mena-gmtdmp

الخبيرة السعودية في الفنتج ليلى زاهد: القطع في الماضي كانت تُصمَّم لتعيش وتُورَّث

الخبيرة السعودية ليلى زاهد
الخبيرة السعودية في الفنتج ليلى زاهد

ليلى زاهد ضياء زاهد (27 عاماً)، شابة سعودية، مقيمة في جدة، حيث تمتلك متجراً لبيع التحف وقطع الديكور الفنتج، Baldhead World of Vintage، قصّة جديرة بأن تروى لقرّاء "سيدتي". تتلخص القصّة بالشغف بزمن الستينيات والسبعينيات، الزمن الذي لم تعش فيه، إلا أنها تتابع كل ما يمت إليه من صلة، من أسلوب حياة وفن وموسيقى وأزياء وتصميم وديكور، تراها متحمسة عند المقارنة بين اليوم، والأمس، إلا أن هذا الأمس، هو ما تعشقه من خلال البحوث، والمقتنيات. في حديثي معها، إضافة إلى ملاحظة عمق ثقافتها، بدت لي ليلى المنتمية إلى جيل الألفية، كأنها كائن روائي يتحدث إلى قارئ اليوم عن أحداث ولت، فيما هو يحاول بشتى الطرق أن يقبض عليها.

افتتان بحقبة الستينيات من القرن الماضي

الخبيرة السعودية في الفنتج ليلى زاهد ضياء زاهد
ليلى زاهد ضياء زاهد، خبيرة فنتج سعودية
 

جئتِ إلى عالم الفنتج من تخصّص لا يمتّ إليه بصلة؛ أخبري القراء عن ذلك؟

صحيح؛ خلفيتي الأكاديمية كانت في هندسة البرمجيات، وكنت دوماً "مدمنة كتب"، كما يُقال، لكن رغم المسار المهني التقليدي، كان هناك شيء آخر يجذبني من بعيد، مُتمثلاً في حقبة الستينيات من القرن الماضي، فقد كنت مفتونة بكل ما فيها، لا سيما ألوانها الجريئة، وتصاميمها، وموسيقاها، وروحها الثورية التي قلبت مفاهيم الموضة، والفن، وحتى نمط الحياة. كانت فترة انفجار إبداعي حقيقي. ومن هنا، بدأت شرارة الفضول: ماذا ضيّعنا من الماضي؟ ما هي الاختراعات، والتصاميم، التي لم تأخذ حقها؟ ومع توسّع بحثي، اكتشفتُ أن الناس من أوائل القرن الماضي (نحو عام 1900)، وحتى أوائل التسعينيات كانوا يعملون بأمانة حقيقية، ويبدعون خارج الصندوق، بدون خوف من الغرابة أو الاختلاف. القطع في الماضي كانت تُصمَّم لتعيش وتُورَّث، لا لتُستهلك بسرعة وتُستبدل مع كل موسم جديد. وهذا ما يجذبني تحديداً إلى الماضي – روح الابتكار الحر والحِرفية الصادقة. في المقابل، نرى كثيراً من التقليد، اليوم، وكأن الجميع يلتفت ليرى ماذا يفعل الآخرون ثمّ "ينسخ مع إضافة لمسة"...

تأثيرات والدي وجدي

حامل سجائر وولاعة على شكل خوذة فارس من منتصف القرن الماضي
حامل سجائر وولاعة على شكل خوذة فارس، قطعة نادرة من منتصف القرن الماضي، يُرجح أنها صُنعت في اليابان أو ألمانيا خلال أربعينيات أو خمسينيات القرن الماضي

في أحاديث عدة أجريتها مع مهتمين بالتحف الفنتج، لاحظت أن الرابط بهذا العالم يبدأ من الأهل وبيت الطفولة. هل ينطبق ذلك على قصتك؟

