سر أهمية اللغة العربية ومراحل تطورها

 أهمية اللغة العربية ومراحل تطورها
بعد الفتوحات الإسلامية انتشرت اللغة العربية بشكل كبير
تُعد اللغة العربية أكثر اللغات السامية تحدثاً وأكثرها غزارة في مفرداتها، وانتشاراً في العالم، وللقرآن الكريم فضل عظيم عليها؛ حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته، في حين اندثرت معظم اللغات السامية، واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 422 مليون نسمة بوصفها اللغة الأم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه بوصفها لغة ثانية.

أهمية اللغة العربية

اللغة العربية لغة غنية جداً فهي لغة البلاغة والفصاحة
يقول طلعت سليم الباحث بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة المنصورة لـ"سيدتي": لاشك في أن اللغة العربية لغة غنية جداً؛ فهي لغة البلاغة والفصاحة ولغة العروض والبيان، وهي من اللغات الشِّعرية، فكثير من الكلمات في اللغة العربية تحتوي على العديد من المعاني، ويعود السبب الأساسي لأهميتها إلى كونها لغة مقدسة عند جميع المسلمين؛ لأنها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، فاصطبغت بصبغة القدسية.
تُعد اللغة العربية إحدى أقدم اللغات الحية على وجه الأرض؛ فقد أمضت ما يزيد على ألف وستمائة سنة، وقد تكفَّل الله سبحانه وتعالى بحفظها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ومنذ عصور الإسلام الأولى انتشرت العربية في معظم أرجاء المعمورة وبلغت ما بلغه الإسلام وارتبطت بحياة المسلمين، فأصبحت لغة العلم و الأدب والسياسة والحضارة، واللغة العربية لها أهمية كبرى.

دمج حضارات مختلفة في حضارة واحدة

إلى جانب كونها لغة الدين والعبادة، استطاعت اللغة العربية أن تستوعب الحضارات المختلفة، العربية، والفارسية، واليونانية، والهندية، المعاصرة لها في ذلك الوقت، وأن تجعل منها حضارة واحدة، عالمية المنزع، إنسانية الرؤية، وذلك لأول مرَّة في التاريخ؛ ففي ظل القرآن الكريم أصبحت اللغة العربية لغة عالمية، واللغة الأم لبلاد كثيرة، ولقد شرف الله تعالى اللغة العربية بجعلها لغة وثيقة الصلة بالدين الإسلامي والشريعة الإسلامية الشريفة فأرسل خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من نسل عربي، وأُنزل عليه القرآن الكريم باللغة العربية الفصيحة، فقال سبحانه وتعالى: {قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون} وقال أيضاً: {بلسان عربي مبين} وبين سنته وشرائعه بها فازدادت شرفاً، وقد اصطفى الله هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون لغة كتابه العظيم ولتنزل بها الرسالة الخاتمة: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون}، ومن هذا المنطلق ندرك عميق الصلة بين العربية والإسلام، كما نجد تلك العلاقة على لسان العديد من العلماء ومنهم ابن تيمية حين قال: "معلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرضٌ على الكفاية".

تقوية الروابط والصلات بين المسلمين

وتنبع أهمية العربية في أنها من أهم مقوِّمات الوحدة بين المجتمعات، وقد دأبت الأمة منذ القِدَم على الحرص على تعليم لغتها ونشرها لطالبي العلم فيها على اختلاف أجناسهم وألوانهم وما زالت؛ فالعربية لم تَعُد لغة خاصة بالعرب وحدهم، بل أصبحت لغة عالمية يطلبها ملايين المسلمين في العالم اليوم لارتباطها بدينهم وثقافتهم الإسلامية، كما أننا نشهد رغبة في تعلم اللغة من غير المسلمين للتواصل مع أهل اللغة من جانب وللتواصل مع التراثين العربي والإسلامي من جهة أخرى، وتعليم اللغة العربية هو واجب على المسلمين؛ لأن تعليمها ليس قضية تعليمية فقط بل هي قضية عقيدية ورسالة سامية أيضاً، كما روى عمر بن الخطاب أنه قال: "تعلموا العربية فإنها من دينكم"، ولذلك واجب على المسلمين فهم اللغة العربية لأنها يتوقف عليها فهم القرآن والسنة النبوية، ولا تتم العبادات إلا بها، لا يفهم الإنسان القرآن الكريم والسنة النبوية إلا إذا كان ماهراً في اللغة العربية.

بها توحد العرب قديماً وحديثاً

يؤكد سليم أن اللغة العربية هي الأداة التي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها وبوساطتها اتصلت الأجيال العربية جيلاً بعد جيل في عصور طويلة، وهي التي حملت الإسلام وما انبثق عنه من حضارات وثقافات، وبها توحد العرب قديماً، وبها يتوحدون اليوم ويؤلفون في هذا العالم رقعة من الأرض تتحدث بلسان واحد، وتصوغ أفكارها وقوانينها وعواطفها في لغة واحدة على تنائي الديار واختلاف الأقطار وتعدد الدول، واللغة العربية هي أداة الاتصال ونقطة الالتقاء بين العرب وشعوب كثيرة في هذه الأرض أخذت عن العرب جزءاً كبيراً من ثقافتهم واشتركت معهم.
وإذا كنت من عاشقي اللغة العربية فهذه بعض الحقائق المدهشة عن اللغة العربية في يومها العالمي

