والمدن الصغيرة تبقى مهملة بالمقارنة بها، وبالتالي فبكل يسر وسهولة بإمكانكِ وضع يدكِ على فكرة استثمارية وترجمتها كمشروع سيلاقي نجاحًا في أغلب الأحيان نظرًا لتفردكِ، أو لقلة منْ يقومون بتوفير هذه الخدمة أو السلعة، ممّا يوفر لديكِ أولى خطوات النجاح في الاستثمار، فكما هو معلوم أنّ أساس أي مشروع هي الفكرة الناجحة ومدى حاجة الناس لهذا المنتج، ومدى تعطش الأسواق له.

 

ثانيًا: قلة المصاريف

وهذه أيضًا نقطة مهمة جدًّا وداعمة لإنجاح أي استثمار، فهناك معادلة سهلة جدًّا تقول: إنّ مصاريفنا يجب أن تكون أقل من أرباحنا، ولو حققنا هذه المعادلة، فهذا يعني أننا حققنا أرباحًا، والطبيعي والمنطق يقول: إنّ كل التكاليف في المدن الكبيرة، كإيجارات ورواتب ومواد غالبًا ما تكون أقل في المدن الصغيرة نتيجة قلة عدد السكان، إذا ما قورنت بالمدن الكبيرة، ممّا يعني أنّ التكاليف ستكون أقل لنفس المشروع، كما يعني أنكِ وبكل بساطة خطوت خطوة أخرى دون مجهود منكِ في طريق النجاح، وتوفرت لديكِ المزيد من الأسباب والمعطيات للحصول عليه وتحقيقه.

 

ثالثًا: قلة المنافسة

من الطبيعي وبما أنكِ فكرتِ في تأسيس مشروعكِ في منطقة مستحدثة، أو ليست متطورة بالحجم ذاته الموجود في المدن الكبيرة، فإنكِ بطبيعة الحال ستكونين قد ذهبتِ إلى فكرة لابد أنها جديدة على الأقل في المنطقة التي بدأتِ فيها، فأنتِ تسعين إلى الاستفادة من كونكِ تقومين بالاستثمار في منطقة صغيرة أو جديدة، وتتحملين بعدكِ عن مراكز الاستثمار، كما في العاصمة مثلاً، في مقابل أن تنفردي باستثماركِ دون منافسة، وعلى أسوأ الحالات وحتى لو وجدتِ المنافسة؛ فالأكيد أنها ستكون بسيطة إذا ما قورنت بالمنافسة في المدن الكبيرة، وإلا فإنكِ تكونين قد قمتِ بالاستثمار في المكان الخاطئ، ولكن وبما أنكِ أقدمتِ على خطوة كهذه وقمتِ بالتوجه لمنطقة جديدة؛ فمن المفترض أن تكوني قد درستِ ذلك وبحثتِ عن المكان المناسب لهذه الفكرة، وهو بالأساس أن يكون السوق في تلك المنطقة بحاجة لهذا النوع من الخدمة أو السلعة التي تقدمينها.

 

رابعًا: توفر الأيدي العاملة

وموضوع الأيدي العاملة يعتمد بشكل كبير على المنطقة التي يتم تأسيس المشروع فيها، وكل الدراسات السابقة تؤكد أنّ الأيدي العاملة تزحف دومًا نحو المدن الكبيرة والعواصم الاقتصادية، والسبب في ذلك توفر المشاريع، فلو نظرنا من الناحية الأخرى لوجدنا أنّ الأيدي العاملة متوفرة، نتيجة لقلة المشاريع في تلك المناطق، كما أنّ هناك العديد ممن يفضلون العمل في مدنهم إذا توفرت لديهم الفرصة، وهناك أيضًا منْ لا يستطيعون مغادرة قراهم أو مدنهم لظروف معينة، وبالتالي فإنّ الأيدي العاملة ستكون متوفرة وبأسعار أقل مما هي عليه بالمدن الكبيرة، ممّا يساهم في نجاح المشروع منذ بداياته.

 

خامسًا: سهولة الحصول على الأوراق والتراخيص

بشكل عام فإنّ كل الحكومات في العالم تشجع على إقامة المشاريع في المناطق الجديدة أو النائية، وتدفع نحو الخروج من المدن الكبيرة ومحاولة توفير المزايا لكل منْ يحاول الاستثمار في هذه المناطق، حيثُ إنها ترى دومًا أنّ هناك استنزافًا كبيرًا للمواد الأولية في المدن، كما أنّ المناطق الجديدة بحاجة لتوفير بعض الخدمات فيها، وبالإضافة إلى توفير بعض فرص العمل وإنعاش تلك المناطق لذلك فإنّ الحكومات تحاول الترغيب في إقامة المشاريع في المناطق غير المكتظة بالسكان أو المدن الصغيرة والجديدة، وكان ذلك واضحًا مثلاً في الخطوات التي قامت بها المملكة عندما أعلنت قيام المدن الصناعية، فهي لم تقم بإنشائها في الرياض أو جدة، على الرغم من أنها ذات كثافة سكانية ضخمة، وقادرة على أن تستوعب مثل هذه المدن الصناعية، ولكنها اتجهت لإقامتها في مناطق مثل: رابغ أو حائل، طبعًا لتوجيه الاستثمارات نحوها، وبالتالي توفير فرص العمل لسكانها وسكان المناطق المحيطة بها، وكذلك لمحاولة الاستفادة من موارد هذه المناطق الجديدة، وجذب الناس بعيدًا عن المراكز الكبيرة ذات الكثافة العالية، والتي أصبح فيها تشبع للكثير من أنواع الاستثمارات، واستنزاف واضح للموارد والمواد الأولية، كما أنّ الحكومات أصبحت تواجه ضغوطا وصعوبات لتوفير الخدمات في المناطق القديمة، مما يجعل من المصلحة العامة أن تشجع المستثمرين نحو الخروج والاستثمار في المناطق الصغيرة أو الجديدة، وبالنتيجة فإنّ هذا التشجيع يجعل هناك مزايا توفرها الحكومات للمستثمرين، وكونكِ أحد هؤلاء المستثمرين، فإنكِ دون شك ستستفيدين من تلك المزايا وتوظفينها باتجاه إنجاح مشروعكِ واستثماركِ الجديد، ومن ضمن هذه المزايا قد تكون تسهيل المعاملات والتراخيص، وبالتالي سهولة إقامة الاستثمار وتوفير الوقت.

كل تلك المزايا السابق ذكرها تجعل من الاستثمار في المناطق البعيدة أو غير المتطورة نوعًا ما أجدى وأنفع وأقرب إلى تحقيق النجاح بإذن الله.