انتشر في الآونة الأخيرة بمجتمعاتنا العربية نوع جديد من الزواج، خاصة بعد أن غزا الإنترنت حياتنا الاجتماعية وأصبح وسيلة أساسية من وسائل الاتصال بين الناس، وبالتالي ساهم في تبادل الأفكار والمشاعر، ألا وهو الزواج عبر الإنترنت، والذي من خلاله يتعرف الشاب على الفتاة خلال الدردشة، ويتفقان على الزواج ثم يقومان بإحضار شهود، وإبرام عقد الزواج من خلال الإنترنت أو قد يلجأ بعضهم لمواقع الزواج التي تعج بها الشبكة العنكبوتية، والتي تؤكد الإعلانات التي تروج لهذه المواقع أن عدد المسجلين لديها من الباحثين عن شريك العمر يتجاوز 10 ملايين مستخدم.
السؤال هنا: ما هي الضوابط الشرعية التي تحكم الزواج في الإسلام، وما هو رأي علماء الدين في هذا النوع من الزواج؟
في البداية يؤكد الدكتور عبد الصبور
شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة أن شريعة الإسلام أولت عقود الزواج
وأحكامها عناية فائقة، ولم تتركها للناس يضعون نظمها وأحكامها؛ لذا فإنه لابد من أركان
لعقد الزواج، هي الزوجان الخاليان من الموانع الشرعية، والإيجاب والقبول، والولي والشاهدان،
ويشترط أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد فلا يصح أن يكون الشاهدان بعيدين عن المجلس،
وبناء عليه فإن إبرام عقد الزواج عن طريق الإنترنت لا يجوز شرعاً.
أوضح د.شاهين أن موافقة ولي الأمر وحضور الشاهدين شرطان أساسيان في عقد الزواج، فولي الأمر لا يعرف الشاب الذي يريد الزواج من موكلته عن طريق الإنترنت، ولكنه يوافق أو يرفض عندما يراه في مجلس، ويتعرف عليه ويدرس مواصفاته وخلقه ودينه، ثم يكون الإشهار عن طريق الشهود وحضور الأهل والأصحاب.
أضاف أن التعارف قد يحدث بين الشاب والفتاة عن بعد عن طريق الإنترنت، فقد يتحدثان ويتعارفان ولكن هذا لا يغني عن التعارف المباشر خصوصاً لولي الأمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«إذا جـاءكـــم مــن ترضـون دينــه وأمانـته فزوجـوه» فكيـف يعـرف دينـه وأمانتـه عن طريـق الإنترنت؟
يقول الدكتور شاهين: إن الإنترنت يمكن أن يكون فقط بمثابة الوسيلة التي عن طريقها يعلن الشاب عن رغبته في الزواج من الفتاة. ويؤكد الدكتور عبد الصبور شاهين أن العبث الذي يتم حالياً عن طريق الإنترنت هو طريق للزنا دون شك.
باطل شرعا
يقول الدكتور طه حبيشي، أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، إن الصورة التي تحدث هذه الأيام بين الشباب والفتيات بواسطة الإنترنت، حيث يتحدث بعضهم لبعض ويتعارفون ويتفق بعضهم على الزواج، ويقومون بإحضار شهود على عقد الزواج في غيبة ولي الأمر، وكل واحد في دولة لا يجوز شرعاً؛ لأن عقد الزواج لا بد أن يتم في مجلس العقد.
أضاف أن هذه الطريقة في إبرام عقود الزواج لا تعتمد شرعاً في الزواج المشروع ولا يترتب عليها حقوق شرعية لأي طرف من أطراف العقد خاصة المرأة، فإذا تم الزواج بهذه الطريقة فهو زنا؛ لأن الزواج ليس ككل العقود وإنما خصه الله سبحانه وتعالى بأنه ميثاق غليظ.
شروط الزواج
أكد الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن شرط الزواج الوفاق بين الزوجين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»، وشرط الزواج أيضاً العلم النافي للجهالة، والإشهار لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف»، وزواج الإنترنت لا يستوفي هذه الشروط، فالمعلومات التي قد تقدم يحتمل فيها الكذب إلى حد كبير، كما أن المواجهة والرؤية والمباشرة معدومة، والأمر خفي مكتوم لا يعلم به أحد إلا المتراسلون عبر الإنترنت، والواقع أيضاً أن الشهود يمكن أن نطلق عليهم «شاهد لم ير شيئا»، ومن هنا فإن شروط عقد الزواج منعدمة، وهي شروط الصحة والانعقاد واللزوم والنفاذ.
ويضيف الشيخ البدري: قياساً عليه لما يتضمنه الإنترنت من الجهالة النافية للعلم، فكل أنواع العقود غير صحيحة بدليل أنهم لا يبحثون عن صيغة توفيقية لتوثيق عقود البيع والشراء عن طريق الإنترنت، وهما عقدان لا يرتقيان إلى عقد الزواج الذي سماه الله ميثاقاً غليظاً.
تفاصيل أوسع تجدونها في العدد 1545 من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق.