لحظة النوم من أكثر اللحظات حساسية في يوم الطفل بدءًا من تمام العام الأول وقبل الوصول ل 7 سنوات؛ فبين رغبة الأم في أن ينام صغيرها في غرفته، وبين خوف الطفل من الانفصال، تبدأ رحلة طويلة من المحاولات من جانب الأم لتطمين طفلها، والبحث عن حلول لتمر هذه الفترة بطبيعية وسلاسة. ورغم أن مشاركة الطفل لسرير أو غرفة والديه تبدو مألوفة ودافئة، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن هناك نحو 26% من الأطفال في سن الدراسة - خصوصاً- في المجتمعات العربية ينامون مع والديهم بانتظام، ما يؤكد أن هذه العادة واسعة الانتشار وليست سلوكًا فرديًا.
لكن يبقى السؤال: كيف يمكن للأم أن تساعد طفلها على النوم وحده من دون صراخ أو خوف أو صدمة عاطفية؟ اللقاء والدكتورة إيناس الشرقاوي أستاذة طب النفس للتعرف على طرق إعداد الطفل لينام وحده بشكل تدريجي ومن دون ضغوط نفسية.
بالحنان والهدوء ينام الطفل وحده

إن تنظيم ومساعدة الطفل على النوم بمفرده ليست مسألة تدريب جسدي فحسب، بل هي رحلة عاطفية تبني شخصيته واستقلاله تدريجيًا، ولا توجد طريقة واحدة تصلح لكل الأطفال، لكن القاسم المشترك بين جميع الطرق الناجحة هو الحنان، والهدوء، والاستمرارية. وحين تدرك الأم أن هدفها ليس الفُراق بل تعليم طفلها الطمأنينة الداخلية، ستتحول تلك الليالي الصعبة إلى لحظات نموّ جميلة، ينام فيها الصغير بسلام وتنام الأم بقلب مطمئن.
كيف تُعوِّدين طفلك على النوم بمفرده من دون دموع؟ تابعي الخطوات لتستفيدي
طرق مدروسة لنوم الطفل وحده
أولاً: أهمية بناء روتين نوم ثابت ودافئ:
الروتين هو كلمة السر في تهدئة الطفل وإعداده نفسيًا للنوم بمفرده، فالطفل الذي يعرف ما ينتظره قبل النوم يشعر بالأمان، يمكن للأم أن تبدأ بتحديد وقت ثابت للنوم كل ليلة، ثم تتبعه بمجموعة من الطقوس الهادئة مثل الاستحمام الدافئ، وارتداء ملابس النوم، وتلاوة دعاء النوم أو بعض الآيات القصيرة.
ينصح بأن تكون فترة ما قبل النوم خالية من الضوضاء والمشتتات، وأن يتكرر الروتين نفسه يوميًا ليترسخ في ذهن الطفل أن هذه الخطوات تعني وقت النوم، أو الذهاب للسرير. ومع الوقت، سيتعلم أن جسده وعقله يستعدان تلقائيًا للنوم عند تكرارها.
ثانيًا: القصص وسيلة لطيفة لتطمين الطفل:
القصص الليلية وسيلة نفسية فعّالة لتخفيف القلق عند الأطفال، ويمكن استخدام الأجهزة الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم قصص تفاعلية تناسب عمر الطفل واهتماماته، مع التركيز على القصص التي تحمل قيمًا أخلاقية، أو قصص الأنبياء، أو الحكايات الشعبية التي تُشعر الطفل بالانتماء والدفء. وعندما يعتاد الطفل على سماع قصة بصوت والدته أو عبر جهاز محبّب، يصبح وقت النوم لحظة انتظار جميلة بدلاً من لحظة خوف أو فراق.
ثالثًا: فصل تدريجي دون قسوة:
من أكثر الأخطاء شيوعًا محاولة إجبار الطفل على النوم في غرفته فجأة، الأفضل هو التدرّج واللطف؛ يمكن للأم أن تبدأ بالجلوس إلى جانب السرير حتى يغفو الطفل، ثم تقلل وجودها تدريجيًا مع مرور الأيام. هذه الطريقة تمنح الطفل شعورًا بالأمان، وتُعلّمه في الوقت نفسه الاعتماد على الذات في النوم دون دعم مستمر، وتُظهر الدراسات الأسرية أن الأطفال الذين ينتقلون تدريجيًا للنوم بمفردهم أقل عرضة للكوابيس أو البكاء الليلي، لأنهم لا يشعرون بأن الانفصال حدث قسرًا.
رابعًا: البيئة الآمنة تُشجع الاستقلال:

