ليست كل الاستقالات تُكتب بالحبر. بعضها يبدأ بصمت، بتأفف خفيف، بتراجع في الشغف، أو بنظرات طويلة إلى الساعة. فأحياناً لا تترك مهنتك، بل هي التي تتركك. لذلك عندما تتحول طاقتك من مساحة الإنجاز إلى حقل من المهام الباهتة. لا يعني ذلك بالضرورة أن عليك المغادرة، لكنه بالتأكيد يدعوك أن تتوقف قليلاً، وتتساءل: هل ما أفعله كل يوم ما يزال يعكس منْ أنا؟ هل هناك إشارات خفية تقول لك: هذه المهنة لم تعد تشبهك؟ دعنا نكتشف ذلك من عدة نقاط تتحدث عنها الصحفية والخبيرة في مجال التنمية الذاتية رنيم الصقر.
حين تُنجز ولا تشعر بأي أثر داخلي
في فترات سابقة، كان مجرد إنجاز بسيط يُشعرك بالفخر، وكأنك تضيف طوبة جديدة إلى بناء داخلي يخصك. اليوم، لا شيء يتحرك فيك حتى لو أنجزت أصعب المهام أو حصلت على كلمات ثناء. كل ما تفعله يبدو كأنه إجراء إداري لا يتعدى خانة تم التنفيذ، لكن داخلك لم يعد يستجيب. لا تنتظر التقدير، ولا تشعر بالرضا، بل كل شيء أصبح مجرد واجب آخر تم أداؤه. تتكرر الأيام، وتتكرر المهام، وتتكرر أنت، بينما إحساسك بنفسك يتضاءل. وهذه أخطر المراحل؛ لأن الصمت فيها يبدو وكأنه استقرار، لكنه في الحقيقة انطفاء.
لماذا يُصبح الإنجاز فارغاً من المعنى أحياناً؟
- لأنك انفصلت عاطفياً عما تفعله، حتى لو كنت بارعاً فيه.
- لأن المهارة لا تعني التعلّق والإجادة لا تعني الانتماء.
- لأن العمل فقد أثره عليك، فأصبح مجرد فعل لا روح فيه.
هل تصدق: 4 أسباب تجعل موظف الأرشيف يعرف أسرار الشركة أكثر من المدير
حين تبدأ تشعر أنك تؤدي شخصية ليست أنت
ما تبدأ به كمهنية قد يتحول إلى تمثيل متواصل. تستخدم لغة لا ترتاح لها، تضحك بتوقيت غير صادق، وتتقمّص أسلوباً لا يعبر عنك، فقط لأن ذلك هو المناسب للمكان. تدريجياً، تبدأ بفقدان العلاقة بين ذاتك الحقيقية وصورتك في العمل. تُصبح بارعاً في المراوغة الاجتماعية، وفي إخفاء كل ما هو تلقائي. لا لأنك تود ذلك، بل لأن البيئة تتطلبه، والدور يفرضه، والصورة العامة تحتاجه. ومع الوقت، تنسى كيف كنت تتصرّف بعفوية، وتجد نفسك تعيش في دور لا تخرج منه حتى بعد انتهاء الدوام.
كيف تعرف أنك تُمثّل أكثر مما تُعبّر؟
- حين تصبح لغتك في العمل غريبة عنك في حياتك.
- حين تشعر أن التعب يبدأ بمجرد دخولك المكان.
- حين يمدحونك على حضور لا تعرفه في نفسك.
حين تبدأ العد التنازلي لكل يوم منذ اللحظة الأولى
بمجرد استيقاظك، تبدأ أول عملية حسابية: كم بقي على نهاية اليوم؟ لا تتذكر متى بدأت تفكر بهذه الطريقة، لكنها أصبحت عادة. تنظر إلى الساعة أكثر مما تنظر إلى أهدافك، وتفكّر في العطلة القادمة أكثر مما تفكر في تطويرك المهني. كل شيء أصبح مؤقتاً ومشحوناً بالتمنّي أن ينتهي. المهام؟ عبء. الاجتماعات؟ استنزاف. الحضور؟ واجب. لا لحظة تستمتع بها حقاً، بل كل شيء أصبح انتظاراً صامتاً لانتهاء شيء لا تستمتع به. والوقت الذي كان يُشعرك بالحياة، بات يُشعرك بأنك تسير على عكس اتجاهها.
ما الذي يكشف أن الوقت صار خصمك لا حليفك؟
- حين تبدأ يومك بتمني نهايته لا انطلاقه.
- حين تتحوّل المهمة إلى عبء يُثقل لا فرصة تُلهم.
- حين تصبح الساعات التي تقضيها مجرد انتظار طويل.
حين لم تَعُد ترى نفسك في المستقبل الذي ترسمه المهنة
من المفترض أن يكون المستقبل المهني خريطة ملهِمة: محطات، إنجازات، أهداف تصعد إليها. لكن حين تفقد حماسك لرؤية هذه الخريطة، أو حين تنظر إليها وتشعر بأنها طريق لا يُشبهك، فهذه علامة كبيرة. قد تنال ترقية، أو تُكلّف بمشروع مهم، أو يُعرض عليك منصب لكنك لا تشعر بالحماسة، فقط تتظاهر بها. لأن المسار نفسه لم يعد يعكس رؤيتك لذاتك، بل ربما يُخالفها تماماً. وكلما تقدّمت في هذا الطريق، شعرت أنك تبتعد أكثر عن الشخص الذي أردت أن تكونه يوماً ما.
متى تكون خطوات التقدّم مجرد خطوات بعيداً عن نفسك؟
- عندما ترى المستقبل المهني كشيء يُفرض لا يُلهم.
- عندما تشعر أن الترقية تستهلكك بدل أن تطوّرك.
- عندما تفقد الثقة بأن لهذا المسار نهاية تخصك فعلاً.
حين تبدأ تفكّر بالرحيل ثم تصمت
كل بضعة أيام، تأتيك الفكرة: ربما عليّ أن أرحل. لا تخرجها بصوت عالٍ، لكنك تشعر بها كنبض خافت يتكرر داخلك. تراجع الأسباب، ثم تهرب منها: ليس الآن، الراتب جيد، لا يوجد بديل أفضل. لكنك تعرف تماماً أن الفكرة لا تأتي عبثاً. هناك شيء داخلك بدأ ينكسر، وربما كُسر فعلاً. الصمت لا يحميك، بل يطيل بقاءك في مساحة لم تعد تمنحك شيئاً سوى الراتب، بينما تسلب منك كل شيء آخر: الدافعية، الهوية، الشغف. والاستمرار هنا لا يعني القوة.. بل الهروب المؤدّب من مواجهة ما تعرفه بالفعل.
لماذا يصبح الصمت عن فكرة الاستقالة أخطر من التفكير بها؟
- لأنه يُخفي قلقاً حقيقياً وراء حجج ظاهرها منطقي.
- لأنه يخلق تعايشاً هشاً مع واقع لا يشبهك.
- لأنه يُطيل البقاء في مكان لم يَعُد يضيف لك شيئاً.
كن حذراً: 5 عبارات لا يقولها أحد.. لكنهم يفكرون بها عندما يرون حذاءك في العمل!