كان والدي يصطحبنا منذ صغرنا إلى الأسواق القديمة ومحلات التحف حول العالم، وهو علّمني كيف أقدّر قيمة القطع العتيقة، فأعتقد أن هذا الحس جزء من نشأتي. بالإضافة إلى ذلك، جدي الفنان ضياء عزيز ضياء، رسّام، ونحّات، وموسيقي، وكان يدير مكتب تصميم داخلي لسنوات، أشرف فيه على مشاريع ضخمة في مناطق محتلفة من المملكة العربية السعودية، وتعلمت الكثير من تجاربه ومشاريعه وكتبه السابقة. طفولتي كانت مليئة بالفن النابض بالحياة، ومغذاة بحوارات حول التاريخ، والفن بأنواعه، والاقتصاد، والفلسفة، والاستثمار. أرى أن كل هذه العناصر شكل الأساس، الذي بنيت عليه مشروعي؛ فالفنتج عندي ليس عن الديكور فحسب، بل عن الاستثمار في الجمال والتاريخ، علماً أن قطعاً كثيرة تُعتبر، في الوقت الراهن، أصولاً قابلة لإعادة البيع مستقبلاً، خصوصاً في عصر الإنتاج الجماعي، حيث ستزداد قيمة الكلاسيكيات والقطع النادرة مع الوقت.

منزل الطفولة

طبق فاكهة زجاجي مصهور بنقشة زهور من سبعينيات القرن الماضي
طبق فاكهة زجاجي بنقشة زهور من سبعينيات القرن الماضي، مصنوعة يدويّاً باللونين الأخضر والأحمر على زجاج شفاف. يُرجّح أن مصدر القطعة هو أوروبا الشرقية أو إيطاليا

أخبرينا عن قطعة أثاث أو أكسسوار قديمة في منزل الطفولة كانت تعني لك؟

من أكثر القطع التي علقت في ذاكرتي منذ الطفولة، "بوفيه" ضخم بنقوش آسيوية مميزة، مع سطح خشبي غنيّ بالتفاصيل، وإطار مصنوع من الخشب الأسود الثقيل، مزوّد بقطع ذهبية فاخرة، وأبواب زجاجية أمامية مزينة بزخارف آسيوية بيضاء، شفافة تقريباً، وكأنها لوحات مرسومة يدوياً على الزجاج. كانت قطعة فنية بذاتها، وما كان يزيدها جمالاً هو أنها جزء من طقم متكامل: طاولة طعام كبيرة، وكراس خشبية سود أنيقة، مزينة كلها بتفاصيل ذهبية مذهلة، متناغمة تماماً مع البوفيه. المساحة كلها كانت تنطق بالأناقة والذوق العالي، وتركت بصمة عميقة في ذاكرتي عن الجمال الكلاسيكي. كبرتُ وأنا أؤمن أن الأثاث ليس مجرد قطع ذات وظيفة أو شكل، بل لغة تعبير عن الشخصية، والذوق، والزمان. ولهذا، أعتبر كل قطعة فنتج تحمل طاقة خاصة، وقصة تستحق أن تُروى من جديد في منزل مختلف.

طريق مغاير عن المجايلين

منفضة سجائر زجاجية مورانو بتصميم غروب الشمس
منفضة سجائر زجاجية مورانو بتصميم غروب الشمس، صُنعت في ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي. يتوهج لونها البرتقالي الكهرماني الدافئ تحت الضوء، مما يعزز مظهرها الانسيابي المنصهر. يُبرز الشكل الحر غير المتماثل براعة الزجاج المنفوخ يدويّاً.

تنتمين إلى جيل منغمس في التكنولوجيا، لكن هواك بالتحف الفنتج غلب على مسارك؛ هل تلاحظين أنك سلكت طريقاً مغايراً عن مجايليك، وحتى عن الزمن الراهن حيث المستقبل محرّك؟

نعم، أشعر أنّي سلكت طريقاً عكسيّاً نوعاً ما. ففي زمن يسير بسرعة نحو المستقبل، استلهمتُ شغفي من الماضي. لكني لا أرى في ذلك تناقضاً، بل على العكس: أستخدم التكنولوجيا كأداة لنقل هذا العالم إلى الجيل الجديد، سواء عبر إنستغرام أو متجري الإلكتروني أو الفعاليات التي أنظمها. وفي عالم يركض وراء الصيحات ويتأثر بسطحية المنظر أحاول خلق ثقافة مختلفة: ثقافة الهوية الشخصية والتفرّد. صار "المميز"، اليوم، هو من يُقلّد، بشكل متقن، لكن أنا أريد الاحتفاء بالذوق المختلف، وبالأفكار التي لا تشبه أحداً. أقول دائماً: كن مختلفاً، كن أنت.

