mena-gmtdmp

بينالي البندقية 2025: فن البناء بالطين مع المهندسَين المغربيين خليل مراد الغيلالي والمهدي بلياسمين

جانب من الجناح المغربي ببينالي البندقية للعمارة 2025
صورة ثلاثية الأبعاد وسط الجناح المغربي ببينالي البندقية للعمارة 2025

شاركت المملكة المغربية في الدورة التاسعة عشرة من بينالي البندقية للعمارة، والمستمرة حتى نوفمبر 2025، وذلك من خلال تجهيز بعنوان: "مادة النقوش المتعددة" Materiae Palimpsest في قاعة Artiglierie. التجهيز الفني في الجناح المغربي، مستوحًى من العمارة الترابية المغربية التقليدية التي تعود لآلاف السنين، مع كلّ ما تحمله من معانٍ عن الهوية والإنسان. يستكشف التجهيز: كيف أن هذه الممارسات القديمة قادرة على التكيُّف مع العالم المعاصر، ومواجهة التحديات البيئية والاجتماعية الحالية، من خلال خلق حوار بين الحِرفيين المحليين، ورعاة التقنيات التقليدية، والمهندسين المعماريين، والمهندسين الذين يستخدمون أحدث الأدوات. اللافت أن التركيبات في الجناح تدعو الزوّار إلى لمس الأنسجة المستخرَجة من الأرض والشعور بها. وفي وسط الجناح، صورٌ ثلاثية الأبعاد لحِرفيين، والأدوات والمواد التي كانوا يستخدمونها. كما يعرض الجناح أعمال الفنانة المغربية، سمية جلال، المشاركة من خلال إبداعاتها على الجدران، والمنفَّذة من النسيج.

قيّمان على الجناح المغربي

المهندسان المهدي بلياسمين (إلى اليمين) وخليل مراد الغيلالي (إلى اليسار) في الجناح المغربي ببينالي البندقية للعمارة 2025

خليل مراد الغيلالي والمهدي بلياسمين، هما القيّمان على الجناح. الغيلالي مُهندس معماري مغربي، وُمحاضر، ومُرشّح لنيل درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية. في عام 2019، أسس Atelier BE، وهو أستوديو تصميم وبحث متعدد التخصصات، يستكشف الروابط بين الهندسة المعمارية والمُناخ والبيئة والتقنيات الحديثة. والمهدي بلياسمين، مُهندس معماري مغربي ومؤسس Belyas.Co، كان قد تخرّج في جامعات مرموقة (المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، وجامعة لا كامبر هورتا في برشلونة)، واكتسب خبرة دولية واسعة من خلال عمله في مشاريع متنوّعة في جميع أنحاء أفريقيا والأمريكتين والشرق الأوسط. هو يجمع بين التصميم الإبداعي والتقنيات الرقمية لإنتاج هندسة معمارية مستدامة وذات معنى.
في السطور الآتية، نص المقابلة مع خليل مراد الغيلالي والمهدي بلياسمين.

تفاعُل الجمهور

لقطة لزائرة في الجناح المغربي ببينالي البندقية للعمارة 2025

أهلاً بكما في مجلة «سيدتي»، تسرّنا استضافتكما. هلّا أخبرتما قرّاءنا عن تفاعُل الجمهور مع الجناح المغربي في بينالي البندقية، وما الذي يجعل تجرِبتكما هناك فريدة؟

شكراً لاستضافتكم. كان تفاعُل الجمهور مُشجعاً للغاية؛ فقد عبّر العديد من الزوّار عن ارتباط عاطفي وفكري عميق بالجناح، ليس بفضل المواد المألوفة كالتراب والألياف والجير فحسب؛ بل أيضاً بفضل كيفية تحويلها من خلال منظور معماري معاصر. وما جعل التجرِبة فريدة بالنسبة لنا، هو الطريقة التي استطاعت بها هذه العناصر المحلية المتجذّرة، إثارة الحوار في سياق دولي، ليس كقطع أثرية غريبة؛ بل كأدوات لإعادة التفكير في مستقبل التصميم والبيئة والذاكرة الثقافية.

رؤية مشتركة

صورة ثلاثية الأبعاد لحِرفي وسط الجناح المغربي

خلال مشاركتكما في مشروع "Materiae Palimpsest"، ما الأدوار التي قام بها كلٌّ منكما، وكيف أسهمتما في إبراز رؤيتكما المشتركة؟

نماذج من العمارة الطينية مع أدوات بناء تقليدية معلقة في السقف

يرتكز تعاوننا على رؤية مشتركة، مُشكّلة من خلال مناهج مختلفة، وإن كانت متكاملة إلى حد كبير. يركّز خليل مراد الغيلالي على البحث في المواد- وخاصةً المواد المحلية- وعلاقتها بالأرض والجوّ والمُناخ. وتستكشف ممارسته الفنية كيف يمكن للمواد أن تحمل دلالات ثقافية وبيئية وحسية. يُضفي المهدي بلياسمين، بدوره، بُعداً أكثر تعمُّقاً؛ حيث يعمل على سرد القصص المكانية وكيفية إدراك العمارة على المستوى الفردي. تُضيف حساسيته للصمت والإيقاع والتجرِبة المتجسدة للمكان، بُعداً دقيقاً وغامراً إلى عملنا. معاً، شكّلنا "Materiae Palimpsest" كحوار بين المادة والإدراك- نوع من النسج المعماري بين السياق والذاكرة والفضاء المتجسّد.

