يمكن للألوان أن تُثير المزاج، وتحرك أحاسيس قوية، أو تهدئ الأعصاب، فتدعوك للاسترخاء والهدوء، فللألوان مقدرة فائقة على التحكم في كثير من المشاعر المختلفة، من السعادة والهدوء إلى الغضب والقلق والثورة، ولذلك ففهم سيكولوجية الألوان أمرٌ أساسي، ليس فقط للفنانين الذين يسعون للتعبير عن رؤية ما أو شعور يسعون لتجسيده عبر فضاءات اللوحات، بل أيضاً للمشاهدين الذين يسعون لفهم تأثير العمل الفني على حالتهم النفسية.
في هذا الفضاء الذي يلتقي فيه الشعور بالفن، وتتأثر المشاعر بالتكوينات اللونية وتدرجاتها وما تثيره من معانٍ عميقة تتداخل وتتشابك مع داخلنا الغني بمختلف المشاعر والأحاسيس، بالسياق التالي "سيدتي" التقت لبنى عبد القادر السروجي؛ لتقدم لكم دعوة لاكتشاف كيف تُشكل الألوان إدراكنا للعالم، من خلال حوار عن علاقة الألوان بالمشاعر في الفن والرسم.
هل هناك علاقة بين الألوان والمشاعر؟

تقول لبنى عبد القادر السروجي – فنانة تشكيلية لـ"سيدتي": هناك علاقة وثيقة لا يمكن إنكارها أو تهميشها ما بين الإنسان بدواخله المختلفة المظلمة والمبتهجة، الحزينة والفرحة، القاسية والحنونة، المنطقية والخيالية، والفن بمختلف صياغاته وأشكاله، وما يحيط به من عوالم الألوان والظلال والنسب والأشكال، على أن علاقة الألوان بالمشاعر تبدو واضحة جلية في الفن والرسم، فالألوان عالم نابض بالحياة، غني متنوع بلا حدود، يمكنها أن تُثير المزاج وتُحرك الأحاسيس وتغير حالة الإنسان، وقديماً منذ قرون مضت، استخدم الفنانون أصباغاً مختلفة في الرسم وفي أعمالهم الفنية للتعبير عن مشاعرهم والتأثير في جماهيرهم.
هل هناك قواعد تحكم استخدام الألوان؟
يُخبرنا موقع artamsterdam-com، أنه لم تُطرح نظرية علمية للألوان وقواعد تحكم استخدام الألوان في الفنون إلا في القرن الثامن عشر، مع ظهور عجلة الألوان التي وضعها إسحاق نيوتن.
- مع وصول جوته، بعد فترة من الوقت، تم تقديم نظرية تفسر ارتباط اللون بالخبرات العاطفية البشرية.
- حتى منتصف القرن السابع عشر، اعتقد العلماء أن الألوان مزيج من الضوء والظلام. وأجروا تجاربهم بإسقاط ضوء الشمس على سطح عبر منشور، وزعموا أن البلورات تُلوّن الضوء الأبيض المنبعث من الشمس، مما يُنتج بعض ألوان قوس قزح.
- كان إسحاق نيوتن هو منْ أكّد، عام 1665، أن وظيفة المنشور هي فصل الألوان التي تُكوّن الضوء الأبيض، لا تلوينه. وقد فعل ذلك بانكسار الضوء على سطح من مسافة أكبر بكثير.
- في عام 1666، ابتكر نيوتن مخططاً دائرياً بألوان قوس قزح السبعة: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، والبنفسجي. تُبيّن هذه الدائرة اللونية، التي لا تزال تُستخدم حتى اليوم، أن الضوء الأبيض يتكون من هذه الألوان؛ لأنه عند تدويرها بسرعة عالية، تُدرك العين البشرية اللون الأبيض.
- شرح نيوتن الجانب الفيزيائي للألوان، لكنه لم يبحث في الجانب النفسي، ولم يتطرق لكيف تُؤثر علينا الألوان وكيف تتغير مشاعرنا من خلالها، وما علاقة الألوان بالعواطف؟.
- تناول الشاعر الألماني جوته دراسة الألوان من وجهة نظر الإدراك في عام 1810. وبهذه الطريقة تمكن من إقامة علاقة بين الألوان والحالات المزاجية التالية: الواضحة، والجادة، والكئيبة، والقوية، والهادئة.
- قام البروفيسور ماكس لوشر (1927)، رئيس معهد التشخيص النفسي الطبي في لوسيرن، بتطوير نظام لتحديد الجوانب النفسية وفقاً للألوان التي يختارها المريض.
