ليس هناك أجمل من لحظات نبتعد فيها عن صخب الحياة، لنغرق في صفحات كتاب، وما أجمل رائحة الورق حين تمتزج بعطر الفكر والثقافة! أهلاً بكم في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، الذي أصر هذا العام أيضاً على أن يؤكد للعالم أجمع أن "الرياض تقرأ"، وتقرأ بوعي وإدراك وحكمة، بكبارها وصغارها، بمواطنيها ومقيميها وزوارها.
في الحدث الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية، يقف عشاق الكتب أمام تجربة غنية متكاملة واسعة الآفاق، ومئات الآلاف من الخيارات المتنوعة؛ ليضموها إلى مكتباتهم الثقافية، من خلال أكثر من 2000 دار نشر ووكالة من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى برنامج ثقافي غني، يعد الأكبر والأكثر تنوعاً في العالم العربي، إذ يشارك خبراء ومتحدثون ومبدعون محليون وعالميون في عدد من الجلسات النقاشية والأمسيات الشعرية وورش العمل المتخصصة والفعاليات المتنوعة.
"سيدتي" التي تعرف بدورها المتقدم في خدمة الثقافة العربية، تواكب الحدث كعادتها في كل عام، فحضر فريقها منذ اللحظات الأولى لليوم الافتتاحي، لينقلوا لكم أبرز مشاهداتهم وبعض اللقاءات الحصرية.
تغطية وتصوير: عبير بو حمدان
احترام ذائقة القارئ

بين أجنحة الدور المشاركة، كانت لنا وقفة عند دار تشكيل، الفائزة بجائزة النشر في "الجوائز الثقافية الوطنية"، التي أقيمت خلال شهر سبتمبر الماضي برعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حيث التقينا مدير النشر في الدار؛ الكاتب والشاعر رمزي بن رحومة، إذ قال لنا: "تشكيل دار سعودية، وكل ما هو عالمي يجب أن يكون عالمياً بصيغته المحلية؛ أي أن الدار السعودية لكي تنجح وتصل إلى ربوع العربية -ولِمَ لا إلى العالمية- عليها أن تكون ناجحة محلياً".

وأضاف: "دار تشكيل فازت منذ حوالي شهر بجائزة النشر، ضمن الجوائز الثقافية الوطنية برعاية سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، فازت بهذه الجائزة قبل شهر من معرض الرياض للكتاب، وهذا إن دلّ على شيء؛ فيدل على اهتمام تشكيل بأن تكرس نفسها داراً جادة، قدمت أعمالاً تليق بالقارئ السعودي، وتحترم ذائقته وفكره، ومنشوده الأدبي".
وعمّا تقدمه الدار في جناحها هذا العام، قال: "هذه السنة هنالك أكثر من خط، هنالك خط فلسفي أو فكري، ما بين الفلسفة والفكر، والتي هي سلسلة حد، وهنالك خط في الترجمة إصداراته كثيرة جداً؛ وهي سلسلة رحول للترجمة، وتشمل روايات وكتباً مثل السير الذاتية والمذكرات، ومختلف الأنواع الأدبية، لكنها أعمال مترجمة وحاصلة على جوائز عالية، مثلاً، الرواية الفائزة بالبوكر 2023 ترنيمة نبوية، إلى جانب مجموعة أخرى من الجوائز، وأغلب الروايات ستجدون عليها ملصقات تشير إلى الجوائز التي فازت بها هذه الكتب، كرواية المسعور، وأعمال عديدة فازت بجوائز عالمية وشهد لها النقاد بأنها من أجود ما كتب في السنوات الأخيرة".

وتابع: "تصدر تشكيل هذه الأعمال، بترجمة دقيقة وعمل على التحرير والتدقيق اللغوي؛ لتوطين تلك الأعمال المترجمة في تربة اللغة العربية، وتصبح كأنها كتبت بالعربية؛ كي لا يجد القارئ صعوبة في قراءتها، لأنه كثيراً ما تكون معضلة الترجمة هي التي تشوه العمل، هذا إلى جانب الأعمال العربية، مثل رواية حبل الجدة طوما، للكاتب عبد الوهاب عيساوي، وهو غني عن التعريف، وقد فاز بروايته "ديوان الإسبرطي" بجائزة البوكر العربية 2020، كذلك رواية "ضعي أوزارك"، وكتب جديدة في الشعر، وكتب في تطوير الذات، وفي مجالات عديدة، المعيار هو الجودة، على أن تكون هذه الأعمال ذات جودة عالية، وأعمالاً تفيد القارئ، وليست مجرد أعمال للتسلية".
الزخرفة العربية.. بروح أوزباكستانية

في الجناح الأوزباكستاني، الدولة الضيفة هذا العام، تعرفنا إلى ثقافة غنية تعد مزيجاً من التأثيرات الشرقية والغربية، وشاهدنا مشاركات متنوعة من مبدعين في الحرف اليدوية؛ مثل النقش وصناعة السجاجيد والتطريز، كذلك المأكولات، والأزياء، والفنون، وغيرها. وتبرز في الجناح أعمال لـ"أستاذ الخط" الخطاط حبيب الله صالح البخاري، الذي يعد من أمهر الفنانين في الخط العربي بأساليبه المختلفة.
وقال الخطاط الأوزبكي في حديث لـ "سيدتي" خلال تواجده في المعرض: "بارك الله في جهود حكام المملكة وشجاعتهم، العالم كله حروب وعدوان، لكن هنا في الرياض عيون الناس ترى هذه المهرجانات والأحداث، وأعود دوماً لقوله عزّ وجلّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وأنا سعيد جداً بتواجدي في هذا المعرض، وأن العديد من الإخوة والأخوات يعرفوننا".

