إن الملابس والأزياء بتقاليدها هي تعبير حقيقي عن تاريخ وثقافة
الشعوب وهويتهم الحقيقية. ومع أن مصمّمي الأزياء يبحثون دائماً عن الجديد والمميّز،
إلا أنهم في النهاية لا بدّ أن يعودوا إلى المنبع الأساسي للتزوّد منه. والثوب السعودي
شهد تغيّرات نوعية عبر العقود الماضية من حيث التصميم والتطريز، ولكن مهما اختلفت أنواع
القماش وألوانه يبقى الأساس هو المرجع الأول للمصمّمين. وقد استطاع المصمّم قصي بن
يسر أن يحقّق المعادلة في الجمع بين الماضي والحاضر في هذه التصاميم التي قدّمها للثوب
السعودي حسب رؤيته الخاصة.
غـاص مصمم الأزياء قصي بن يسر في رحلة طويلة امتدّت إلى ما يقارب الإثني عشر عاماً، تزوّد خلالها من تاريخ الشرق ليسبر أغوار فنونه. وقد استوحى من التراث السعودي تصاميم أزيائه التي مزج فيها روح أفكاره بحرفية عالية ومتجدّدة.
لوحة هندسية تنبض بالجمال
يقول قصي بن يسر: «عندما نتمعّن في تفاصيل الحضارة الشرقية لا بدّ لنا أن نتوقّف عند موروث فاخر، ألا وهو النقوش الإسلامية الموشومة بالعبقرية والإبداع. وقد استعملت هذه النقوش في العديد من الفنون الهامة ومنها الأزياء، بما فيها الثوب العربي المزيّن بالنقوش المتنوّعة والمطعّم بالفصوص البديعة والمطرّز بالخيوط الفضية والذهبية. هذا الغنى حوّل الثوب السعودي إلى لوحة هندسية رفيعة تحكي تاريخ العرب. وأعتقد أنه بات موضة الأزياء المعاصرة، والتي ربما تتربّع يوماً ما على عرش الموضة العالمية, فالتوقّعات تكاد تشير إلى إمكانية ذلك وخصوصاً مع العروض المتتالية والمختلفة للجلابيات المتنوّعة التصاميم والأشكال والتي أبدعها المصمّمون المحليون والأجانب، المتنافسون في تقديم كل جديد ومبتكر في عالم الجلابيات والأزياء المستوحاة من التراث الشرقي وغيرها من الأزياء القديمة الموجودة في المناطق العربية».
الثوب السعودي قصة تراث يحاكي الحياة
ويضيف: «لقد كانت للثوب السعودي مكانة خاصة في تصاميمي، حيث ميّزته من خلال القصات والأقمشة الراقية والألوان العربية الزاهية والتطريز التقليدي وقد دمجتها جميعاً بأسلوب فريد يحاكي التراث. وكانت النتيجة تصاميم بإيحاءات تخبر قصة التراث الشرقي النابض بالحياة والحيوية، وتخاطب الجمال بلغة يعجز الكثيرون عن فكّ رموزها. ولم أقتصر في التطوير على القصات بل شملت الخامات أيضاً، آخذاً في الحسبان ضرورة أن يبرز الموديل أنوثة المرأة التي ترتديه وبالإحساس نفسه. فأنا أحب الموديلات التي تعبّر عن الأنوثة الطاغية، كي أجعل من جلابية المرأة ملائمة لحياتها اليومية كما باقي المناسبات.
فأنا أجدّد من خلال القصات والأقمشة الراقية التي تظهر الجلابية في شكل راقٍ يتماشى مع أكثر من مناسبة».
إهتمام عالمي
ويتابع قصي بن يسر: «إن الإهتمام بالماضي والأزياء القديمة ليس مقتصراً على المرأة السعودية والخليجية والعربية فقط، فالعودة إلى الماضي أصبحت ظاهرة عالمية، حتى أن المصمّمين العالميين أنفسهم اكتشفوا هذه الظاهرة وراح البعض منهم يستلهم تصاميمه من أزياء الماضي بصورة جديدة ومبتكرة».
وأضاف "لعلّ أزياء السهرات والمناسبات القادمة إلينا من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا مستوحاة في الغالب من الأزياء الشرقية، إن لم تكن تقليداً واضحاً للدراعة القديمة أو العباءة أو الشيلة أو الثوب الحساوي كما يعرف في الخليج.
والجلابية في المملكة السعودية تأخذ أبعاداً تتجاوز الموضة، وستر الجسم، والتنافس باللون والمظهر. وهي تعبّر عن الإصرار على التمسّك بالهوية، لاسيما وأن الأزياء الشرقية في الحضارات قديمة قدم الزمن وأساسية ومتنوّعة. فلباس أهل الشام يختلف بنقوشه عن شمال أفريقيا وعن دول الخليج وشرق آسيا بينما كان اللباس في أوروبا شبه موحّد، فلباس الفرسان في إنكلترا هو نفسه في فرنسا مع اختلاف في الألوان».
الأزياء هي خريجة الفنون التشكيلية
وعن أزيائه يقول قصي بن يسر: «أنا أتأثّر بالمدارس الفنية ولا أتأثّر بالأشخاص أو بخطوط الموضة العشوائية. فكل موديل أصمّمه يكون تابعاً لمدرسة فنية معينة، ولعلّ خريجي المدارس الفنية التشكيلية هم من يميّزون بوضوح هذه الأفكار،
والواقع أن الموديل هو الذي يتحدّث عن نفسه في ما إذا كان من المدرسة الإنطباعية أو التكعيبية وذلك من خلال القصات المعتمدة. كما أن الألوان أيضاً تحدّد طبيعة المدرسة الفنية، وغالباً ما نلاحظ أن الأزياء التراثية تنحو باتجاه المدارس الإنطباعية والتكعيبية والطبيعية والتي تعتمد بشكل أساسي على اشتقاق الألوان.