"تجربتي" مع الخوف وطفلي، قصة مستوحاة من واقع يعيشه عدد كبير من الصغار في مدارسنا، إذ تشير تقديرات حديثة إلى أنّ ما يقارب 20% من الأطفال في العالم يعانون من أعراض القلق والخوف، وغالباً ما يظهر ذلك في شكل صعوبة الاندماج الاجتماعي أو الخوف من مواجهة الآخرين، لكن الجانب المشرق في تجربتي: أن الأطفال قادرون على تجاوز مخاوفهم إذا وُجدت الإرادة والدعم الأسري المناسب.
"تجربتي" بدأت بشكوى عبر الجوال من معلمة طفلي بالمدرسة، والتي تحدثت معي بصوت قلق وكأنها تصف مشهدًا حزينًا: في الفصل الدراسي المزدحم، حيث يجلس طفلك عماد بآخر الصف، وكأنه يتمنى أن يختفي كلما طلبت منه مشاركة الطلاب النقاش، وإن وقف ليجيب تجمدت الكلمات على شفتيه، ليس عجزاً عن الإجابة، بل يبدو خائفاً من نظرات الآخرين ومن أن يسخر منه زملاؤه، المشهد بسيط لكنه يتكرر يومياً في حياة طفلك والكثير من الأطفال، ولهذا اتصلت بك لنعمل معاً على ايجاد الحل.
"سيدتي وطفلك" استمعت لتفاصيل التجربة التي قصتها أم عماد عن طفلها صاحب ال 7 سنوات، والذي استطاع بفضل دعمها وتخطيط الأسرة أن يجتاز حاجز الخوف وربما الخجل، على أمل أن تستفيد منها الأمهات، ومع الدكتورة التربوية سعاد القاضي كان تقييم التجربة والتعرف على الرأي التربوي.
تجربتي مع خوف طفلي

تواصل "أم عماد":
تجربتي مع طفلي الذي انتقل من مرحلة الخوف إلى القيادة والثقة، ليست مجرد تجربة شخصية، بل نموذج يمكن أن يتكرر في حياة أي طفل، المهم أن ندرك أن القلق الاجتماعي للطفل قابل للتجاوز، وأن الأطفال يحتاجون إلى من يمد لهم اليد لا من يوبخهم على ترددهم.
والأم حين تمنح طفلها حضناً آمناً، وتضع له خطوات عملية صغيرة، وتحتفل معه بكل إنجاز، فهي لا تساعده فقط على تجاوز خوفه من المدرسة، بل تمنحه مهارة سترافقه مدى الحياة وهي؛ الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة العالم.
أولى خطواتي. قرأت وتعرفت على أسباب الخوف

الخوف من التفاعل مع الزملاء لا يحدث من فراغ، وراءه مجموعة من العوامل المتشابكة التي تؤثر في ثقة الطفل بنفسه وفي قدرته على التعبير، والنتيجة أصبح هناك أطفال يشعرون باضطراب داخلي كلما وُجدوا في نشاط جماعي أو نقاش صفي، فيتجنبون المشاركة حتى لا يلفتوا الأنظار.
الأطفال يترسخ في أذهانهم أن أي خطأ سيجعلهم موضع سخرية أو استبعاد من المجموعة وربما يكون الطفل قد مرّ بتجارب سابقة سلبية، أو يكون قد تعرض لتجاهل أو سخرية أو حتى تنمّر، ما يكوّن لديه حاجز نفسي يصعب تجاوزه.
وهناك بعض الأطفال يجدون صعوبة في صياغة أفكارهم بوضوح، مما يزيد من ترددهم، وذلك بسبب قلة الخبرة الاجتماعية المبكرة، غياب اللعب الجماعي أو الانخراط في أنشطة اجتماعية منذ الصغر، مما يجعل مواجهة الأقران تجربة مقلقة.
ما رأيك بالاطلاع على الثقة أعظم هدايا الآباء لأطفالهم: 18 طريقة لتعزيزها
ثاني خطواتي: مرحلة تجاوز الخوف
هنا بدأت تجربتي في التحول، وأعرف أن التغلب على القلق الاجتماعي يحتاج إلى جهد مزدوج؛ تدريب ذاتي من الطفل نفسه، ودعم حقيقي من الأم أو الأسرة.
لهذا قمت بتحفيز جهد طفلي الذاتي، ووضعت له أهداف صغيرة يومية، بدلاً من السعي إلى قفزة كبيرة، بدأها هو بخطوات بسيطة مثل إلقاء التحية على زميل واحد كل يوم.
تدربت مع طفلي بالمنزل على الحوارات القصيرة، من خلال تمثيل الأدوار مع أحد أفراد أسرته، ما جعله أكثر استعداداً لمواقف المدرسة، وطلبت منه أيضاً تدوين يومي في دفتر خاص ..كيف شعر خلال يومه، وما المواقف التي نجح فيها، مما ساعده على رؤية تقدمه بوضوح.
ومعًا قمنا بتمارين التهدئة، مثل التنفس العميق قبل دخول الفصل أو قبل التحدث أمام الآخرين، وبدأت شراء القصص ومواد مصورة عن الشجاعة والتواصل، ما جعل عماد يشعر أن ما يمر به ليس استثناء.
ثالث خطواتي: حاولت بشكل أقوى فكانت نقطة التحوّل