قطع خالدة

إبريق زجاجي هولندي مصنوع يدويّاً مع كأس من القصدير مطابق
إبريق زجاجي مصنوع يدويّاً من القصدير والزجاج من ماستريخت، هولندا، مع كأس من القصدير مطابق. يمزج هذا التصميم الأوروبي الأنيق من منتصف القرن العشرين بين الحرفية الهولندية التقليدية وتفاصيل مستوحاة من فن الآرت نوفو

ما الذي يؤهل قطعة ما لحمل صفة "فنتج"؛ هل يرجع الأمر إلى سنوات محددة أو ستايل أو أمور أخرى؟

القاعدة المتعارف عليها هي أن تكون القطعة قديمة بين عشرين إلى مئة سنة، لكن المسألة لا تتصل بالعمر حصراً، فالفنتج يعني أن القطعة تمثّل روح فترة معينة، وفنّها، وأسلوبها، وأن تحمل قيمة تصميمية أو صناعية تميزها عن الإنتاج التجاري السائد اليوم. هناك قطع لم تفقد قيمتها حتى اليوم، مثل: كرسي ايمز Eames Lounge Chair الذي أُطلق في الخمسينيات ولا يزال يُباع بأسعار عالية، أو مثلاً طاولة توليب Tulip Table من إيرو سارينين Eero Saarinen، ومصباح أركو الأرضي Arco Lamp من آشيل كاستيليوني Achille Castiglioni، فهذه القطع تعتبر "فنتج أيقوني"، لأنها لا تزال مرغوبة، وتثبت أن التصميم الذكي المبدع المميز خالد.

رفع الوعي بالفنتج

منفضة سجائرأو طبق لحمل الحلي مصنوع يدويّاً من زجاج المورانو
منفضة سجائرأو طبق لحمل الحلي مصنوع يدويّاً من زجاج المورانو، يرجع إلى ستينيات القرن الماضي، ويُبرز اندماجاً متناغماً بين الزجاج الأزرق والأصفر والشفاف، مما يُضفي تأثيرًا عاكسًا للضوء بشكل مذهل

يبدو لي أنك من خلال متجرك في جدة، تقومين بدور أكثر من بيع التحف إلى رفع الوعي بهذا العالم؛ حدّثينا عن الإقبال؟

تماماً، فمشروعي لم يكن مجرد افتتاح متجر لبيع الديكور الفنتج، بل مبادرة لخلق ثقافة جديدة. جدير بالذكر أنه حول العالم هناك مجتمعات فنتج متكاملة، وذلك في باريس، وطوكيو، وحتى إسطنبول، حيث متاجر محلية وجمهور وفيّ. أما في السعودية فنفتقد إلى هذا المجتمع أو الجماعة، على الرغم من وجود شغف كبير كامن تحت السطح. بدلاً من افتتاح متجر تقليدي، وجدتُ نفسي أبني مجتمعاً: أوصل إليهم قيمة القطع، أشرح لهم قصتها، وأساعدهم على اختيار قطع مناسبة لأسلوبهم. أحد أهدافي هو نشر الوعي حول قيمة الفنتج وأهميته، والإجابة عن أسئلة، مثل: لماذا بعض التحف سعرها عال، على الرغم من أنها "مستعملة"؟ ولماذا اقتناؤها هو استثمار طويل المدى، لا مجرد ديكور؟ وأضيف أنه من خلال المتجر، Baldhead World of Vintage، لا نبيع فقط، بل نشتري أيضاً القطع النادرة، بعد دراستها، وتقييمها، ثمّ نقوم بإعادة بيعها.

