mena-gmtdmp

سؤال يتكرر: هل عناد طفلي بعمر الـ 3 سنوات طبيعي؟

صورة لطفلة عنيدة وسط الأم والجدة
الجدة والأم تعاتبان طفلتهما العنيدة
في ركنٍ هادئ من المنزل جلست "سلمى"، وهي أم لطفلٍ يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط، تشكو لنفسها حيرتها اليومية مع عناد ابنها، الذي تصفه مازحة بأنه: " قائد المعارك اليومية الصغيرة" والمحقق للانتصارات في أغلبها وبمعدل 99 %.
ثم تستكمل شاكية: لا تمرّ ساعة دون معركة! يرفض ارتداء ملابسه، لا يرغب في الجلوس إلى المائدة، يصرخ إن غيّرتُ القناة. بدأت أشعر وكأنني أعيش اختباراً مستمراً لصبري وقوة احتمالي! والسؤال: هل عناد الطفل- 3 سنوات- طبيعي أم هو مشكلة تربوية تحتاج لتعديل أسلوب تربيتي؟
اللقاء والدكتورة نوال الحسيني أستاذة التربية والصحة النفسية، التي تضع الأسس النفسية للعناد، والعوامل البيولوجية والعصبية المؤثرة، بجانب العوامل البيئية والاجتماعية، مع شرح لبعض استراتيجيات التعامل مع الطفل العنيد.

الأسس النفسية والتطورية لعناد الطفل

طفل عنيد
عناد الأطفال في عمر ما قبل المدرسة جزء من نموهم الطبيعي، وليس مؤشراً على سلوك شاذ أو مشكلة تربوية؛ حيث
إن الطفل عندما يبلغ الثانية أو الثالثة من عمره، يبدأ في اكتشاف ذاته، ويريد أن يعبّر عن استقلاله، لذلك كثيراً ما يقول "لا"، حتى دون سبب واضح، وذلك لعدة أسباب منها:
المرحلة النمائية: في هذه السن، يُبدي الطفل رغبة قوية في الاستقلال عن والديه، وبالعناد يختبر حدود سلطتهم عليه.
الوعي الذاتي المتنامي: الطفل يُدرك أنه كائن منفصل له رغبات وآراء، لكنه لم يتعلّم بعد كيفية التعبير عنها بطريقة مناسبة.
الطبع الشخصي: بعض الأطفال يُولدون بشخصية قوية، ويميلون إلى التحدّي بشكل طبيعي أكثر من غيرهم.
نظرية التعلّق: الأطفال الذين يشعرون بالأمان العاطفي في علاقتهم مع الأبوين، يجرؤون على اختبار الاستقلال بثقة، وهو ما قد يبدو وكأنه عناد.

تأثير العوامل البيولوجية والعصبية على عناد الطفل

طفل يصم أذنيه حتى لا يسمع توجيه والده
تطوّر دماغ الطفل
سلوك الأطفال ليس فقط انعكاساً للتربية، بل أيضاً مرتبط بكيفية تطوّر أدمغتهم؛ حيث يتطوّر الفص الجبهي المسؤول عن اتخاذ القرار وضبط السلوك، ولا يكتمل نموّه إلا في أواخر مرحلة المراهقة.
كما تشير الدراسات إلى أن بعض الأطفال يكونون مهيئين بيولوجياً لأن يكونوا أكثر حساسية أو أكثر تمسكاً بآرائهم، دون أن يكون ذلك نتيجة تقصير من الأهل.

تأثير العوامل البيئية والاجتماعية على عناد الطفل

طفل يصرخ
أسلوب التربية: له دور كبير؛ فالأطفال الذين يُربّون في بيئة استبدادية يردّون غالباً بالمقاومة، بينما التربية المتساهلة تؤدي إلى تجاهل القواعد، لهذا فإن الأسلوب الأنسب هو التربية الحازمة المُحِبة.
الروتين العائلي: الأطفال يحتاجون إلى جداول يومية واضحة تمنحهم شعوراً بالأمان. الفوضى والتغييرات المفاجئة تُربكهم.
العوامل الثقافية: في بعض الثقافات، يُعتبر الطفل العنيد غير مؤدب، بينما في ثقافات أخرى يُنظر إليه كطفل واثق من نفسه، ما يؤثّر على طريقة تعامل الأهل معه.

تأثير الجوانب السلوكية والعاطفية على عناد الطفل

أم تهدد وتتوعد والطفل يستمع
  • أحياناً تحدث نوبات الغضب عندما يكون الطفل جائعاً أو متعباً، وهو أمر طبيعي ولا يدل على مشكلة في شخصية الطفل.
  • ومن المحفّزات الشائعة للعناد والتوتر وعصبية الطفل وغضبه: الجوع، التعب، الضجيج، أو التغيير المفاجئ في الأنشطة اليومية.
  • الأطفال لا يستطيعون تنظيم مشاعرهم، و لا يمتلكون بعد المهارات اللازمة للتعامل مع مشاعر الإحباط، فيلجأون للبكاء أو الرفض أو الصراخ.
  • حين يشعر الطفل بأن قراراته لا تُحترم، يبدأ الصراع على السيطرة، باستخدام العناد كوسيلة لإثبات ذاته.

