نزاع الأخوة: ظاهرة تشنّج أجواء المنزل



ممّا لا شك فيه أن النزاع الدائم بين الأخوة يثير أجواء القلق والتوتر في المنزل، ويحفّز حدوث بعض المشكلات داخل محيط الأسرة ما يجعل دور الأبوين شبيهاً بدور الشرطي في فض النزاع والخلاف بين الأبناء. وقد أثبتت نظريات عدّة في علم النفس أن علاقة الأخوة تحدّد منذ الطفولة. "سيدتي" اطّلعت من استشارية العلاقات الزوجية والأسرية ومديرة مركز "إيلاف" الدكتورة عفاف سعيد زقزوق، على أسباب ظاهرة النزاع بين الأخوة وطرق علاجها وكيف يمكن للأم أن تنتج جواً صحياً بين أبنائها.

 

ثمة أسباب عدّة تفسّر ظاهرة النزاع بين الأخوة التي في غالبية الأحيان، تعود إلى انفصال الأبوين، أو إلى كثرة المشكلات اليومية في المنزل. وبالطبع، تنعكس هذه العوامل سلباً على سلوك الأطفال وتجعلهم أكثر حدّةً وعنفاً في ما بينهم. بالإضافة إلى أنه كلّما تقدّم العمر بالأب والأم مع كثرة إنجاب الأطفال، فإن مسألة التربية تصبح من الأمور التقليدية العادية التي تدفعهما إلى عدم التدخّل في كل كبيرة وصغيرة في شؤون أطفالهما الصغار، علماً أن السماح لهم بحرية مطلقة غير مقنّنة تظهر سلبياتها على سلوكياتهم وتصرّفاتهم على المدى الطويل بشكل يصعب التحكّم فيه والسيطرة عليه.

وفي الموازاة، يعتبر إجراء المقارنات بين الأبناء كقول "أخوك أفضل أو أذكى منك" من الأسباب المؤدّية إلى غرس بذور الحقد بين الأخوة، وكذلك تشكّل محاباة طفل على الآخر وتدليله عن باقي أخوته أحد العوامل الأساسية التي تؤدّي إلى خلق الغيرة وإثارة الخلافات بينهما. فعلى سبيل المثال، عندما يولد طفل جديد فإن الأب والأم يحاولان الإستمتاع بطفولته أكبر فترة ممكنة، ويظهر ذلك في اهتمامهما الزائد نحو الطفل الجديد، والإفراط في تدليله وغضّ البصر عن أخطائه، وتقليل الرقابة عليه مقارنة بأخوته الذين يتجاوزونه في العمر، الأمر الذي يؤدّي إلى خلق الغيرة والضغينة في نفس أخوته، وبالتالي إثارة الشجار بينهم في ما بعد.

 

طرق علاجية


للتغلّب على ظاهرة النزاع بين الأخوة، تلجأ غالبية الأمهات إلى وسائل غير تربوية تتمثّل في العقاب البدني أو اللفظي (التحقير وإهانة الشخص المخطئ)، ما يؤدّي إلى ظهور دوافع ورغبات عدوانية لدى الطفل في شكل حركات عصبية عنيفة، تظهر على شكل تقاتل وشجار مع أخوته في المنزل أو أصدقائه بالمدرسة، ناتجة عن سوء المعاملة والتصرّف معه. وفي هذا الإطار، تنصح الدكتورة زقزوق باتّباع بعض الطرق الوقائية التي تجنّب الأب والأم مشكلات الشجار بين الأبناء، أبرزها:

·         منع الوشاية والفتنة بين الأخوة، فيجدر بالأبوين الحذر من جعل أحد الأبناء جاسوساً على أخوته، ما يعمل على إشعال نار العداوة والخلاف بين الأبناء.