مراحل تطور اللغة العربية

مراحل تطور اللغة العربية

بعد الفتوحات الإسلامية اللغة العربية في أوج ازدهارها

وعن مراحل تطور اللغة العربية يقول سليم: بعد الفتوحات الإسلامية انتشرت اللغة العربية بشكل كبير، وتأثر بها الكثير من الشعوب وخاصة بعد اعتناق السريان والآشوريين والروم والأمازيغ والأقباط للدين الإسلامي؛ حيث إن اللغة العربية هي لغة المصدر التشريعي الإسلامي للقرآن والأحاديث النبوية والصلاة والعبادات الأخرى، وكان هذا له أثر كبير في انتشار اللغة العربية في تلك الفترة، كما أن الشعوب العجمية أيضاً أصبحت تتحدث اللغة العربية بوصفها لغة ثانية إلى جانب لغتها الأم، خاصة أن اللغة العربية في تلك الفترة كانت في أوج ازدهارها؛ لأنها كانت لغة العلم والأدب في ظل الخلافة العباسية والأموية، ومع مرور الزمن أصبحت اللغة العربية هي لغة الشعائر السائدة في تلك الفترة مثل الشعائر المسيحية في الوطن العربي، وفي كنائس الروم الأرثوذوكس والكاثوليك والسريان، وأيضاً الديانة اليهودية في العصور الوسطى كتبت الكثير من أعمالها الدينية والفكرية باللغة العربية.

للعجم دور كبير في تطوير اللغة العربية

وقد كان للعجم أيضاً دور كبير في تطوير اللغة العربية بالعصرين العباسي والأموي، حيث كانوا يترجمون العلوم آنذاك إلى لغتهم الأم، فكانت تظهر مصطلحات وكلمات جديدة لم تكن موجودة من قبل، وفي العصر الذهبي وصلت اللغة العربية إلى أعلى مراحل ازدهارها وتطورها بعد انتشار ظهور الأدباء والشعراء والعلماء الذين كانوا يعبرون عن أفكارهم ومعتقداتهم باللغة العربية؛ فتم تأليف العديد من الكتب والمخطوطات باللغة العربية في جميع المجالات العلمية والثقافية، وفي العهد الصليبي تأثر بها العديد من اللغات الأجنبية الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية، وذلك يعود للاختلاط في ما بين العرب والأعاجم.

الغزو المغولي وتخريب الثقافة العربية

ولكن عند الاجتياح المغولي بقيادة هولاكو خان كانت اللغة العربية في أسوأ حالاتها؛ فقد أصابها ركود كبير، وذلك بسبب التدمير الهائل الذي حصل جراء الغزو المغولي الذي أدى إلى تخريب الثقافة والحضارة العربية، وفي العصر المملوكي لم يعد يهتم العرب بتطوير اللغة والعلوم لانشغالهم في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدمار والتخريب الذي خلفه هولاكو خان، كما أنها بدأت بالتضاؤل بعد نفي غالبية السكان المسلمين من الأندلس؛ فأخذت اللغة تتراجع بشكل كبير، وخاصة بعد تراجع الاكتشافات العلمية العربية وظهور الحضارة الأوروبية.

فترة الفتوحات العثمانية

أما في فترة الفتوحات العثمانية، فقد استطاعت اللغة العربية تثبيت موطئها في الأناضول وبلاد البلقان، وخاصة بعد اعتناق الكثير من السكان للإسلام، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية الثانية في عهد الدولة العثمانية، ولكنها سرعان ما فقدت مكانتها مع بداية القرن السادس عشر، فأصبحت لغة الدين الإسلامي فقط في الدولة العثمانية، خاصة في ما يتعلق بالعلوم والآداب؛ لأن العثمانيين لم يكونوا ذوي اهتمامات علمية وثقافية كبيرة مثلما كان في العصر العباسي.

إحياء اللغة العربية الفصحى عقب 400 عام من الركود

وقد عادت حالة الركود إلى اللغة العربية قرابة 400 سنة، ثم انتعشت بعض الشيء في أواخر القرن التاسع عشر بعد النهضة الثقافية التي شهدتها بلاد الشام ومصر؛ فازدادت أعداد المثقفين والمتعلمين، وفي هذه الفترة انفتح الكثير على تجميع الحروف العربية، ونشر الصحف الحديثة باللغة العربية لأول مرة، وأُقيم العديد من الجمعيات الأدبية، ما أدى إلى إعادة إحياء اللغة العربية الفصحى من جديد.
ويمكنك التعرف بالسياق التالي إلى أنواع الخطوط العربية

أدباء ساهموا في إثراء اللغة العربية

بعد الفتوحات الإسلامية انتشرت اللغة العربية بشكل كبير
من أشهر الأدباء الذين ساهموا في إثراء اللغة العربية في تلك الفترة:
- أمير الشعراء أحمد شوقي.
- الشيخ ناصيف اليازجي.
- الأديب اللبناني بطرس البستاني.
- الشاعر اللبناني الكبير جبران خليل جبران.
وقد ظهرت على يد هؤلاء القواميس والمعاجم العربية الحديثة مثل قاموس محيط المحيط ودائرة المعارف التي لا يزال بعضها يُستخدم إلى الآن، كما تأسست الصحافة العربية التي كان لها دور كبير في إحياء الفكر العربي، ولكن -يا للأسف!- هذه الانتعاشة كانت مقتصرة فقط على الأدب وليس في المجال العلمي؛ فلم تعد اللغة العربية -كما في السابق- لها دور في هذا المجال خاصة بعد الحرب الباردة في أواخر القرن العشرين، فأصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة المنتشرة في غالبية الدول حتى بالدول العربية، خاصة بعدما أصبحت اللغة الأساسية في التعاملات والرسائل التجارية والعلمية، على أنه في الوقت الحالي، تواجه اللغة العربية تحديات عدة منها تداخل اللهجات المحلية، وتأثير اللغات الأجنبية في اللغة العربية الفصحى، لكن اللغة العربية ما زالت تحتفظ بجمالها وتراثها.
وحول المزيد من اللغة العربية يمكنك متابعة إطلاق أول إطار مرجعي عالمي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها