في السنوات الأخيرة، أصبح التساؤل، حول ما إذا كان المعدل الجامعي (GPA) يحدد فعلاً مسار حياتنا المهنية، موضوعاً محورياً. بينما كان يُنظر إلى المعدل المرتفع كعلامة على التفوق الأكاديمي ووسيلة لفتح أبواب الفرص، تشير الدراسات الحديثة إلى أن هذا الاعتقاد قد لا يكون دقيقاً تماماً.
أهمية المعدل الجامعي في بداية الحياة المهنية
في بداية مشوار الخريج، قد يُستخدم المعدل الجامعي كأداة لتصفية المتقدمين، خاصة في الشركات الكبرى أو برامج الدراسات العليا. بعض المؤسسات تضع حداً أدنى للمعدل كشرط للتقديم، ويُنظر إليه على أنه مؤشر للانضباط والجدية وفق موقع sciencedirect.com .
لكن من المهم أن نلاحظ أن هذا الاستخدام لا يعكس دائماً الكفاءة العملية أو الإبداع. فالكثير من أصحاب المعدلات المتوسطة أو حتى الضعيفة تمكنوا من بناء مسارات مهنية ناجحة بفضل المهارات والخبرة.
المعدل الجامعي: مؤشر محدود

يُعتبر المعدل الجامعي مقياساً لأداء الطالب الأكاديمي، إلا أنه لا يعكس بالضرورة المهارات العملية أو الشخصية التي يبحث عنها أصحاب العمل. وفقاً لدراسة نشرتها مجلة ScienceDirect، يظهر أن المعدل الجامعي ليس مرتبطاً بشكل إيجابي بمستويات النجاح المهني الأولية (مثل الراتب والمستوى القيادي)، ولكنه يرتبط إيجابياً بزيادة النجاح المهني مع مرور الوقت، خاصة عندما يُقترن بدافع داخلي قوي للقيادة.
المهارات الشخصية والتجربة العملية: عوامل حاسمة
تُظهر الأبحاث أن أصحاب العمل يقدرون المهارات الشخصية مثل القيادة، الذكاء العاطفي، والقدرة على العمل الجماعي، أكثر من المعدل الجامعي. على سبيل المثال، أشار Jonathon Ferguson من جامعة ويسكونسن إلى أن أصحاب العمل يبحثون عن الخبرات العملية، مثل التدريب الداخلي والمشاركة في الأنشطة الطلابية، أكثر من اهتمامهم بالمعدل الجامعي.
ما رأيك متابعةإستراتيجيات ناجحة للعمل في الشركات
بناء مسار مهني متوازن
بينما قد يساعد المعدل الجامعي المرتفع في الحصول على الفرص الأولية، إلا أن النجاح المهني المستدام يعتمد على مجموعة من العوامل:
- اكتساب الخبرة العملية: من خلال التدريب الداخلي أو العمل الجزئي أو التطوع.
- تطوير المهارات الشخصية: مثل التواصل، القيادة، والذكاء العاطفي.
- بناء شبكة علاقات مهنية: من خلال المشاركة في الفعاليات المهنية والتواصل مع المتخصصين في المجال.
- التعلم المستمر: من خلال الدورات التدريبية وورش العمل.
المعدل الجامعي هو مجرد جزء من الصورة الكاملة. بينما قد يفتح الأبواب في البداية، إلا أن المهارات العملية والشخصية والخبرة العملية هي التي تحدد النجاح المهني على المدى الطويل. لذلك، يُنصح الطلاب بالتركيز على تطوير مهاراتهم العملية والشخصية جنباً إلى جنب مع أدائهم الأكاديمي.
ماذا تقول خبيرة التعليم؟
خبيرة دمج التكنولوجيا والتعليم هبة حمادة تشرح ل"سيدتي" أكثر حول هذا الموضوع.
في بيئة تعليمية ومهنية تتغير بسرعة، يتكرّر هذا السؤال بين الطلاب، الأهل، وحتى المؤسسات: هل المعدل الجامعي هو العامل الحاسم في مستقبل الشاب أو الشابة؟ وهل يكفي وحده؟ المعدل مهم... لكنه ليس كل شيء المعدل الجامعي مهم، نعم. هو يعكس مدى التزام الطالب وتحصيله الأكاديمي، وقد يُستخدم كمعيار للقبول في فرص دراسات عليا أو مقابلات عمل أولية. لكنه لا يعبّر عن كل قدرات الطالب، ولا يختصر مستقبله في رقم.
المهارات: القيمة الحقيقية للتعليم الجامعي، القيمة الحقيقية لأي مرحلة جامعية لا تكمن فقط في المواد التي ندرسها، بل في المهارات التي نطوّرها خلالها: القدرة على التفكير النقدي إدارة الوقت والعمل تحت ضغط العمل الجماعي البحث والتواصل الفعّال، هذه المهارات تعتمد بشكل كبير على نوعية التجربة الجامعية، وليس فقط على الامتحانات والمعدلات.
الخريجون الجدد يشكّلون طاقة كبيرة ومهمة لأي مؤسسة. لكن التحدي الأكبر أنهم غالباً يفتقدون إلى الخبرة العملية، ما يجعل اندماجهم في سوق العمل أبطأ.
وهنا تكمن الحاجة لربط التعليم بالواقع:
- التطوّع والتجربة العملية: الحل المتاح لكل طالب جامعي، نقول: استثمر في نفسك قبل التخرج.
- إذا كانت الجامعة لا تقدّم فرصاً كافية للتدريب أو الممارسة، ابحث عنها بنفسك.
- تطوّع في المؤسسات، شارك في فعاليات أو أندية طلابية، خُض تجارب بسيطة ولكن حقيقية، كل تجربة تضيف لك مهارة، وكل مهارة تقرّبك من سوق العمل بثقة.
قد يهمك الاطلاع على أهمية بناء الثقة بالنفس في مرحلة الشباب
خلاصة تربوية:
المعدل الجامعي مهم كبداية، لكنه لا يختصر مستقبلك. المهارات والتجارب العملية هي التي تميّزك فعلاً.
على الجامعات أن تطوّر برامجها لربط التعليم بالحياة الواقعية. وعلى الطلاب أن يكونوا شركاء في رحلتهم التعليمية، لا متلقّين فقط.
مستقبلك لا يصنعه رقم.. بل تصنعه أنت.