شهدت الدراما المصريَّة في الأعوامِ الأخيرةِ تزايداً ملحوظاً للأعمالِ التي تعتمدُ على العنفِ والبلطجةِ بوصفهما محاورَ رئيسةً في قصصها، وهو ما أثارَ جدلاً واسعاً بين الجمهورِ والنقَّاد. ويُوجِّه بعضهم أصابعَ الاتِّهامِ إلى منصَّاتِ البثِّ، والقنواتِ الفضائيَّة، لكنْ هذه الفكرةُ، ليست دقيقةً، فالأسبابُ الحقيقيَّةُ وراءَ هذا التوجُّه، تكمنُ في عواملَ داخليَّةٍ في صناعةِ الدراما المصريَّة نفسها.
المنصَّات والقنوات ليست السبب
منصَّاتُ البثِّ، والقنواتُ التلفزيونيَّةُ مؤسَّساتٌ تجاريَّةٌ، تهدفُ إلى تحقيقِ الأرباحِ، وجذبِ المشاهدين، لكنَّها لا تتحكَّمُ بالمحتوى المُنتَجِ داخلَ مصر، بل تشتري ما يُناسبها من الأعمالِ الدراميَّةِ المتاحةِ، وعادةً ما يكون اختيارُها مبنياً على شعبيَّةِ النجمِ البطلِ، أو المخرجِ، أو جاذبيَّةِ الموضوعِ للمشاهدين، بالتالي، انتشارُ العنفِ، والبلطجةِ في الدراما المصريَّة، ليس قراراً من هذه المنصَّاتِ، وإنما انعكاسٌ لما تُنتِجُه شركاتُ الإنتاجِ المحليَّةِ، وما تجدُه رابحاً في السوقِ.
عزوف النجوم الكبار عن الدراما التلفزيونيَّة
من أبرزِ العواملِ التي أدَّت إلى انتشارِ هذا النمطِ الدرامي غيابُ النجومِ الكبارِ عن الساحةِ التلفزيونيَّةِ حيث انشغلوا بصناعةِ الأفلامِ السينمائيَّةِ التي تُحقِّقُ لهم نجاحاً أوسعَ، وربحاً أكبر، وهذا الأمرُ، فتحَ المجالَ أمام نجومٍ أقلَّ خبرةٍ، يبحثون عن الشهرةِ السريعةِ، ويُركِّزون على إثارةِ الجدلِ من خلال تقديمِ شخصيَّاتٍ، تتَّسمُ بالعنفِ والبلطجةِ!
بعد نجاحِ محمد رمضان في هذا النوعِ من الأعمالِ، سعى عديدٌ من الممثِّلين إلى تكرارِ تجربته، والاعتمادِ على الأسلوبِ الدرامي نفسه لتحقيقِ انتشارٍ واسعٍ، ما جعل هذا النوعَ من المسلسلاتِ، يسيطرُ على المشهدِ!
أهمية مراقبة الدراما لضبط المحتوى
وفي ظلِّ تزايدِ الانتقاداتِ، أعلنت الجهاتُ المسؤولةُ في مصر أخيراً عن اتِّخاذِ خطواتٍ لمراقبةِ المحتوى الدرامي بهدفِ إعادةِ التوازنِ إلى الأعمالِ التلفزيونيَّة، وجعلها أكثر احتراماً للقيمِ المجتمعيَّةِ، وأقربَ إلى الوعي، والنضجِ الدرامي اللذين عُرِفَت بهما الدراما المصريَّة سابقاً.
هذا القرارُ قد يكون خطوةً ضروريَّةً للحدِّ من المبالغةِ في مشاهدِ العنفِ، وإعادةِ تقديمِ قصصٍ ذات قيمةٍ فنيَّةٍ وإنسانيَّةٍ، تتناسبُ مع طبيعةِ التلفزيون كمحتوى عائلي.
أخيراً، انتشارُ البلطجةِ، والعنفِ في الدراما المصريَّة، ليس مسؤوليَّةَ منصَّاتِ البثِّ، أو القنواتِ، بل هو نتاجُ عواملَ داخليَّةٍ، تتعلَّقُ بخياراتِ الإنتاجِ، والنجومِ الجددِ الذين يسعون للانتشارِ بأي وسيلةٍ كانت! ومع الخطواتِ التي تتَّخذها الجهاتُ الرقابيَّةُ قد نشهدُ تحوُّلاً نحو دراما أكثر توازناً واحتراماً لذوقِ المشاهدين.