قطع نسيجية

ما هو دور الفنانة سمية جلال في التجهيز؟

دُعيت سمية جلال من قِبل القيّمَين، خليل مراد الغيلالي والمهدي بلياسمين، لابتكار قطع نسيجية تعكس الفكرة الجوهرية المتمثلة في الانتقال من الألياف إلى العمارة. لم يكن عملها زخرفياً؛ بل هيكلياً بمفهومه. هي ترجمت رؤيتنا إلى لمسة مادية؛ حيث تعكس الخيوط والأنماط تحوُّل المادة الخام إلى شكل مكاني. ومن خلال استلهامها من اللمسات الحِرفية ودمجها بالفكر المعماري، ساهمت في إثراء سردية الجناح.

تقنيات رقمية حديثة

ركّزتما في تجهيزكما على العمارة التقليدية المبنية من الطين، والحِرف المغربية، والتقنيات الرقمية الحديثة. كيف تدمجان هذه العناصر ببعضها لتحقيق رؤيتكما؟

لا نرى التقاليد والتكنولوجيا متعارضين؛ بل هما أداتان، مع نقاط قوة خاصة لكلٍّ منهما. الطين، على سبيل المثال، من أقدم مواد البناء، ولكنه أيضاً من أكثرها أهمية اليوم من حيث تأدية العمل مع احترام البيئة وتأمين الراحة والارتباط بالمكان. في الوقت نفسه، تُمكّننا الأدوات الرقمية- من النمذجة إلى التصنيع- من تحسين الأشكال، والعمليات، ودفع الإمكانات التعبيرية للمواد إلى آفاق أبعد. ما يهمنا هو التماسك. كلّ عنصر، سواء أكان تقليدياً أو معاصراً، مُتكاملٌ بما يُضيفه إلى البُعد المكاني أو البيئي أو الثقافي للمشروع.

العمارة الطينية

كيف تُمكن إعادة تفسير العمارة التقليدية المصنوعة من الطين، بطريقة معاصرة، وما فوائدها للمجتمعات الحديثة؟

إعادة تفسير العمارة الطينية تعني إعادة تفعيل ذكائها؛ فالأرض ليست بدائية؛ بل هي توفّر مواد عالية التكيُّف، ومنخفضة الطاقة، ومتاحة على الصعيد المحلي. ويمكن استخدامها مع أنظمة بناء جديدة، وهياكل هجينة، وتصاميم تستجيب للمناخ. بالنسبة للمجتمعات الحديثة، يعني هذا مبانيَ أكثر صحةً وتكيُّفاً مع المُناخ، مصنوعة من موارد متوفرة بالفعل في المنطقة. كما أنها فرصة لدعم الاقتصادات المحلية وإحياء الحرف اليدوية الهادفة؛ مما يجعل عملية البناء ليست منتجة فحسب؛ بل ثقافية واجتماعية أيضاً.

تقاليد مغربية تقليدية

جنباً إلى جنب الطين، ما هي المواد الأخرى التي اعتمدتما عليها في التجهيز الفني المعروض في الجناح؟

استخدمنا مجموعة متنوّعة من المواد المتجذرة في التقاليد المغربية التقليدية، والتي أُعيد تصميمها بأساليب عصرية. تشمل هذه: المواد الخرسانة الجيرية، والألياف النباتية، والطوب غير المعالَج أو المُعاد تدويره، وأنواعاً مختلفة من الأحجار، والخرسانة المدكوكة المصنوعة من مواد محلية. لكن الأمر لا يقتصر على المواد فحسب؛ بل يتعلق أيضاً بطريقة التعامل معها. بعض العناصر صُنعت رقمياً، ثمّ نُفذت يدوياً، بينما صُنعت عناصر أخرى يدوياً بالكامل. هذا التناغم بين دقة التكنولوجيا الفائقة ودقة الصنع اليدوي، هو ما يُضفي على الجناح طابعاً مميزاً.

ممارسات معمارية مستدامة

مع تزايد الاهتمام العالمي بالممارسات المعمارية المستدامة والصديقة للبيئة، كيف تنظران إلى دَور العمارة التقليدية، وخاصةً الطين، في تعزيز المفاهيم البيئية الحديثة؟

تتضمن العمارة التقليدية بالفعل العديد من القيم التي نسعى إلى استعادتها اليوم: الوعي بالموارد، وكفاءة الطاقة، والراحة الحرارية، والقدرة على التكيُّف، والمرونة. تُعلّمنا العمارة الأرضية- والمعرفة المحلية على نطاق أوسع- العمل مع المناخ والسياق المحلي، لا ضده. لكننا، لا نسعى إلى إضفاء طابع مثالي على الماضي. يكمن التحدي في ترجمة هذه المبادئ إلى الحاضر، ودمجها بالاحتياجات والأدوات والتطلعات الحالية. نؤمن بأن الطين، وغيره من المواد المحلية، يمكن أن يُسهم في بناء نوع مختلف من الحداثة- حداثة أكثر رسوخاً، وتجدداً، وتركيزاً على الإنسان.
___

  • الصور من مشروع توثيق البندقية- سامويل كيروبيني، بإذن من جناح المملكة المغربية.