تجربة أم مع ثلاثة مراهقين«غافلني الأبناء وكبروا»

سأبدأ حكايتي من اليوم الذي أقبلت فيه على الزواج، مستبشرة كل الخير، لحظتها رسمت وخططت وقسمت الأيام والساعات والسنين... لتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!


في تاريخ ما من شهر ما منذ 18 عامًا، أنجبت طفلي الأول «أحمد»، ويمر عامان ويأتي «عمر» وبعده بعام جاء «على»، وسار الحال كما رسمنا وخططنا أنا و«أبو العيال» الكل في طاعة والتزام!
واعتقدت أنها اللحظة الحاسمة، فقد جاء من سأعطيه حبي وأغدق عليه من حناني، من سأطبق عليهم ما قرأت بكتب التربية والمجلات، من سألقنهم حلو المشاعر ورقة الكلمات، حضر من سآمرهم فيطيعون، أنظر إليهم فيستجيبون، وإن لوحت لهم بالعقاب تراجعوا على التو واستكانوا!
ولأن جدتي دائمًا ما تقول: «دوام الحال من المحال» فقد انقلب الحال بين يوم وليلة، وتغيرت الأدوار؛ كبر الأبناء، دخلوا سنوات المراهقة واحدًا بعد الآخر، فعلموني ودربوني وعودوني وأقنعوني وغيروا من فكري وقناعاتي.. و.. و..!
لمجاراتهم في الفكر والكلام تعلمت أن تتسع ثقافتي لأحدث صيحات موضة الشباب، ومعها ماركات السيارات والكاميرات والجوال، بدأت أقرأ عن العولمة والخصخصة وغسيل الأموال، عن مشكلة الشرق الأوسط وقبرص واليونان!
أقنعوني أن الحقوق –ما لهم- تفوق الواجبات –ما عليهم- وأن «الأم» دائمًا وأبدًا رمز للعطاء والتسامح والحنان، وتأكدت أن الإنسان بلا مال -خصوصًا الوالدين- يُصبح ذكرى إنسان!
نظام آخر
دربوني على أن الغداء ووجبة العشاء يعدَّان مرتين وثلاثًا، وإن تجرأت وتوجعت أوهمني «ثلاثتهم» أن الحركة وعدم الاستسلام والنشاط أحدث صيحة للشفاء!
جعلوني يقظة، منتبهة، كلي آذان مُصغية معظم الأوقات، عملت –ومازلت- سكرتيرة، وساعة ناطقة تذكرهم بمواعيدهم، وكثيرًا ما كنت «أنسر ماشين» لمكالماتهم، وحمدًا لله على ظهور الجوال!

عودوني أن أختلي بغرفتي بعد العشاء؛ لأحظى بقدر من الخصوصية، فأستمع لنغمة طرب حلوة وأستمتع بكلمات «أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب»، وربما قرأت في كتاب بعد نضال بطولي طوال ساعات النهار ووسط صخب «البوب» وموسيقى «الراي».
علموني معنى جديدًا لحرية الرأي، وأن الحياة أخذ وعطاء، وأوهموني أن الطاعة والالتزام كلمات من خارج الزمان، وربما أسقطها الأبناء... كل الأبناء من قاموس الألف باء!
أقنعوني بفلسفة «غاندي» في الكفاح، وأن المقاومة السلبية بالصمت أو الغليان هي وسيلتي الأولى والأخيرة في الدفاع!
... أشعروني بجو المعارك والقتال من دون أسلحة أو بنادق أو حتى أعداء!

نعم، كبر الأبناء ومعهم زاد العذاب، لكنه أحلى عذاب؛ فإن اختلفت معهم أجدني -بعد لحظات- بجانبهم نوفق الآراء، وإن غابوا عني لساعات بحثت عنهم من باب إلى شباك، وربما رسمت وجوههم بـ«الطابشور» على الحيطان... على رأيك يا «كاظم»!

أعطيتهم الحب والحنان، وعرفتهم كيف يكون الوفاق! فعلموني الطاعة والانسجام وتبادل الآراء، سعيدة أنا بهذا الحب ومعه العذاب، أليست الجنة تحت أقدام الأمهات؟!