mena-gmtdmp

جامع اللوحات ألكسندر ريّس: للفن الرقمي مستقبل مشرق في منطقتنا

بمنطقةِ «الحمرا» في بيروت، أسَّس ألكسندر ريّس، جامعُ اللوحاتِ الرقميَّة، «دي جان آرت جاليري» DiGen Art Gallery، الأوَّلُ للفنِّ الرقمي في لبنان. «سيدتي» جالت في المكان، وحاورت مؤسِّسه؛ ثمَّةَ متعةٌ في الحديثِ مع ألكسندر، فهو شابٌّ متحمِّسٌ للفنِّ الرقمي، ووسائطه، ونتاجاتِ المبدعين العربِ في المجال. يقولُ لنا عن تخصُّصه: «يتفاعلُ الجيلُ الجديدُ بقوَّةٍ مع هذا النوعِ من الفنِّ المُعدِّ باستخدامِ الآلة، كما يتقاربُ عاطفياً منه». ويرجعُ ريّس إلى تاريخِ الفنِّ الرقمي في العالم، وإلى مبدعين عبَّدوا الطريقَ له مثل فيرا مولنار، الفنانة التي تعدُّ عرَّابةَ هذا الفنِّ، وهي الراحلةُ عن دنيانا عن عمرٍ يناهزُ الـ 99 عاماً. ويوضحُ أن «أشكال التعابيرِ الأولى عن الفنِّ الرقمي، تحقَّقت من خلال البرمجةِ الإبداعيَّةِ حينما كانت الكمبيوتراتُ ضخمةً، ويشغلُ الواحدُ منها مساحةَ غرفةٍ، ودون شاشةٍ! بالتالي، للوصولِ إلى اللوحةِ الفنيَّةِ الرقميَّة، كان على الفنان أن يقضي وقتاً طويلاً، ويبذل جهداً كبيراً». يضيفُ: «تطوُّرُ هذا التعبيرِ الفني، تحقَّق عن طريق الذكاء الاصطناعي على هيئة صورٍ وفيديوهاتٍ»، ثمّ يغوصُ في الفنِّ الرقمي، وأصوله، ويستذكرُ قولاً للفنانِ البصري الأمريكي رومان فيروستيكو، مفاده بأن «الزخارف الهندسيَّة الإسلاميَّة، هي سلفُ فنِّ الخوارزمياتِ الحديث، ما يحثُّ على الإفادة من هذا التراثِ، لتكون العربُ في طليعةِ ثورةِ الفنِّ الرقمي». في الآتي، نصُّ الحوار مع ريّس.

تقاطعُ الفنِّ والتكنولوجيا

ألكسندر ريّس
ألسندر ريّس، في «دي جان آرت جاليري» الكائن في الحمرا، ببيروت

ما الأسبابُ التي دفعتك إلى تأسيسِ «دي جان آرت جاليري»؟

جذبني تقاطعُ الفنِّ والتكنولوجيا، لا سيما البرمجةُ الإبداعيَّةُ، وفنُّ الذكاء الاصطناعي، وهما من الأساليبِ الفنيَّةِ التي أعتقدُ أنها تعكسُ عصرنا الراهن. مع ظهورِ معارضِ الفنِّ الرقمي في الولاياتِ المتحدة الأمريكيَّة وأوروبا، أدركتُ أن هناك فجوةً في الشرقِ الأوسط، وقادني شغفي بهذه الأشكالِ الفنيَّةِ إلى جلب تعبيراتٍ مبتكرةٍ عنها إلى المنطقة، ابتداءً من لبنان، موطني.

