أنا أم مروة: أحببت أن أشارككن تجربتي؛ والتي تتلخص في نظرتي إلى مفهوم اللعب؛ إذ كنت أظنه -كما علمتني أمي ورباني أبي وأنا صغيرة- مضيعةً للوقت، نوعًا من الترف والرفاهية، أو يمكن الاعتراف به كمكافأة بعد أداء الطفل لواجبه الدراسي، أو قيامه بعمل طيب.
واليوم أقولها لجميع الأمهات: ما أجمل لعب أطفالنا و ومرحهم وما أروع سباقهم للريح وقفزاتهم كالطير الطليق، وحدهم كانوا أو وسط مجموعة من أقرانهم، وليكن في زحمة الواجبات، أو مع ضغط جداول الدراسة، ودعونا نؤجل القلق من المستقبل لوقت آخر!
والجميل أن تشاركنا التربوية وأستاذة علم نفس الطفل الدكتورة فاطمة الخطيب سماع أو قراءة التجربة، فتضيف المزيد عن أهمية اللعب للطفل وتأثيره على شخصيته.
بداية التجربة:

تقول أم مروة: صغيرتي الحبيبة تعتبر اللعب والتنطيط من غرفة إلى ثانية غايتها ومهمتها الأولى والأخيرة، وكانت تبدأ نشاطها- أيام إجازتها من الحضانة- منذ الصباح الباكر وحتى دخول بوادر الليل؛ فلا تترك مكاناً إلا وتقلبه رأساً على عقب، وكنت أغلق كافة الغرف بمجرد أن أسمع صوتها وأشاهد استعداداتها للعب ونقل الألعاب من مكانها إلى آخر .
للعلم: مروة أنهت سنتي الحضانة وهي الآن تنتظر الالتحاق بالدراسة بالصفوف الأولى، وكان هذا هو سر خوفي، وحلمي القريب: أن أجد حلًا لما هي عليه؛ من حب قد وصل معها درجة العشق للعب طوال ساعات اليوم، ولعل قص تجربتي إلى ما انتهت إليه، تحفزكن لحلول جديدة ؛حتى لا يتأثر مستقبل أطفالنا الدراسي.
لا زلت أذكر أمي وأبي: عندما كانا يمنعاني من اللعب باعتباره نوعاً من اللهو ومضيعةً للوقت، ولن يعود عليّ بفائدة سوى التعب والإجهاد.
وكأن الوقت في نظرهم خُصص للعمل أو القراءة والتحصيل فقط، وإن حصلت على درجات عالية كانت مكافأتي مزيداً من الدراسة أو تعلم للغة جديدة، أو تطوير لمهارات على يد متخصص.
ويبدو أنني سرت على دربهم، وعندما أنجبت ابنتي مروة رغبت في نقل ما تعلمته لها، وبالأسلوب الذي طُبق على وعشته، غافلة تمامًا أن اللعب له تأثيره الكبير على شخصية الطفل .
بل هو أداته لفهم الحياة، وبناء الذات، وتطوير المهارات، التي لا تُكتسب من الكتاب أو الشاشة، فما اللعب إلا مدرسة الطفل الأولى في الحياة!
كيفية اكتساب الطفل للسلوكيات الصحيحة ودور الألعاب في تدعيمها تابعي التفاصيل بالتقرير
دعوني أخبركن بصدق: أن ما اكتشفته لم يأت من فراغ ؛ لقد قطعت سنوات في تجربتي، مجهودًا كبيرًا ما بين الكر والفر والرفض والقبول؛ في الوقت الذي لم تحرك ابنتي ساكنًا، وظلت كما هي؛ تمضي الساعات من يومها في اللعب والمرح مع لعبها وعرائسها، فكان اكتشافي للعلاج نقلة بحق وقد غير الكثير، وعلىّ الاعتراف .
لقد اكتشفت بعد معارك صامتة بيني وبين صغيرتي مروة، وبعد قراءات وبحث طويل على النت والمكتبات وسؤال الأمهات الصديقات؛ أن ما أغفلته وأغمضت البصر عنه، وهو اللعب، قد أضاف الكثير من الصفات العاطفية والاجتماعية وساعد على تطوير شخصية ومهارات طفلتي .
مروة في ثوبها الجديد: هل ترغبن في معرفة المزيد من التفاصيل؟ فليكن: بدأت بتنحية اعتراضاتي و كتم رفضي لكل ما تقوم به ابنتي، وأخذت أركز فيما تلعب وماذا تفعل؟ وماذا يبدو على ملامحها من انفعالات سارة أو قلقة وحزينة ؟ وبدأت أفسر الكلمات الأشبه بلغة السحر والخيال التي تخاطب بها ابنتي عروستها، وحصانها الأبيض الذي يطير أحيانًا، وكأني أرى ابنتي في ثوب جديد!
ووفقًا لمشاهداتي؛ كنت أحسها بقلبي قائدة محبوبة إن اجتمعت بصديقاتها، أراها بعيوني تقترب بخطوات طيبة متعاطفة إن أرادت توزيع الأدوار، تقدم ألعابها للجميع دون أي نزعة تملك، باختصار شعرت بمروة تكبر فجأة لمجرد أن تخليت-أنا- عن أسلوب أبي وأمي القديم، وتركتها تمارس اللعب وسط صديقاتها لبضعة ساعات يوميًا، وفي الغد- عند دخول المدارس- أنوي عمل موازنة رقيقة مرنة للجمع بين الدراسة واللعب.
نهاية التجربة: وها هي مروة وقد دخلت عامها الدراسي الأول، وانفض الخلاف بيني وبينها، وبتُ احرص على وقت مذاكرتها، بقدر اهتمامي بشراء لعب جديدة تجمع بين الترفيهية والتعليمية، وإن جلست وحدها شاركتها اللعب وحديث الخيال، ومعها نتفق على تحديد أوقات لزيارة الصديقات
وها أنا وقد أنهيب قصّ تجربتي، سعيدة بمشاركتها معكم، ولأنني استفدت من سماع تجارب بعض الأمهات من قبل، وقرأت بالكتب وفتحت مواقع النت، فأنا أدعوكم لمحاكاة تجربتي والنتيجة لصالح أطفالنا..فهل تستجبن؟
لماذا يلعب الطفل؟

