مفهوم طاعة الأزواج في الإسلام

تنتشر لدى بعض الأزواج مفاهيم تحصر مهمة المرأة في طاعة الزوج، وبأن لا تقوم بأي عمل قد يعكر صفوه، وعدم رفض أي طلبات له مهما كانت مبرراتها وأوقاتها، مبررين ذلك بحقهم الشرعي الذي يمنحه لهم الإسلام. فما هو المنظور الحقيقي للإسلام حول العلاقة الزوجية؟

للإجابة عن ذلك، ولإلقاء المزيد من الضوء على ماهية العلاقة بين الزوجين، استضافت «سيدتي» الدكتور محمد إقبال عروي، الذي أكد في البداية أن القضية المحورية في تناول مثل هذه الموضوعات تتمثل في أن القيم الإسلامية منظومة من المبادئ والقواعد والمثل، تتناغم فيما بينها وتتكامل لتؤدي وظيفتها النفسية والسلوكية، وأي تناول لعنصر من تلك المنظومة بعيدًا عن بقية العناصر يسوق حتمًا إلى سوء فهم وتأويل.

واستحضاراً لظلال تلك المنظومة، نستطيع القول إن مؤسسة الزواج لا يقبلها الشرع إلا أن تكون مستظلة بظلال السكينة والتفاهم والتوافق، ومن الأسف القول إن هذه الأبعاد تختفي، رويدًا رويدًا، في سياق انتشار مفاهيم وأعراف تلبست لبوس الدين، وصارت هي الأصل في القول والفتوى والتحليل.

 

طاعة الزوجة لزوجها

واعتبر الدكتور عروي، أن مفهوم «طاعة الزوجة لزوجها» له تمثلان: تمثل في سياق المنظومة سابقة الذكر، حتى يكاد هذا المفهوم يتلاشى لصالح مفاهيم المودة والسكينة والتشاور والتفاهم، وتمثل في سياق غلبة الأعراف وهيمنة التقاليد واستنتاج تأويلات ظاهرية توافق سلطة العرف أكثر من موافقتها لمقاصد الشرع.

وأضاف د. محمد إقبال أنه ومن أجل أن ترتفع أركان التمثل الأول، فإن جميع المؤسسات الدينية والعلمية والاجتماعية مطالبة بأن تبين، كل بحسب طاقته وتخصصه ومنابره، الأبعاد الجوهرية للعلاقة بين الزوجين في ظل المنظومة القيمية الإسلامية، فلا آمر ولا مطيع، ولا سيد ولا مسود، وإنما كلا الزوجين يسير بالمؤسسة الأسرية في طريق طاعة الله، ولربما يكون فيها الزوج أكثر تحملاً وأكثر خضوعاً للأوامر من المرأة، بل إن القيم الإسلامية تدعو الزوج بأن لا يعامل زوجته بالعدل فقط، بل عليه أن يرتقي إلى مقامات الفضل، ولا يتصور فضل في ظل هيمنة لغة الأمر والسمع والطاعة، وتغييب مشورة المرأة، أو إضعاف شخصيتها وحقوقها، أو تهميش رأيها، حتى تتحول إلى كائن سلبي في نظر أبنائها وجيرانها ومجتمعها.

 

طاعة متبادلة

ودعا الدكتور محمد إقبال عروي، إلى أن يتعلم الجيل كيف يزن سلوك الآباء والأجداد مع زوجاتهم بميزان القيم الإسلامية، لا أن يزنوا ميزان القيم الإسلامية بسلوك الآباء والأجداد، كما عليهم أن يمتلكوا القدرة «الفهمية والإفهامية» على تغيير ما يتداول من مرويات في الموضوع، أولاً، من خلال عرضها على معايير الرواية والدراية، وعلى استحضار سياق ما يتداول من آيات وأحاديث في الموضوع، ثانيًا، وربطها بمجموع النصوص القرآنية والحديثية في الموضوع، ثالثًا، والسعي، رابعًا، إلى فهم دلالاتها وفق مقاصد الشارع من أوامره ونواهيه.

وخلص الدكتور محمد إقبال عروي، إلى أنه بذلك يتضح أن بعض تلك النصوص ضعيفة لا يصح الاستشهاد بها، كما يظهر أن بعضها محكوم بمنطق الخصوصية، ومقيد بحالات تفقده إطلاقيته، وفي المحصلة النهائية، ستبرز العلاقة بين الزوج والزوجة في ثوب مقاصد تعالق الحقوق والواجبات، حتى يصير الأخذ عطاء والعطاء أخذًا؛ لأن الزوج والزوجة، حينذاك، يدركان أن أي عمل إيجابي تجاه الآخر إنما هو حصاد للحسنات وتوفير للقربات، وأن كل واحد منهما حين يطيع الآخر، في ظل القيم الإسلامية، فإنما هو يطيع الحق سبحانه وتعالى، وهذان الزوجان سيرتقيان إلى أن يجعلا حياتهما حافلة بالذوق والجمال و«الإتيكيت»، إلى درجة أنهما سيسخران من مقولة: «طاعة الزوجة لزوجها»، وقد يعتبرانها مشغلة تستهدف التشويش على صفاء مقاصد الشرع وقيمه.

 

بطاقة

الدكتور محمد إقبال عروي، أستاذ جامعي مغربي، مستشار بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت، حاصل على شهادتي دكتوراه، إحداهما في الأدب والأخرى في الفكر الإسلامي، هو مؤلف كتاب «بديع القرآن دراسة تاريخية نقدية»، له العديد من المحاضرات والدراسات والمؤلفات، وسبق له أن ألقى درسًا من سلسلة الدروس الدينية التي تلقى في شهر رمضان أمام العاهل المغربي الملك محمد السادس.