mena-gmtdmp

اليكسندر ماكوين عبقري الموضة الصاخب الذي رحل بهدوء

رحل اليكسندر ماكوين المصمم البريطاني المشاكس، الذي ملأ منصات العروض صخباً وتجديداً وفانتازيا، والذي كان حديث وسائل الاعلام ومثار دهشة واعجاب الجمهورعلى الدوام. فقد اعتاد هذا المصمم على التغريد خارج السرب وعلى تقديم تصميماته السوريالية وأفكاره الفلسفية على شكل صدمات يفاجئ بها جمهوره في اسابيع الموضة، في لندن وباريس ونيويورك.

هو أول من استخدم السيارات التي تتحرك بالروبوت على منصات العروض، وأول من حوّل عروض الأزياء الى دراما مسرحية ايقونية عندما استخدم فن السلويت، كما ظهرت عارضاته وهن يمشين على سيقان خشبية طويلة ويصبغن وجوههن بالوان فاقعة، وهو أوّل من وظف قماش التارتان (وهو قماش صوفي مقلم بخطوط متقاطعة مع زوايا قائمة) في خياطة الفساتين، والتنانيرا، وأاول من اطلق بنطلون الجينز الذي ينزل الى أسفل الخصر Bumster jeans وبقيت هذه الموضة سائدة بين النساء لأكثر من عشر سنوات وتبنتها معظم نجمات هوليوود، كما عرف أيضاً باستخدامه الجمجمة كرمز في كثير من تصميماته وخاصة في الاوشحة والاكسسوارات وصارت بعدها موضة عالمية استنسخها عنه الآخرون. وهو أيضاً أوّل مصمم يستعين بعارضات هنديات في عروض لندن. وكما كانت حياته تثير الدهشة فان موته أيضاً أصاب الناس بالحيرة والصدمة بعد أن وجدوه مشنوقاً في شقته قرب حدائق الهايدبارك في لندن مقرراً ان يضع حداً لحياته وهو ما يزال في الاربعين من العمر، ووجدوا الى جانبه بعض الرسائل الموجهة الى اصدقائه يشكو فيها من حزنه على رحيل والدته ومن شعوره بالوحدة والاحباط. وقد اوقع هذا الرحيل المبكر العاملين في عالم الموضة بصدمة ووجوم خاصة وانه كان يعد لمجموعته الجديدة التي كان سيشارك بها في اسبوع باريس في شهر مارس (آذار) من هذا العام وقد عزا. البعض سبب انتحاره الى رحيل صديقته الصحفية ايزابيل بلو التي كانت قد انتحرت هي الاخرى عام 2007 بتناول نوع من المبيدات وتركته في دوامة من الحزن الذي لم يستطع التخلص منه، وخاصة وانها كانت صاحبة الفضل الاول في شهرته وفي الاخذ بيده عندما كان في بداية الطريق.

 