جذور الفن الرقمي العربي

جولة «سيدتي» في «دي جان آرت جاليري»
لقطة من جولة «سيدتي» في «دي جان آرت جاليري»

ماذا عن جذورِ الفنِّ الرقمي العربي والتجاربِ الأولى فيه؟

يُقدِّرُ «دي جان آرت جاليري»، بعمقٍ، تاريخَ الفن الرقمي، وفي هذا السياق، أمتلكُ أعمالاً فنيَّةً لروَّادٍ في المجالِ أمثال فيرا مولنار، ومانفريد مور، اللذين فتحَا الطريقَ لهذا الوسيطِ في ستينياتِ القرن الماضي، لكنْ الفنُّ الرقمي في العالم العربي، ليس موثَّقاً بشكلٍ جيدٍ! فبخلافِ بعض الشخصياتِ الملحوظةِ في المجال مثل سامية حلبي، هناك قليلٌ من الاعترافِ بالفنانين الرقميين العرب! لذا تمتدُّ مهمة «الجاليري» إلى البحثِ عن المساهمين الأقلّ شهرةً بالفنِّ الرقمي في منطقتنا، وتسليط الضوءِ عليهم.

مَن هم المهتمُّون بالفنِّ الرقمي في العالمِ العربي؟

إضافةً إلى «دي جان آرت» في بيروت، هناك "جاليري" آخر للفنِّ الرقمي، أُسِّس في دبي منذ فترة، إلى جانبِ قسمِ الفنِّ الرقمي في معرضِ «آرت دب»"، الذي افتُتح قبل أعوامٍ قليلة، ويكتسبُ تدريجياً شهرةً وأهميَّةً. ألاحظُ أن الفنَّ الرقمي، يُمكِّن من جذب شريحة واسعة من الناس، لا سيما الجيل الجديد الذي قد يشعرُ بالصعوبةِ أمام تعقيداتِ الفنِّ المعاصر، وحصريَّةِ المعارضِ التقليديَّة، وكأنَّ الأخيرةَ موجَّهةٌ لفئةٍ معيَّنةٍ من الجمهور!

سوق الفن الرقمي

أعمال في «دي جان آرت جاليري»
أعمال متعددة الوسائط الفنية في «دي جان آرت جاليري»

الـ NFTs، أي «الرموز غير القابلةِ للاستبدال»، هل تمثِّلُ الطريقةَ الوحيدةَ لتسويق الفنِّ الرقمي؟

الـ NFTs تكنولوجيا جديدةٌ، تستفيدُ من تقنيةِ «بلوك تشين»، أو «سلسلة الكتل» التي تدعمُ العملات المشفرة، والمنتجاتِ ذات الصلةِ بها مثل الرموزِ غير القابلةِ للاستبدال، ما يُيسِّر عمليتَي تسويقِ وتسعيرِ أعمال الفنِّ الرقمي، مع ضمانِ المصداقية. إلى ذلك، بيعت أعمالُ الفنِّ الرقمي من خلال وسائلَ مختلفةٍ قبل ظهورِ تقنية NFTs، لكنْ مع الأخيرةِ، ازداد تملُّك الفنِّ الرقمي، ما أعاد الحياةَ إلى جزءٍ من الفنِّ، كان غالباً مُتجاهلاً، بصورةٍ جزئيَّةٍ، بسبب التحدِّياتِ المتعلِّقةِ بالتسويق والتسعير.

المزاداتِ العالميَّة

هل يؤثِّرُ وصولُ بعض الأعمالِ إلى المزاداتِ العالميَّة "كريستيز، مثلاً" في تطوُّرِ الفنِّ الرقمي؟

بالتأكيد. لقد قامت المزاداتُ بدورٍ حيوي في تعزيزِ الفضاءِ الخاصِّ بالفنِّ الرقمي. على سبيل المثال، خصَّصت «سوذبيز» فرعَ «ميتافيرس» للفنِّ الرقمي حصراً، ويشهدُ الفرعُ نمواً مستمراً. وإضافةً إلى المزادات، هناك متاحفُ عالميَّةٌ، أفسحت مساحاتٍ لعرض أعمالٍ، تنتمي إلى الفنِّ الرقمي مثل مركز «بومبيدو» في باريس، ومتحفِ الفنِّ الحديثِ في نيويورك «موما»، الذي عرضَ نتاجَ الفنانِ الرقمي رفيق أنادول، ما يشيرُ إلى الاعترافِ والدمجِ الأوسعِ للفنِّ الرقمي بالمؤسَّساتِ الفنيَّةِ المُعتمدة.