·         تهيئة الأبناء لاستقبال مولود جديد، فالطفل عندما يشعر أن لديه أخاً جديداً سيشاركه جزءاً من حنان وحب والديه، تنشأ لديه حالة من عدم الإتّزان التي تدفع به لجملة من التصرّفات العنيفة والسلوكيات الشاذّة، كاستخدامه للضرب أو تحطيم الأشياء عند شعوره بالغضب. لذا، يجب على الوالدين إفهام الطفل بأنه سيظلّ موضع رعاية واهتمام لديهما.

·         إستقرار العلاقات الزوجية ومنع مناقشة المشكلات الأسرية أمام الأبناء، الأمر الذي يوجد لديهم حالة من السلام النفسي تساعدهم على الإنسجام مع الآخرين، والتعامل برصانة وهدوء.

·         إيداع مساحة معقولة من الحرية للأبناء يقومون خلالها بحلّ مشكلاتهم بأنفسهم من دون تدخّل من الكبار، فالأخوة كما يتنازعون بكثرة يعرفون أيضاً كيف يتصالحون.

·           وضع برنامج يومي وجدول زمني لتحديد أوقات استخدام الألعاب والأجهزة الإلكترونية، التي تعدّ من مسبّبات الشجار الأساسية بين الأبناء، موزّع بالتناوب في ما بينهم.

 

 

 

     القيادة السليمة

وبالطبع، إن القيادة السليمة والحوار المشترك بين الأبوين والأبناء يعدّان من بين أفضل الطرق لاحتواء ظاهرة الشجار والنزاع بين الأخوة، فيجب أن يحرص الوالدان على استخدام عدد كبير من الوسائل التي تنمّي مفهوم القيادة السليمة لدى الأطفال حسب المراحل العمرية. فعند بلوغ الطفل سن المدرسة يهوى أن يعامله الآخرون كشخص ناضج، كما يميل إلى تقليد تصرّفات الكبار من حوله، سواء في تعاملهم أو سلوكهم أو تعاونهم في ما بينهم، الأمر الذي يسمح بإدارة حوار مشترك بين الطفل وأبويه حول سلوكياته وعلاقته بإخوته، بأسلوب هادئ ومقنع ورصين تسوده روح المودّة والصداقة. وعندما يشعر الطفل أن الأم والأب جادّان في طلب تقويم سلوكه وتحسين علاقته مع أخوته، سيقوم بتنفيذ ما طلب منه بهدوء وانضباط وبأقل قدر ممكن من الأوامر.


 

     نصائح سلوكية للأمهات 


·         مارسي دور القاضي المنصف، فلا تسمعي لأحد أبنائك على حساب الآخر، واطلبي من أطراف النزاع كتابة أسباب المشكلة والتوصيات اللازمة لحلّها، كل حسب وجهة نظره، ممّا يجعلهم يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسَبوا.

·         إبتعدي عن ممارسة دور الشرطي القاسي، فلا تقومي بالضرب أو التحقير أو الشتم الذي يثير الدوافع العدوانية بين الأخوة، ويزيد حدّة النزاع.

·         تجنّبي معاقبة المخطئ أمام أخوته حتى لا تتّسع فجوة الشقاق بينهم، وعلّميه أن يعتذر لأخوته من دون إرغام منك، وذلك بعد إعطائه فرصة لمراجعة الأمر مع نفسه، حتى لا يكون الإعتذار بمثابة قهر أو إذلال لشخصه.

·           شجّعي طفلك على ممارسة الرياضة البدنية، فهي تساعد على تنمية شخصيته والتنفيس عن انفعالاته بشكل طبيعي.

·         إجتمعي مع أطفالك في مجلس أسري يتمّ بشكل دوري، تتبادلين معهم خلاله الرأي حول المشكلات التي تحدث في محيط الأسرة وسبل حلّها من وجهة نظرهم، ما يساعد على تقوية التعبير عن مشاعرهم بحرية وينمّي لديهم مهارات حلّ المشكلات مع الآخرين.

·         عزّزي طاقة طفلك الإيجابية وامنحيه القدرة لتفجير طاقاته الإبداعية، وادفعيه إلى منافسة إيجابية مع أخوته الكبار تساعده على اكتشاف ذاته بدلاً من الشجار معهم.