- عقب ذلك ظهر ما يُعرف بعلم نفس الألوان، وتم تعريفه على أنه "دراسة درجات الألوان كمحدد للسلوك البشري".، ومنذ ذلك الوقت أخذ الفنانون في الاعتبار تأثير الألوان في عمل فني على مشاعر جمهورهم. بل ويمكنهم أيضاً إثارة مشاعر وأفكار معينة.
ويمكنك متابعة الرابط والذي يُخبرك بالألوان من أنت.. وعلاقة خيارك بالطاقة النفسية
تأثير الألوان على الفنانين وكيف شكلت حياتهم لمراحل؟
تستكمل التشكيلية لبنى عبد القادر السروجي الحديث عن علاقة الألوان بالمشاعر، وتأثير الألوان في العلم الفني تقول: هناك الكثير من الفنانين والذين تم تقسيم حياتهم لمراحل ملونة عكست تطورهم الفني ونظرتهم لكثير من الأمور، ويمكننا أن نشاهد ذلك بوضوح في حياة أحد أشهر فناني القرن العشرين بالعالم، وهو بيكاسو خلال المرحلة الزرقاء والوردية بحياته.
توضح: في "الفترة الزرقاء" أنتج بابلو بيكاسو أعمالاً مُذهلة، مُصوّراً مشاهداً خالية من الأمل، وقد اختبر صراعاً بين الحياة والموت، لم يختبره بعد في جسده، والذي دفعه إلى التعبير عن نفسه بطرق لم يعرفها من قبل، فكان استعماله للون الأزرق في أغلب أعماله خلال هذه الفترة يرجع إلى الحزن والفقر والاكتئاب الذي كان يملؤه، لاحقاً، في "الفترة الوردية"، استخدم ألواناً مبهجة كالأحمر والبرتقالي والوردي. وهكذا، يُمكننا رؤية التباين المباشر مع الألوان الباردة لفترته السابقة.
ويمكنك من السياق التالي التعرف إلى المزيد عن الألوان.. دلالات ثقافية ومجتمعية وزمنية
تأثير الألوان على المشاعر له دلالات

تقول لبنى: على الرغم من الجدل المثار منذ سنوات طويلة حول عدم صحة ربط الألوان بمشاعر محددة، إلا أن هناك ردود فعل لا شك فيها يمكن أن تُحدثها الألوان فينا نحن البشر، فلقد أخبرتنا كثير من الدراسات أن علاقة الألوان بالمشاعر لها جوانب متعددة، منها دلالات بيولوجية وثقافية ونفسية واجتماعية فمثلاً:
اللون الأخضر
يرتبط اللون الأخضر بالطبيعة ارتباطاً وثيقاً أكثر من الأزرق. وتُوفر النباتات والأشجار مجموعة واسعة من درجات اللون الأخضر حولنا، ومن ثمّ ترى معظم الثقافات أن اللون الأخضر رمزٌ للشباب والصحة، كما أنه يرتبط بالرخاء والحياة.
اللون الأحمر
من المعروف أن اللون الأحمر الفاقع والصارخ يُعبّر عن الغضب والاضطراب. ومع ذلك، فإن الأحمر لا يُعبّر فقط عن الإحباط أو الفوضى، بل يُعبّر عن الشغف وتدفق المشاعر والحب.
اللون الأزرق
يشير إلى الهدوء والتأمل، فالأزرق هو لون العمق والسكينة واللانهاية. غالباً ما يرتبط بالسماء والبحر، وهما عنصران يوحيان بالفضاء والحرية.
اللون الأصفر
لون الطاقة والتفاؤل، ولون الشمس، يرتبط بالفرح والطاقة والتفاؤل. إنه لونٌ يُنير الروح ويُوقظها، ومع ذلك، عند استخدامه بقسوة أو في سياق خاطئ، قد يسبب الإحباط وعدم الراحة. كما يرتبط الأصفر بتحفيز الشهية.
بالنهاية تؤكد لبنى ان تأثير الألوان على عواطفنا أمرٌ نختبره يومياً، وغالباً دون أن ننتبه. فللألوان قدرةٌ على التأثير على مزاجنا وسلوكنا، وهي تؤثر كذلك على إدراكنا للعالم من حولنا وتفاعلاتنا معه، ومن هنا يستخدمها الاطباء النفسيون وغيرهم في سياقات علاجاتهم؛ لتؤتي ثمارها فتساعد في علاج كثير من الحالات، ومن كل ما سبق ندرك أن اللون يتجاوز جمالياته الخاصة؛ ليصبح أداةً فعّالة في التعبير الفني، قادرة على التواصل مباشرةً مع مشاعر المشاهد والتأثير فيه بمختلف الطرق.
قد ترغبين في التعرف إلى: تأثير الألوان في إثارة المشاعر بين الناس