يعدّ الإنسان كائناً اجتماعياً بطبعه، يتأثر بالبيئة المحيطة به وبالأشخاص الذين يشاركهم حياته اليومية. ومن بين هؤلاء، يحتل الأصدقاء مكانة خاصة في حياة الفرد، إذ لا يقتصر تأثيرهم على اللحظات اليومية، بل يمتد ليؤثر في قراراته المصيرية والمستقبلية. تعرفي كيف يؤثر الأصدقاء في قراراتنا المستقبلية، سواء إيجابياً أو سلبياً، مع التركيز على العوامل النفسية والاجتماعية التي تلعب دوراً في هذا التأثير.
طبيعة العلاقة بين الأصدقاء

العلاقة بين الأصدقاء مبنية على الثقة والمشاركة والدعم المتبادل، ما يجعلهم أحد أهم مصادر التأثير في حياة الفرد. فالصديق الحقيقي لا يكون مجرد رفيق وقت، بل قد يكون مرشداً ومستشاراً وصوتاً آخر للعقل.
يمكنك أيضاً متابعة فن التواصل: كيف تبني جسوراً قوية مع الأصدقاء؟
مجالات التأثير
التعليم والاختيارات الأكاديمية
كثير من الطلاب يقررون التخصص الجامعي أو المدرسة التي سيلتحقون بها بناءً على اختيارات أصدقائهم أو نصائحهم. في بعض الأحيان يكون ذلك نافعاً إذا كان مبنياً على مشاركة الأهداف والطموحات، لكنه قد يكون مضراً إذا أدى إلى الانجراف خلف الغير من دون قناعة شخصية.
المهنة والعمل
قد يتأثر الفرد بـطموحات أصدقائه أو تجربتهم في سوق العمل، فيقرر سلوك طريق معين في مجاله المهني. الأصدقاء الناجحون قد يشكلون دافعاً قوياً، بينما قد يكون الأصدقاء السلبيون عائقاً.
العادات والسلوكيات
الأصدقاء قد يؤثرون في أسلوب حياة الفرد، مثل الالتزام بالعادات الصحية، أو العكس، مثل الانخراط في سلوكيات ضارة كالتدخين أو الكسل أو التسويف. هذا التأثير قد يكون مباشراً أو غير مباشر.
القرارات الشخصية (الزواج، الهجرة، الاستثمارات)
في العديد من الحالات، يلجأ الأفراد إلى أصدقائهم لطلب المشورة في قرارات مصيرية، مثل الزواج أو الهجرة أو فتح مشروع. نوع النصيحة وجودتها يؤثر بشكل مباشر على القرار المتخذ.
التأثير الإيجابي مقابل التأثير السلبي
التأثير الإيجابي
- الصديق الجيد يدفعك نحو الأفضل، يشجعك على العمل، يذكرك بأهدافك، ويمنحك الثقة في نفسك. وجود دائرة دعم صحية من الأصدقاء يعتبر من العوامل الأساسية في اتخاذ قرارات سليمة.
التأثير السلبي
- قد يحاول بعض الأصدقاء فرض آرائهم أو نقل تجاربهم الخاصة على الآخرين من دون مراعاة للفروق الفردية، ما يؤدي إلى قرارات غير مدروسة. كما أن ضغوط الأقران (Peer Pressure) قد تدفع الفرد لاتخاذ قرارات يندم عليها لاحقاً.
كيف نتعامل مع تأثير الأصدقاء؟
- تعلم قول "لا" عند الحاجة.
- التفكير النقدي وعدم التسرع في اتخاذ القرار.
- التشاور مع مصادر متنوعة (أهل، مختصين، تجارب شخصية).
- اختيار الأصدقاء الذين يدفعونك للتطور لا التراجع.
يظل تأثير الأصدقاء في اتخاذ القرارات المستقبلية حقيقة لا يمكن إنكارها. لكن تبقى المسؤولية الكبرى على الفرد نفسه في كيفية الاستجابة لهذا التأثير. فبينما يمكن أن يكون الأصدقاء مصدراً للإلهام والتحفيز، قد يصبحون أيضاً عامل تشتيت أو ضغط إذا لم يُحسن الفرد إدارة العلاقة معهم بوعي وحكمة.
وجهة نظر أهل الاختصاص
جون حجار، ماجستير في العلاج النفسي المعرفي السلوكي يشرح لـ"سيدتي" حول تأثير الأصدقاء على اتخاذ القرارات المستقبلية.
منذ الطفولة الأولى، حين كنا نخطو خطواتنا الأولى نحو المدرسة، كانت يد الصديق تمسك بيدنا وتطمئن قلوبنا. ومع مرور السنوات، كبرنا، وكبرت معنا أهمية الأصدقاء، لا كرفاق طريق وحسب، بل كشركاء في صناعة القرار.
علم النفس يخبرنا أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يتأثر بالبيئة من حوله وبالوجوه التي يراها مراراً، بالأصوات التي يسمعها، وبالكلمات التي تهمس له في لحظات الحيرة. ومن هنا تبدأ القصة.
في مرحلة المراهقة مثلاً، وهي من أدق المراحل النفسية، يبدأ الدماغ بتكوين شبكة معقّدة من الخيارات، ويكون ضغط الأقران (Peer Pressure) من أبرز العوامل التي توجه تفكير الفرد. فالصديق لا يُقنع فقط، بل يلمّح، يضغط، يشارك، ويعيد تشكيل البوصلة.
- "هل أختار هذا التخصص لأنني أريده، أم لأن أصدقائي اختاروه؟"
- "هل أهاجر لأن الكل هاجر؟ أم لأن قلبي يرغب حقاً بذلك؟"
هذه الأسئلة لا تُطرح دائماً بصوت مسموع، لكنها تنبض في أعماقنا، وتلعب فيها كلمات الأصدقاء دوراً محورياً.
من منظور علم النفس الاجتماعي، تتأثر قراراتنا المستقبلية بثلاثة محاور أساسية مرتبطة بالأصدقاء:
- الانتماء والخوف من العُزلة: نحن نميل إلى اتخاذ قرارات تُبقينا داخل "القطيع"، حتى لو لم تكن بالضرورة ما نريده، خوفاً من العزلة أو النبذ.
- العدوى العاطفية والفكرية: المشاعر مثل الفرح، الحماس، أو القلق تجاه خيار ما، تنتقل بين الأصدقاء كما تنتقل العدوى. قد نشعر بالحماس لشيء ما فقط لأن صديقنا يشعر به.
- الدعم النفسي في وقت القرار: وجود صديق يشجعك، أو يستهزئ باختيارك، قد يرفعك نحو السماء أو يسحبك إلى الخلف. فالكلمة في لحظة ضعف قادرة على تغيير مصير.
لكن يبقى السؤال الأجمل:
هل تأثير الأصدقاء سلبي دائماً؟ الجواب هو: لا.
قد يكون صديق واحد سبباً في نجاحك، في تغيير مسار حياتك، في إنقاذك من خيار مدمر أو دفعك نحو حلم كنت تخاف أن تحققه.
ما رأيك الاطلاع على اقتباسات شهيرة عن خيانة الأصدقاء
حين تقف على مفترق طرق، اسأل نفسك:
هل هذا القرار يشبهني؟ أم يشبه من حولي؟
واجعل صوت قلبك أعلى من همسات الآخرين.. حتى لو كانوا أصدقاءك.