نعم بذلت مجهودًا أقوى، أعطيت ولدي مساحة آمنة للحوار، وخصصت وقتاً للاستماع إلى مخاوفه بلا أحكام، مما منحه شعوراً بالطمأنينة.
قمت بتشجيعه بلا ضغط، وكنت أسأله عن يومه وأترك له حرية الحديث، حتى لا يشعر أنه تحت اختبار يومي.
عملت على التواصل مع المدرسة، فحضرت الاجتماعات وتحدثت مع المعلمين لتهيئة بيئة أكثر دعماً وتفهماً.
شاركته بتدريب عملي، بمساعدته على مراجعة الدروس الصفية أو الواجبات الجماعية في البيت حتى يذهب إلى المدرسة بثقة أكبر.
كنا نحتفل معًا بالإنجازات الصغيرة، كل خطوة نجاح مهما كانت بسيطة، أقابلها بكلمات تقدير، مما عزز حافز طفلي للاستمرار.
وكنت قرأت أن الأبحاث الحديثة تؤكد أن الأطفال الذين يحظون بدعم نشط من أسرهم يكونون أكثر قدرة بنسبة تصل إلى 40% على مقاومة القلق الاجتماعي مقارنة بأقرانهم الذين يفتقدون هذا الدعم.
يمكنك أيضًا الاطلاع على علاج الخوف عند الأطفال
رابع خطواتي: تغير معها المشهد

بعد أشهر من المحاولات والتشجيع المستمر وبمساندة أبيه وإخوته، تغيّر المشهد تماماً، لم يعد ابني عماد ذلك الطفل الصغير المنكمش في مؤخرة الصف، بل أصبح مشاركاً فعالاً في النقاشات داخل الصف.
أصبح ينخرط بشكل أكبر في الأنشطة الجماعية، يشارك في الألعاب والأنشطة الصفية بثقة، ما عزز شعوره بالانتماء.
تكوّنت حوله دائرة من الأصدقاء، وأصبح لديه صداقات جديدة، ولم يعد يشعر بالغربة وسطهم.
ومع زوال القلق تحسن الأداء الدراسي، وأصبح أكثر قدرة على التركيز والمشاركة، مما انعكس إيجابياً على درجاته.
وما لم أصدقه أن ولدي عماد قد اكتسب صفات قيادية، بل بدأ يرشح نفسه للأعمال الجماعية والمشاريع المدرسية، وتطوع فعليًا لقيادة مجموعات صغيرة.
صديقاتي الأمهات ثقة عماد لم تقتصر على نطاق المدرسة فقط، إنما امتدت للحياة اليومية، وانعكس الانفراج على تواصله في محيط العائلة والمجتمع.
الرأي التربوي:
التجربة دروس للأمهات والشركاء حكاية تحمل رسائل مهمة لكل أم أو شريك في التربية تثبت أن:
الخوف ليس ضعفاً: بل هو تجربة يمر بها الكثير من الأطفال ويمكن معالجتها.
الدعم الأسري هو المفتاح: وجود أم أو أب يصغي ويتفهم قد يكون الفارق بين الانعزال والانطلاق.
الخطوات الصغيرة تبني تغييرات كبيرة: لا يجب انتظار نتائج فورية، فالتدرج هو السبيل الأكثر أماناً.
التواصل مع المدرسة ضرورة: تعاون الأهل والمعلمين يوفر بيئة متكاملة لدعم الطفل الثقة تنمو مع الوقت، كل نجاح بسيط يفتح الباب لنجاحات أكبر.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.