حوارٌ بين الفنان والجهاز

لوحات رقمية
لوحات رقمية في «دي جان آرت جاليري»

في ظل استخدامِ الذكاءِ الاصطناعي بالأعمالِ الفنيَّة، هل تنسبُ هذه الأعمالُ للفنانين، أم الذكاءِ الاصطناعي؟

دون الفنانِ، لن تكون هناك رغبةٌ بالفنِّ، أو رؤيةٌ خلفه، فالإنسانُ يملأ الجهازَ بالمعنى. كذلك يقومُ الفنانُ، الذي يستخدمُ الذكاء الاصطناعي واسطةً، بحوارٍ مع الجهاز، والأخيرُ أداةٌ مساعدةٌ له من أجل تحقيقِ أفكاره بالكامل. أيضاً يمكن أن يقدِّم الجهازُ مفهوماً عن الجمالِ، ويؤدي دوراً في العمليَّةِ الإبداعيَّةِ الفريدة، لذا يجبُ على الفنانِ التنقُّلُ بمهارةٍ في إطارِ هذا التفاعل.

الفنّ الرقمي في المنطقة العربيّة

كيف ترى مستقبلَ الفنِّ الرقمي في المنطقةِ العربيَّة؟

أتصوَّرُ مستقبلاً مُشرقاً للفنِّ الرقمي في منطقتنا، فهذا الفنُّ يتَّصلُ بصورةٍ عميقةٍ بأسئلةِ الإنسانِ المعاصرِ واهتماماته، كما يحصدُ إعجابَ مزيدٍ من الناس، وجامعي الفنِّ. تجدرُ الإشارةُ هنا إلى أن منطقتنا، من الناحيةِ التاريخيَّةِ، كانت تتبعُ غالباً الاتجاهاتِ الغربيَّة، لكننا نشهدُ في الوقتِ الراهن على مؤسَّساتٍ في المنطقةِ العربيَّة مثل «آرت دبي»، تتصدَّرُ المشهدَ في مجالِ الفنِّ الرقمي. إلى جانب ذلك، قد لا يعرفُ أشخاصٌ كثرٌ التاريخَ الغني لمنطقتنا، وتحديداً فنَّ الخوارزميات، في إطارِ الفن الإسلامي، الذي يمثِّلُ أوَّل جذورِ الفنِّ الرقمي، وعليه تملأني الحماسةُ للإفادةِ من هذا التراثِ حتى نكون في طليعةِ ثورةِ الفنِّ الرقمي.

الفنّ الرقمي يتصل بصورة عميقة بأسئلة الإنسان المعاصر واهتماماته

ما ردُّك على الذين يُقلِّلون من قيمةِ الفنِّ الرقمي؟

سأردُّ عبر التأكيدِ، أن عديداً من أشكالِ الفنِّ، واجه تحدِّياتٍ في بداياتِ ظهوره، مثلاً انتقدت المؤسَّساتُ الفنيَّةُ التقليديَّة، ورفضت عرضَ لوحاتٍ لفنانين انطباعيين، ما دفعَ بهم إلى إقامةِ معارضَ بديلةٍ! بالمثل، كانت علبُ «حساء كامبل» الرمزيَّة لآندي وارهول، التي تعكسُ استهلاكيَّةَ الشعب الأمريكي، غير مفهومةٍ في البداية. نصيحتي لأي شخصٍ، يقتربُ من الفنِّ الرقمي، أن يحافظَ على عقلٍ مفتوحٍ، ويبقى فضولياً، وأن يطرحَ الأسئلةَ أيضاً. بخلاف ذلك، تمثِّلُ تصوُّراتنا السابقةُ قناعاً، يحولُ بيننا وبين تقديرِ الجمال.