حرفية الخياط وجنون المصمم

ولد اليكسندر، ماكوين عام 1969 في اسرة فقيرة تسكن شرق لندن. وكان والده سائق سيارة اأجرة ووالدته معلمة، وكان هو الأصغر بين أخوته الستة. بدأ ولعه بالازياء مبكراً حيث كان يخيط الملابس لاخواته الثلاث ويعلن دائماً عن رغبته في ان يكون مصمم أزياء، في سن السادسة عشرة ترك المدرسة وذهب ليتعلم اصول التفصيل والخياطة في متجر سافيل رو SavileRow اللندني العريق كان من زبائنه الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا وغورباتشوف الرئيس الروسي السابق. وبعد ان اتقن الصنعة وتمكن منها سافر الى ميلان الايطالية وعمل مع روميو جيجيلي، ثم عاد الى لندن مرة اخرى عام 1994 ودرس في كلية سانت مارتن للفن والتصميم، ومنها انطلق في عالم الازياء النسائية بمساعدة صديقته ايزابيل بلو التي كانت تعمل مسؤولة عن قسم الموضة في مجلة تاتلر البريطانية التي تُعنى بالازياء والجمال. وقد فتحت له هذه الصداقة ابواب النجاح على مصراعيها بعد ان اقتنعت هذه الصحفية بموهبته وعبقريته وبأسلوبه الثوري في التعامل مع الازياء. وقد شجعته في بداية الامر بشرائها اول مجموعة يصممها بعد التخرج وكانت تدفع له المبلغ على شكل دفعات شهرية كي بيقى متحمساً للعم. بعدها تنقل من نجاح إلى آخر حيث حصل على جائزة أحسن مصمم لأربعة أعوام ما بين 1996 و2003 وصار بعدها واحدا من اشهر المصممين البريطانيين، إلى جانب جون غاليانو وستيلا ماكارتني. فقد جمع بين حرفية الخياط المتمكن وجنون المصمم المهووس بالابتكار والغرابة. وفي عام 1996 تولى مهام كبير المصممين في دار جيفنشي الباريسية واستمرمعهم حتى عام 2001 انتقل بعدها الى دار غوتشي. وفي عام 2006 كان قد افتتح مجموعة من المتاجر التي تحمل اسمه في لندن وباريس ونيويورك وميلان وموسكو وتحول الى مصمم يجذب النجمات وسيدات المجتمع، امثال جوليا روبرتس وفيكتوريا بكم وسارة جيسيكا باركر وكاميرون دياز اضافة الى العارضتين كيت موس وناعومي كامبل. وعندما انتحرت صديقته الصحفية ايزابيل بلو عام 2007 اثير بعض اللغط حول عدم اخلاصه لها ونكرانه للجميل وادارة ظهره لماضيه، وقد سبب له هذا الاتهام الكثير من الحزن والألم وردّ على هذه الاقاويل باهدائه مجموعتة الخاصة لربيع وصيف 2008 الى هذه المرأة التي لم ينسَ فضلها عليه، كما كان يؤكد دائماً.

 

لم يبقَ غير التذكارات

ما إن شاع خبر رحيل المصمم اليكسندر ماكوين حتى تسابقت وسائل الاعلام العالمية على نعيه والحديث عن عبقريته وموهبته وتفرده وعن الخسارة الكبيرة التي مني بها عالم الموضة بفقدانه. فقد كتبت جريدة ذي غارديان على صفحتها الاولى تقول: لفد رحل واحدٌ من اكثر المحترمين في العالم، فيما قالت جريدة تيليغراف: «فقدنا مصمماً كبيراً وسفيراً للموضة». وافردت افتتاحيتها للحديث عن انجازاته التي جعلت منه فيفيان ويستوود التسعينات والالفية الثالثة. أما الناس فانهم عبّروا عن اعتزازهم بهذا المصمم، بطريقتهم الخاصة حيث شهدت المتاجر الراقية في لندن، مثل سيلفريدجز وليبرتي زحاماً محموماً واقبالاً لافتاً لشراء اية قطعة تحمل بصمة وتوقيع هذا المصمم وسجلت بعض المحلات ارتفاعا بنسبة المبيعات وصل الى اكثرمن %1400 وكان الاقبال بشكل خاص على الازياء والاكسسوارات التي تحمل رسوم الجماجم التي اشتهر بها ونقشها على الخواتم والاوشحة والحقائب. ومما زاد من حمى الشراء ظهور العارضة كيت موس وهي ترتدي وشاحا مزينا بالجماجم المتراصة بلونين مختلفين من تصميم ماكوين، وكذلك فعلت سينا ميلر والمغنية كايلي مينوغ والعارضة ناعومي كامبل تكريما لذكراه .وسجل الموقع الاليكتروني اي بي eBay المتخصص بالمزادات أعلى الاسعار على المنتجات التي تحمل إسمه. وقد توقع بعض الخبراء ان تتحول الازياء والاكسسوارات التي صممها الى قطع فنية تقتنى كما تقتنى اللوحات والمنحوتات وأن يشهد المستقبل القريب عرض هذه القطع في مزادات شهيرة مثل كريستي...

ومن جهة اخرى اغلق المتجر الذي يحمل اسمه في لندن ابوابه ورفع كل المعروضات ولم يترك في زجاجات العرض الا السواد وبعض الكلمات التي تظهر الحزن لرحيله. اما دار غوتشي فانها لم تعلن حتى الآن عن قرارها في ايقاف الماركة التي تحمل اسمه او الاستمرار بها بعد رحيله، ومابين هذا وذاك تبقى عائلته صامتة لا تجيب على اسئلة الاعلام بعد ان صدمت برحيل ابنها وهو في عز شبابه وعطائه وبطريقة مأساوية لم تخطر لهم على بال خاصة وانهم كانوا مشغولين في مراسيم دفن والدته التي ماتت قبله بإسبوع واحد فقط.