وزودنا حبيب الله صالح البخاري بمعلومات مفصلة عن المخطوطات والمستندات واللوحات التي يعرضها ضمن الجناح، مشيراً إلى أنه نسخ بخط يده أقدم نسخة من القرآن الكريم؛ وهو مصحف الخليفة عثمان بن عفان، الموجود في مركز الحضارة الإسلامية في طشقند، أوزبكستان، هذا بالإضافة إلى اللوحات التي استخدم فيها أشكالاً فنية للحروف والكلمات، ليسميها "ألف باء الزخرفة"، لا سيما الكلمات ذات الدلالات الدينية والإسلامية تحديداً، كما أطلعنا على لوحة ضخمة؛ جمع فيها ما يقارب الـ 50 نوعاً من النقوش التي استخدمت في تزيين بدايات السور القرآنية".
وأوضح الخطاط حبيب الله صالح سبب تعلمه اللغة العربية، قائلاً: "بعد الثانوية درست سبع سنوات في مدرسة من عرب بخارى، ثم درست في معهد الإمام البخاري، وبعد ذلك وفقني الله بالدراسة في الجامعة الأردنية بكلية الشريعة".
تعرفوا أكثر إلى شعار معرض الرياض الدولي للكتاب: الرِّياض تقرأ والكتاب يَطرق أبواب العالم
متعة القراءة لا تزال حية

في جلسة حول الدبلوماسية الثقافية، ودور الكاتب في بناء العلاقات الدولية، تحدث الكاتب والدبلوماسي الألباني يلييت ألتشك عن أهمية حث الناس على التفكير والاستكشاف، ودور الكتاب في ذلك، كما تحدث عن الأدب والكتابة في السعودية وعن تجربته في الكتابة، والتي بدأها في عمر متأخر، وتعلم منها أهمية عدم الاستسلام وعدم التشكيك بالقدرات.
وفي حديث خاص لـ"سيدتي"، أوضح: "جئتُ للترويج لأعمالي الأدبية، وكان لي عظيم الشرف بأن تتم دعوتي من قبل معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يُعدّ مساحةً واسعةً للأدب عموماً، ولي بشكل خاص، ولطموحاتي، كانت رسالتي هي التعرف إلى بعضنا البعض من خلال الأدب؛ لأن الأدب هو أفضل وسيلةٍ للتعرف إلى روح كل بلدٍ وكل شعب، ولاحظت من خلاله أن الشعب السعودي أصبح أكثر .انفتاحاً".

وعن المشهد الثقافي اليوم في المملكة العربية السعودية، قال يلييت ألتشك: "أنا مندهشٌ جداً من حجم معرض الكتاب هذا، ووفقاً لأرقام وإحصاءات الدورة السابقة، فقد بلغني أنه استقطب أكثر من مليون زائر، وهذا يعني أن الناس ما زالوا يُحبّون القراءة، وأن متعة القراءة في هذه البلاد لا تزال حيةً، وهي علامةٌ جيدةٌ على حيوية المجتمع".
ورداً على سؤالنا، حول ما إذا كانت لديه نصيحة يوجهها من خلالنا للكتاب، قال: "لا يُفترض بي أن أفعل هذا، فأنا أُعتبر موهبةً شابةً؛ إذ بدأتُ الكتابة حديثاً، ولكن قد تكون نصيحتي: اكتب من أجل واقعك الخاص، لا تتأثر، بل كن متمسكاً بالهوية والأصالة، إن كان في المملكة العربية السعودية أو خارجها، لذلك إذا كنت تريد أن تجسد قيمة في المستوى الأدبي، فعليك أن تكون أصلياً، وتحترم هوية بلدك".
جمهور المعرض يحتشدون لمعرفة: من قتل وليد؟

الكاتب فيصل خلف الشمري، المعروف على منصات التواصل باسم "خلف زون"، وهو مؤلف روايات وصانع محتوى، يقوم بإنتاج أفلام رعب ممزوجة بالإثارة تجذب ملايين المشاهدات.
وفي لقاء سريع، معه أثناء توقيع روايته الجديدة "من قتل وليد؟" حيث تجمهر العديد من متابعي ومتابعات الكاتب المعروف، قال خلف: "لا أعرف كيف أعبّر عن مشاعري حيال هذا الحضور الكبير والتفاعل مع الرواية، هذه لحظة مهمة جداً، ولم أكن أتوقع كل ذلك فعلاً".

وعن الرواية، قال: "الرواية هي رواية في مجال الغموض والجريمة، فيها الكثير من الأسرار، جوهر هذه الرواية هو الصداقة، وتتحدث عن صديقين، يموت أحدهما وهو وليد، ويحاول سعد أن يستكشف الأمر؛ ليعرف من قتل وليد".
لقطات من الحدث:











يذكر أن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية، انطلقت في 2 أكتوبر 2025، تحت شعار "الرياض تقرأ"، في حرم جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرياض، على أن يمتد إلى 11 أكتوبر الحالي، ويقدم إلى جانب المعرض برنامجاً ثقافياً غنياً، ليتشكل مشهد استثنائي يلتقي فيه أكثر من 2000 دار نشر ووكالة تمثل 25 دولة، وما يزيد على 115 متحدِّثاً، بين مفكّرين ومؤلّفين وصُنَّاع محتوى من مختلف القارَّات، بالإضافة إلى أنشطة متنوعة تلبي اهتمامات مختلف الفئات العمرية.
نعيدكم بالذاكرة إلى أبرز ما تضمنته النسخة السابقة من المعرض هنا: رصد لأبرز محطات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024