غرفة الطفل يجب أن تكون مكانًا جذابًا ومريحًا له، إن كان مدركًا فيمكن إشراكه في اختيار تفاصيلها؛ من لون الجدران إلى شكل الوسادة أو الغطاء وحتى العطور الخفيفة. الإضاءة تلعب دورًا محوريًا أيضاً؛ فالمصباح الليلي بلونه الدافئ يساعد على الاسترخاء، كما أن الروائح الطبيعية مثل (اللافندر) أو العود الخفيف تضيف طابعًا مألوفًا ومهدئًا. ويفضل تهوية الغرفة قبل النوم لتجديد الهواء وجعل المكان أكثر راحة.
خامسًا: الابتعاد عن الشاشات قبل النوم:
من أكثر العادات تأثيرًا على نوم الأطفال استخدام الهواتف أو الأجهزة اللوحية قبل النوم؛ ذلك لأن الضوء الأزرق الصادر عن الشاشات يربك الساعة البيولوجية ويؤخر إفراز هرمون النوم. لذلك، يُستحسن إيقاف أي استخدام للشاشات قبل ساعة على الأقل من موعد النوم.
بدلًا من ذلك، يمكن تخصيص هذا الوقت لقراءة قصة، أو تلوين بسيط، أو جلسة هادئة مع الأم لتبادل الحديث. بهذه الطريقة يتعلّم الطفل أن وقت ما قبل النوم هو لحظة استرخاء، لا وقتًا للعب أو للمشاهدة.
سادساً: التحفيز الإيجابي والمكافآت الصغيرة:

تشجيع الطفل على الاستقلال يجب أن يكون بلغة الحب والمكافأة لا الضغط أو التوبيخ، يمكن استخدام جدول النوم الذي يعلّق على الحائط، وتوضع عليه ملصقات ملونة لكل ليلة ينام فيها الطفل بمفرده. بعد عدد معين من الليالي، يحصل على مكافأة صغيرة مثل قصة جديدة أو وقت إضافي للعب في اليوم التالي، بهذا الشكل، يتحول الهدف من النوم وحيدًا إلى إنجاز جميل يحتفل به الطفل بفخر.
سابعاً: حضور الأم المعنوي لا يختفي تماماً:
رغم أن الهدف هو أن ينام الطفل في غرفته، إلا أن شعوره بوجود الأم حتى وإن كانت في غرفة أخرى مهم جدًا، لهذا يجب أن تُخبره بأنها قريبة منه، وستتفقده بعد قليل. كلمات مثل "أنا هنا إذا احتجتني" أو "الله يحفظك وأنا بجانبك" تُحدث فرقًا كبيرًا في إحساسه بالأمان، ومع الوقت لن يحتاج الطفل إلى هذه الطمأنة اليومية، لكنه سيحتفظ بالثقة التي بُنيت في تلك المرحلة.
ثامناً: دور القيم العائلية في ترسيخ العادة:
في ثقافتنا العربية يكتسب الطفل كثيرًا من عاداته من أسرته، فإذا رأى انسجامًا وهدوء في طقوس النوم داخل البيت، فسيتقبل فكرة النوم المنفصل بسهولة.على سبيل المثال، عندما يروي الأب والأم للطفل كيف كانا ينامان في غرفتهما منذ الصغر، يشعر أن هذا السلوك طبيعي وليس عقابًا. يمكن تحويل تجربة الانتقال إلى حدث إيجابي: الاحتفال بأول ليلة ينام فيها بمفرده، أو التقاط صورة تذكارية، أو دعوته لاختيار غطاء جديد للمناسبة.
نصائح تهم الأمهات

- ثبّتي وقت نوم واستيقاظ محدد يوميًا.
- احرصي على إطفاء الشاشات قبل النوم بساعة.
- اجعلي القصة أو الدعاء جزءًا أساسيًا من الروتين.
- استخدمي الإضاءة الخافتة والعطور الهادئة.
- لا تتعجّلي الانتقال الكامل، فالتدرّج هو السر.
- امدحي كل تقدّم يحرزه الطفل، ولو كان بسيطًا.