mena-gmtdmp

مَن الأكثر التزاماً وطموحاً الشباب أم البنات؟

الأكثر طموحا الشباب ام البنات
الأكثر طموحا الشباب ام البنات

كثيراً ما يُطرح سؤال: مَن الأكثر التزاماً وطموحاً، الشباب أم البنات؟ ويبدو هذا السؤال للوهلة الأولى بسيطاً ومباشراً، لكنه في الحقيقة يفتح باباً واسعاً لنقاش معقّد يتداخل فيه النفسي بالاجتماعي، والثقافي بالتربوي. فمحاولة الإجابة عنه بإطلاق أحكام عامة قد تظلم الأفراد وتختزل تجارب إنسانية متنوّعة في قوالب جاهزة لا تعكس الواقع بدقة.

لطالما ارتبط الطموح في الوعي الجمعي بصورة الشاب الساعي إلى الإنجاز وتحمل المسؤولية وبناء المستقبل، في حين صُوِّرت الفتاة على أنها أكثر التزاماً وتنظيماً، لكنها أقل جرأة أو مخاطرة. غير أن هذه الصور النمطية لم تعد قادرة على تفسير التحولات العميقة التي شهدتها المجتمعات، ولا تعكس حقيقة الأدوار المتداخلة التي بات يؤديها كل من الشباب والبنات في الدراسة والعمل والحياة العامة.

إن الالتزام والطموح ليسا صفات بيولوجية تُولد مع الإنسان بسبب نوعه، بل هما نتاج تربية وتجارب وظروف وضغوط وفرص مختلفة. فالطريقة التي يُعبّر بها الشاب عن طموحه قد تكون صاخبة وسريعة، مليئة بالمغامرة والرغبة في الوصول المباشر، بينما تعبّر الفتاة عن طموحها غالباً بخطوات محسوبة، وتخطيط طويل الأمد، والتزام صبور رغم العوائق. هذا الاختلاف في الأسلوب لا يعني تفوق طرف على آخر، بل يعكس اختلافاً في المساحات الممنوحة لكل منهما، وفي حجم المحاسبة الاجتماعية المتوقعة عند الفشل أو التعثر.

جويل زعيتر ناصرالدين اختصاصية في علم النفس تشرح لـ"سيدتي" أكثر حول هذا الموضوع.

هل يختلف الطموح والالتزام بين الشاب والفتاة؟ قراءة اجتماعية لا بيولوجية

الشباب مقابل البنات
تظهر فروق في أسلوب التعبير عن الطموح بين الشباب والبنات -مصدر الصورة freepik

يُثار كثيراً سؤال: من الأكثر طموحاً والتزاماً، الشاب أم الفتاة؟ وغالباً ما يُختزل النقاش في مقارنات سطحية تبحث عن تفوّق طرف على آخر. غير أن المقاربة الأعمق تكشف أن الاختلاف إن وُجد لا يعود إلى النوع بحد ذاته، بل إلى طريقة التعبير عن الطموح والالتزام، وإلى شبكة من العوامل الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تُشكّل مسارات الأفراد.
قد يعجبك متى يجب أن تطلبي المساعدة النفسية؟ علامات لا تتجاهلينها وفق علم النفس

الطموح والالتزام: مفهومان فرديّان

الطموح والالتزام صفات فردية قبل أن تكون مرتبطة بالنوع. قد تكون فتاة أكثر سعياً وتنظيماً من شاب في العمر نفسه، وقد يحدث العكس تماماً. لذلك، لا يمكن تقديم حكم عام أو مطلق. الفارق الحقيقي يكمن في الشخصية، ودرجة النضج، والاندفاع، وتحمّل المسؤولية، إضافة إلى البيئة الاقتصادية والفرص المتاحة.

اختلاف أنماط التعبير عن الطموح

من منظور اجتماعي، تظهر فروق في أسلوب التعبير عن الطموح:

  • الفتاة غالباً ما تتّبع مساراً أكثر هدوءاً وثباتاً: تخطيط طويل الأمد، خطوات محسوبة، وصبر على الطريق. تعمل على أهداف مترابطة (الدراسة، العمل، الاستقرار الأسري)، وتسعى إلى تقليل المخاطر.
  • الشاب في المقابل، قد يعبّر عن طموحه بصورة أكثر صخباً وسرعة: اندفاع، رغبة بالوصول السريع، واستعداد أعلى للمجازفة. وإذا واجه الفشل، قد يتعثر مؤقتاً، خاصة في غياب الدعم.
  • هذا الاختلاف لا يعني تفوق نمط على آخر، بل يعكس تبايناً في الإستراتيجيات.

دور التربية والمجتمع

لا يمكن فصل الطموح عن السياق الاجتماعي. فهناك عوامل مؤثرة، منها:

  • نوع التربية داخل الأسرة.
  • البيئة والمجتمع وما يفرضانه من توقعات.
  • الفرص المتاحة والدعم المؤسسي.
  • الدعم النفسي والمحيط المشجّع.

غالباً ما تُربّى الفتيات على فكرة أن “لا مجال للخطأ”، فينشأ لديهن حرص أكبر وخوف من الفشل، ما ينعكس التزاماً أعلى وانتظاماً أدق. في المقابل، يُشجَّع الشاب على المغامرة، ويُمنح مساحة أوسع للتجربة والخطأ، مع افتراض اجتماعي بأنه قادر دائماً على البدء من جديد.

أمثلة واقعية تُبطل التعميم

الواقع يقدّم صوراً متباينة:

  • شباب يعتمدون على أسرهم ويعملون بدافع الشكليات فقط.
  • فتيات طموحات يعملن بجدّ ويطوّرن أنفسهن باستمرار.
  • فتيات يفضّلن حياة عائلية دون طموح مهني واسع.
  • شباب يكافحون بجدّ ويتحمّلون مسؤولياتهم بوعي.

هذه الأمثلة تؤكد أن النية والظروف وصفات الشخصية هي الفيصل، لا النوع.

ما تقوله المؤشرات والدراسات

جويل زعيتر ناصرالدين اختصاصية في علم النفس

وتوضح اختصاصية علم النفس بأن مؤشرات تعليمية عديدة تشير إلى تفوّق الفتيات أكاديمياً وانتظامهن وحضورهن العالي واهتمامهن بالتفاصيل والإنجاز الشخصي. ويُعزى ذلك جزئياً إلى ضغط إثبات الذات والخوف من المحاسبة.

في المقابل، يصل بعض الشباب إلى مواقع قيادية بسرعة أكبر، لا بالضرورة لقدرة أعلى، بل لأن مسار الوصول قد يكون أسهل اجتماعياً، ولأن المجازفة مدعومة لديهم.

خلاصة مركّزة:

  • الفرق ليس بيولوجياً، بل اجتماعي وثقافي.
  • الفتيات: التزام أعلى، تخطيط واقعي، وطموح عميق ومستدام.
  • الشباب: طموح جريء، اندفاع ومخاطرة أعلى.
  • الأهم من النوع: الشخصية، التربية، الدعم، والفرص.

يمكنكِ أيضاً متابعة أهمية الإنجاز الذاتي: سرّ التطور الحقيقي وبوابة الثقة بالنفس

في النهاية، السؤال ليس: من الأفضل؟ بل: كيف نوفّر بيئة عادلة تسمح لكل فرد، شاباً كان أم فتاة، أن يعبّر عن طموحه ويحقّقه بأفضل صورة ممكنة؟