غالبية الصغار ينتظرون العطلة الصيفية بفارغ الصبر، فهي الفرصة المثالية لكسر رتابة حياتهم اليومية، والتوقف عن الالتزامات المدرسية، والكبار أيضاً يفرحون لقدومها؛ لمساعدة أطفالهم على استعادة نشاطهم وتطوير فكرهم بالجديد من الخبرات والمعلومات، إضافة لتنمية هواياتهم، ما يثري شخصياتهم بالجديد والمفيد استعداداً للعام الدراسي القادم.
ولكن واقع الحال يختلف؛ فالكثير من الأطفال وحتى الشباب يلجأون إلى أجهزتهم الإلكترونية ويمضون أمام شاشتها الساعات الطويلة، وحجتهم الشعور بالملل لقلة الأنشطة. من هنا اختارت الجدة حكاية قبل النوم، عن "عطلة سعاد من ملل الشاشة إلى متعة الاكتشاف" لترويها لحفيدتها الصغيرة التي بدأت الإجازة.
سعاد وجدتها

تقول الجدة بصوتها الحنون الدافئ: في قرية هادئة تحيط بها الحقول والمروج الخضراء، كانت سعاد وهي طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً، تعيش في بيت صغير دافئ مع جدتها أمينة، كان والداها يعملان في إحدى الدول الأوربية، وقد تركاها في رعاية الجدة حتى انتهاء انتداب العمل.
ومع اقتراب الإجازة الصيفية، بدأت سعاد تشعر بحالة من التردد والفراغ وكانت تجلس قرب النافذة تنظر إلى السماء البعيدة، فتمتمت بداخلها: ما الذي يمكنني فعله طوال هذه الأسابيع والأشهر القادمة؟
3 قصص من أجمل ما قرأت تحفز طفلك على فعل الخير هل تودين مطالعتها؟
سعاد ورفيقها الجوال

في البداية مضت الأيام عادية، و كان هاتفها الذكي هو ملاذها ورفيقها الوحيد، وبصحبته كانت تمضي ساعات طويلة، وهي تتصفح مقاطع الفيديو القصيرة، وتتنقل بين تطبيقات التواصل الاجتماعي.
كانت سعاد تضحك وتندهش أحياناً لما تراه وتسمعه، ولكنها كانت تشعر بالملل كذلك، وفي داخلها شعور بأن هناك شيئاً ناقصاً لا تملأه الشاشة، هنا لاحظت الجدة أمينة تغيراً يحدث في شخصية سعاد؛ تبدو صامتة، نظراتها متعبة، وحتى وجبات الطعام المفضلة لا تهتم بها.
سعاد تشعر بالملل
وفي مساء هادئ، وضعت الجدة كوب الشاي بالنعناع أمام سعاد، وجلست بجانبها، وقالت بصوت دافئ: يا صغيرتي، لاحظت أنك تقضين وقتاً طويلاً أمام الجوال، هل كل شيء على ما يرام؟
تنهدت سعاد وردّت:لا أعلم يا جدتي، كل شيء ممل، لا أخرج، ولا أحد أتحدث إليه، فقط الجوال، غالبية صديقاتي سافرن مع أسرهن، لكن حتى الجوال لم يعد ممتعاً.
ابتسمت الجدة وربّتت على يدها قائلة بحب وحماس: الإجازة فرصة لتجارب واكتشافات جديدة لا يجب تضييعها يا سعاد، إن أحسنتِ استغلالها، فستصبحين شخصاً جديداً عند نهايتها، هناك عالم كامل خارج الشاشة ينتظركِ، دعيني أدلك عليه.
رفعت سعاد حاجبيها بدهشة:عالم؟ أي عالم تقصدين يا جدتي الحبيبة؟ قالت الجدة وهي تنهض: تعالي معي صباح الغد، وسأريكِ.
سعاد تقرأ الكتاب المثير

في صباح اليوم التالي، استيقظت سعاد كالعادة على رائحة الخبز الذي تصنعه جدتها بيديها وتضعه بالفرن، والزعتر المخلوط بالزيت، نهضت بتكاسل، لكنها وجدت مائدة الإفطار مرتبة، وعلى طرفها لمحت كتاباً قديماً يحمل عنواناً مثيراً، "رحلة إلى عوالم لم تُكتشف".
سألت سعاد بدهشة: هل هذا لي؟
ضحكت الجدة وقالت: ما رأيك أن تبدئي بالقراءة، وسنرى إن كنتِ ستشتاقين لهاتفك الجوال بعد ذلك؟
جلست سعاد تقرأ، وتفاجأت كيف أنها اندمجت مع القصة بعد بضع صفحات، لم تشعر بالوقت يمر، ومع كل صفحة كانت تكتشف مغامرات وأماكن جديدة، وانتهى اليوم وهي تطلب من جدتها كتاباً آخر.
تعرفي إلى: أجمل قصص الأطفال من4-8 سنوات عن ذكاء الحيوان
سعاد تتعلم الفرنسية
وفي اليوم التالي، عندما رأت الجدة حماس حفيدتها، اقترحت: ما رأيكِ أن تبدئي بتعلم لغة جديدة؟ ربما الفرنسية؟ ستفيدكِ كثيراً، خصوصاً أن والدك يتقنها ويمكنه مساعدتك لاحقاً.
تحمست سعاد للفكرة، وقامت بتنزيل تطبيق لتعلم الفرنسية، بدأت بحماس كبير، وكتبت أولى الجمل في دفتر خاص أعدّته لذلك.
مرت أيام ، وسعاد تزداد نشاطاً، وعادت لتمسك ألوانها القديمة وتبدأ في الرسم من جديد؛ رسمت الشجرة التي تراها من نافذتها، ثم منزل جدتها، ثم وجه والدتها من صورة قديمة.
سعاد تخبز العيش وتصنع الكُبة