الفنتج في جدة

طبق تذكاري مصنوع يدوياً في رويال ووستر، احتفالاً بعام 2000 ميلادي
طبق تذكاري، مصنوع يدوياً في رويال ووستر، احتفالاً بعام 2000 ميلادي، وهو مثالٌ رائعٌ على براعة صناعة الخزف الإنجليزي. ما يجعل هذا الطبق أكثر تميزاً هو تأثيره الوهمي البصري - على غرار لوحة الموناليزا، يتغير تصميمه ببراعة حسب زاوية النظر إليه

من هم المهتمون بالقطع الفنتج في جدة؟ وهل يمكن حصر تواريخها؟

يمتدّ الاهتمام من جيل الشباب المولعين بـالتصميم المستدام والمميز، إلى المصممين والمقتنين المخضرمين. القطع التي أقتنيها ترجع عادة إلى ثلاثينيات القرن الماضي حتى تسعينياته، مع تركيز كبير على فترات الستينيات والسبعينيات لما فيها من جرأة وأناقة. هذه الفترات تمتاز بخطوط تصميمية لافتة، وألوان غير معتادة، ومزج بين الحداثة والفن.

متعة البحث

مزهرية تشيكية زجاجية من منتصف القرن الماضي مصنوعة يدويّاً
مزهرية تشيكية زجاجية من منتصف القرن الماضي مصنوعة يدويّاً من بورسك سكلو، العلامة التجارية الخالدة. الغمازات المصممة بعناية في الزجاج تُضفي لمسة بصرية رائعة من الضوء والظل، مما يجعلها تبدو وكأنها تتحرك وتتغير حسب زاوية الرؤية، على غرار التأثير الذي نراه في تصاميم آرت ديكو الشهيرة

من أين تحصلين هذه القطع: من السعودية حصراً أم من العالم؛ وما هي طبيعة هذه القطع؟ حدثينا أكثر عن أسفارك في البحث عن هذه الروائع؟

أبحث دائماً عن القطع المميزة حول العالم؛ من أوروبا، مثل: إيطاليا، وهولندا، وألمانيا، وجورجيا، إلى آسيا، مثل: اليابان، والصين، وتايلند، وسنغافورة، وماليزيا. حتى السوق الأمريكية غنية بقطع مدهشة ونادرة. أبحث في كل مكان؛ الأسواق الشعبية، والمزادات، والمستودعات القديمة، وحتى منازل خاصة. متعة البحث لا توصف، خصوصاً لحظة العثور على قطعة مهملة فيها إمكانيات ضخمة، فأعيد تأهيلها وأجهزها لتعيش قصة جديدة في منزل شخص يقدّرها.

نصائح في الديكور

هل لديك نصائح لمن تنوي إثراء ديكورات منزلها بهذه القطع؛ هل عليها أن تنظر إلى أمور محددة؟

بكل تأكيد؛ أولاً، لا تفكري أن الفنتج يتعارض مع الطابع العصري، فالعكس تماماً هو الصحيح، والسر في التوازن. إليك بعض النصائح التي أكررها لعملائي:

  • ابدئي بقطعة واحدة مميزة: مثل مرآة بحافة نحاسية، أو طاولة قهوة رخامية، أو إضاءة فنية، واجعليها نقطة تركيز في الغرفة.
  • ادمجي بين الملمس والأسلوب: يضيف الفنتج طابعاً دافئاً، فلا تخافي من مزجه بأثاث عصري بسيط لإحداث توازن بصري.
  • اختاري القطع حسب المساحة: لا تكدّسي، فالقطع الفنتج تحتاج إلى مساحة لـ"تتنفس" وتبرز جمالها.
  • افحصي الخامة والتفاصيل: الخشب الطبيعي، والخياطة اليدوية، والنقوش، وتاريخ الصانع، كلها مؤشرات مهمة لجودة القطعة.
  • فكري استثمارياً: سترتفع قيمة بعض القطع، مع مرور الوقت، خصوصاً إذا كانت من مصمم معروف أو من فترة شهيرة.
  • النصيحة الأهم، هي الآتية: خذي وقتك، ولا تتعجلي. كل قطعة فنتج تختارك كما تختارينها – هناك طاقة خاصة عندما تجدين القطعة التي تشبه ذوقك وتعبر عنك.

___

  • صور الأكسسوارات والتحف من Baldhead World of Vintage