طرق التعامل مع الطفل العنيد من 3-5 سنوات

طفل يعرض وجهة نظره بثقة
  1. اسمعي لطفلك واهتمي بآرائه؛ حتى يكون ذا إرادة قوية، أما غضبك وتعنيفك له قد يزيد من العناد.
  2. تواصلي مع طفلك دائماً وتعاملي معه وكأنكما صديقان، وقدمي له النصيحة بهدوء دون تعنيف أو ضرب.
  3. اطرحي أمامه الخيارات دائماً، وحفزيه وشجعيه على كل الأمور الإيجابية التي يقوم بها.
  4. كوني مرنة في التعامل مع مواقف الطفل العنيدة، واستبدلي الصوت العالي والضرب بالصبر والليونة.
  5. دربي طفلك على ممارسة الرياضة، والتأمل للحد من مشكلة العصبية والعناد عنده.
  6. احترمي رأي طفلك وقراراته، وشجعيه حتى لو كانت آراؤه بسيطة، فربما يأتي في يوم ما بفكرة عبقرية ومفيدة.
  7. شاركيه في أمور حياته، سواء الدراسة أو اللعب أو مشاهدة التلفزيون، فذلك يشعره بالثقة والحب.
  8. تجنبي تماماً شكوى الطفل أو تعنيفه أمام الآخرين، ولا تقارني بين الطفل وأصدقائه أو أشقائه.

مسؤولية الآباء في هذه المرحلة:

تسمى هذه المرحلة العمرية بمرحلة ما قبل الدراسة، والتي غالباً ما يجتاحها العديد من المشاكل والسلوكيات الخاطئة؛ إذ إنّ الطفل في هذه المرحلة يسعى لتحقيق استقلاليته، إضافة لاحتماليّة شعوره بالخوف من كيفيّة التعامل مع المعلمين والأطفال الآخرين.
وهناك ضرورة سيدتي لإعطاء الطفل وقتاً مستقطعاً في حال انتهاكه للقوانين، وجلوسه في مكان مثل كرسي الطعام، حتى انقضاء الوقت كنوع من العقاب، كما يفضل تقديم المكافآت في حال تكرار الطفل لسلوك جيّد ومداومته عليه لمدّة معيّنة، مما يعزز لديه الرغبة بالانضباط، لتحقيق أهدافه.

استراتيجيات فعّالة للتعامل مع الطفل العنيد

طفلة عصبية وعنيدة
العناد ليس مشكلة بحد ذاته، بل هو إشارة علينا أن نستمع لها ونفهمها، إليكِ بعض النصائح التي قد تساعدك:

منح خيارات محدودة:

بدلاً من أن تقولي "ارتدِ هذا القميص"، قولي: هل تفضّل القميص الأحمر أم الأزرق؟ هذا الأسلوب اللبق يمنحه شعوراً بالتحكّم دون الخروج عن الحدود.

تنظيم الروتين اليومي:

حافظي على مواعيد ثابتة للنوم، الطعام، والنشاطات؛ لأن التكرار يُشعر الطفل بالاستقرار.

استخدام العد التنازلي:

بقيَ خمس دقائق للانتهاء من اللعب؛ ما يُهيئ الطفل نفسياً للانتقال إلى نشاط آخر.

المديح الإيجابي:

امدحي السلوك الجيد عند حدوثه، وركّزي على الجهد لا النتيجة: أعجبني كيف حاولت ترتيب ألعابك.

الاستماع النشط:

انظري في عينيه، وعبّري عن فهمك لمشاعره: أنت غاضب لأنك تريد أن تكمل اللعب، أليس كذلك؟

تجنّب الصراخ:

الردّ بالصراخ يُفاقم الوضع، أما الحفاظ على الهدوء فهو نموذج يُعلّم الطفل ضبط النفس.

طلب المساعدة عند الحاجة:

إذا استمرّت نوبات العناد بشكل مفرط لدى الطفل، أو كانت مصحوبة بسلوك عدواني، فمن الأفضل استشارة مختص نفسي أو سلوكي.

تذكري أن:

  • أحياناً كثيرة يكون العناد صرخة صغيرة من الطفل تقول: لا تذهبي بعيداً عني يا أمي، أنا موجود اسمعوني وافهموني.
  • العناد ليس خصلة سلبية كما قد يُخيَّل لبعض الأمهات، بل هو انعكاس لنمو طبيعي جسدي وعقلي وعاطفي للطفل في مرحلة عمرية محددة.
  • العناد فرصة تربوية ثمينة، إذا أحسنت الأم استغلالها، فإنها تصقل بها شخصية طفل مستقل، قادر على التعبير عن ذاته، وعلى اتخاذ قراراته بثقة.
  • ليس المطلوب كسر إرادة الطفل، بل تهذيبها، فالعناد اليوم قد يكون بذرة القيادة غداً.
  • * ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.