هنا تتدخل الدكتورة فاطمة الخطيب لتستكمل شرح أهمية اللعب في صنع شخصية الطفل، وتوضيح نقاط أخرى كثيرة ومفيدة معًا:
الطفل يلعب وكأنه يختبر العالم من حوله، يلعب فيكّون أفكارًا عن ذاته، ويجرب الأدوار، يتفاعل مع الآخرين براحة وسهولة، ويتعلم كيف يفوز ويخسر بروح رياضية، وكيف يعبر عن مشاعره، وكيف يفكر؟
اللعب الحر والموجه، يعزز الكثير من الصفات الإيجابية للطفل، ورغم هذا هناك آباء يمنعون أطفالهم من اللعب؛ بحجة أنه يشتت التركيز أو يؤثر على التحصيل الدراسي.
بينما تؤكد الدراسات النفسية والتربوية أن الطفل:
- من خلال ألعاب البناء والتركيب، يتعلم الطفل الذكاء المنطقي والحسابي.
- من خلال ألعاب التمثيل والتقمص، يتعلم الطفل الخيال والإبداع.
- من خلال ألعاب الألغاز، يتعلم الطفل القدرة على حل المشكلات .
- من خلال ألعاب التركيز والتحدي، تزيد ذاكرة الطفل والانتباه.
اللعب يُنشط مراكز التفكير في الدماغ ويزيد من مرونتها.
اللعب يحفز الطفل على التعبير عن مشاعره

يحاكي الطفل العالم الواقعي ويعيشه،حين يلعب لعبة الطبيب والمريض، أو المعلم والتلميذ، أو الأب والأم، فهو لا يلعب فقط.
يتعلم الطفل كيف يُعبر عن مشاعره؟ وكيف يتقمص شخصيات ويتعاطف معها؟وكيف يشعر بالآخرين؟ وكيف
يتعامل مع مشاعر الغضب أو الغيرة أو الحزن أو الفرح؟
كل لعبة تضيف جانبًا لشخصية الطفل
اللعب الحر : كالركض، القفز، تسلق الأشجار، اللعب في الرمل، ينمّي الجرأة، الاستكشاف، الإبداع، الثقة بالنفس.
اللعب التخيلي (الدرامي): كتمثيل دور الأم، الطبيب، البائع، الضابط، يعزز الذكاء الاجتماعي للطفل، والمرونة النفسية، والقدرة على التفاوض.
اللعب الجماعي: كالكرة، السباق، ألعاب الفريق يعلّم التعاون، القيادة، تقبل الخسارة، الانضباط.
اللعب الفردي: كالرسم، التركيب، اللعب بالصلصال، يطوّر التركيز، الاستقلالية، والتعبير عن الذات.
اللعب التعليمي: كالألعاب التعليمية الإلكترونية أو التقليدية، يربط التعليم بالمتعة، ويحوّل المعلومة من جافة إلى محفورة في العقل.
من خلال اللعب، يبدأ الطفل في فهم من هو؟

هل يحب القيادة أم التبعية؟هل هو اجتماعي أم خجول؟هل يفضّل المغامرة أم الأمان؟هل يجد راحته في التعبير الجسدي أم اللفظي؟ اللعب سيدتي الأم يكشف هذه الميول مبكرًا، ويمنح الفرصة للآباء؛ لتوجيهها بحب ووعي من دون إجبار.
دور الأهل في دعم اللعب التربوي

- توفير الوقت والمساحة للعب: اجعلي للطفل "ساعة لعب" يومية لا تُنتزع، تمامًا كما تخصص له وقتًا للواجبات، ولا بأس أن يكون اللعب في البيت أو حتى في غرفته، إن تعذرت المساحات المفتوحة
- المشاركة لا السيطرة: شاركي طفلك في اللعب دون أن تُهيمني، دعيه يقود القصة، يخترع القواعد، يجرب الخطأ، ويحتفل بالصواب.
- ألعاب تنمّي الشخصية: لا تركزي فقط على الألعاب الإلكترونية، بل أحضري له أدوات رسم أو صلصال، اشتري له ألعاب تركيب أو ألعاب تخيّل، وادعي أصدقاءها للعب الجماعي.
- افهمي طفلك من خلال لعبه: راقبي ما يحب أن يلعب، وما يكرهه، وما يكرره، وما يهرب منه، ستكتشفين الكثير عن شخصيته واهتماماته وربما حتى معاناته.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.