وفي يوم جمعة، بينما كانت الجدة تحضّر العجين، نادت على سعاد : تعالي، اليوم ستتعلمين سرّ الخبيز، و الكُبة المحشية التي تحبينها عندما أقوم بإعدادها في التجمعات العائلية.
ردّت سعاد بحماس: حقاً؟ دائماً كنت أتساءل كيف تصنعينهما؟ تشاركتا الضحك، والدقيق على وجهيهما، والبهارات تعبق المكان، وعندما خرج الخبز ومن ورائه الصينية من الفرن، ذاقت سعاد أول لقمة من صنع يدها وقالت بفخر: لم أكن أتوقع أنني أستطيع الطبخ! شكراً جدتي.
سعاد تكتشف نفسها
مرت الأيام، وكل يوم كانت سعاد تكتشف شيئاً جديداً، بدأت تسجل يومياتها، وتكتب مقالات صغيرة عما تتعلمه، وفي كل مكالمة هاتفية مع والديها، كانت تخبرهم بفرحة وبكل فخر عن آخر كلمات فرنسية تعلمتها، وعن لوحة جديدة رسمتها، أو وصفة جديدة جربتها.
قال لها والدها يوماً عبر الهاتف: أنا فخور بكِ يا سعاد، أنتِ أفضل مثال على أن العطلة يمكن أن تكون بداية لحياة أجمل.
وفي نهاية العطلة، كانت سعاد قد تغيرت كلياً، وأضافت الكثير لشخصيتها، لم تعد تتعلق بالشاشة، بل أصبحت تملك دفتراً مليئاً بالكلمات الجديدة، ورسومات تزيّن جدران غرفتها، ومفكرة تملؤها بأفكارها اليومية.
وفي يوم العودة إلى المدرسة وقفت سعاد أمام مرآتها وقالت لنفسها بابتسامة : لقد اكتشفتُ نفسي.
بينما همست الجدة التي كانت تراقبها من بعيد بدعاء: اللهم احفظها ووفقها، لقد أصبحت فتاةً تعرف قيمة الوقت.
وبهذه الطريقة يا أحبائي الصغار، عاشت سعاد عطلة غيّرت فيها مفهوم الفراغ، واكتشفت من خلالها أن اللحظات الثمينة ليست في المقاطع السريعة أو الصور العشوائية، بل في التجارب التي نصنعها بأنفسنا، وفي المعرفة التي نبنيها يوماً بعد يوم.
العبرة:
العطلة ليست وقتاً للهروب من المسؤولية، بل فرصة ذهبية للنمو وتعلم الجديد، وسعاد، بمساعدة جدتها، علّمتنا أن الجوال ليس عدواً، لكننا نحن من نقرر كيف نستخدمه، وكيف نستفيد من برامجه، وقد يكون أبسط كتاب، أو لوحة بألوان قديمة، هو بوابة لطفل نحو عالم أوسع وأجمل.
أفضل الأنشطة للأطفال في إجازة الصيف:

قومي بتسجيل أطفالك في دروس الفنون والحرف، أو تلقي دروس الموسيقى؛ حيث يمكنهم تعلم العزف على آلة أو الغناء أو حتى تأليف الأغاني الخاصة بهم.
هناك العديد من المخيمات الصيفية التي تقدم مجموعة متنوعة من الأنشطة مثل؛ الرياضة والمغامرات الخارجية والفنون والحرف اليدوية.
يعد فصل الصيف فرصة مثالية للأطفال للاستمتاع بالقراءة، شجعي عادة القراءة لدى أطفالك من خلال إعطائهم الكتب التي تتناسب مع مستوى القراءة لديهم ووفقاً لاهتماماتهم.
شجعيهم على فن صنع شيء خاص بهم باستخدام الحاجات القديمة، ستحفز هذه الأنشطة مهاراتهم الإبداعية وتعزز حواسهم المختلفة.
إن زيارة أماكن مختلفة والتعرض لبيئة جديدة ومأكولات وفنون جديدة، ستمنح الأطفال الفرصة لتطوير سمات مثل : الشجاعة والثقة واللطف والقدرة على التكيف والاحترام.
اسمحي لأطفالك بالبدء في الاعتناء بالحديقة، وهذا يسمح لهم بالتعرف إلى النباتات المختلفة، وتأكدي من بقاء أطفالك على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، حيث إن التفاعل الاجتماعي أمر حيوي للسلامة العقلية والعاطفية.
ساعدي أطفالك على تنمية حس التعاطف والمسؤولية الاجتماعية، من خلال التطوع، ما يساعد على غرس الشعور بالانتماء للمجتمع لدى الأطفال.
تعد رياضة المشي لمسافات طويلة وركوب الدراجات واستكشاف حديقة جديدة طرقاً رائعة للبقاء نشيطاً، واجعلي أطفالك يهتمون بشكل أعمق بالطعام الذي يتناولونه من خلال مساعدتهم لك أثناء إعداد الطعام.