mena-gmtdmp

استبدلت وجهي بكتاب

مها الأحمد 
مها الأحمد
مها الأحمد

هل يمكن للكتب أن تحجب عنا الحياة؟ عن تفاصيلها؟ وحتى عن مشكلاتها الواقعية التي تحدث من احتكاكنا بها كما يجب؟!

هل تعالجنا القراءة بعالم وهمي؟ هل هي نوع من التجاهل والاختباء والهروب المقصود؟! كمن يبحث عن مشكلات غيره، مكتفياً بها، ومتَعاطفاً معها وله بها، ليُعوّض هذا النقص؟!

الغريب أن أفكر بهذا، وأنا أكثر شخص يُقدّس علاقة الفرد بكتابه، وأحترم من يعرف كيف يصفها، وأتابع كل الأوصاف للأشخاص العادية، أو حتى الكُتّاب الذين نقرأ كتبهم وهم بدورهم يقرؤون لغيرهم.

حينما يتحدث أحدهم عن القراءة والكتب، أشعر أن هذا الوصف يُلائم علاقتنا ببعضنا البعض حينما تكون منسجمة ومتفاهمة، وأقرب للمثالية، خاصة حينما يُعبّر أحدهم: صادفت كتاباً بهذا الشكل!

عن أي شبه سنتحدث؟ وحده القارئ الذي وصف هذا الشبه، يعرف بأي جزئية التقوا. لذا كتبنا عادة تفضحنا؛ جزء منها يُشير لعيوبنا الخفية التي نعرفها جيداً، حتى أنها تُخبر الجميع، وبصوت عالٍ، عن دوافعنا وآلامنا ونواقصنا، وحتى مشاعرنا ونوع العلاقات التي تمتلئ بها حياتنا.

ولكنني، ورغم هذا كله، أقف لأتساءل: هل تجاربي مع الكتب وأصحابها تفوق تجاربي مع الحياة والشارع والناس؟!

قرأت مرة عن هذه الفكرة، فعلقت بي، أخافتني؛ خاصة حينما بدأت ألاحظ أن أغلب صوري كنت برفقة الكتب، أو يصاحبني العمل. كل تجاربي بدأت تبتعد بشكل ملحوظ عن التجارب الحياتية، جميعها يقترن إما بالكتب أو بالثقافة بكل أنواعها.

مؤخراً، توسعت اهتماماتي لمتابعة تفاصيل الأشعار، والحكايات الحقيقية وراء لحن معين أو موسيقى معينة.

هل بدأت الثقافة، وبدافع الثقافة، تطمسني كإنسان؟!

هل هذا صحيح؟ أم أنني جزء منها، وهي جزء مني؟ لا أدري، ربما. ولكن حينما قرأت رسائل الكاتب جلال أمين وأخيه حسن أمين، اليوم عاد لي قلقي؟!

"زارني أول أمس في البيت يوسف إدريس وأحمد عباس صالح، وجلسنا نتحدث في الأدب حتى الثانية والنصف صباحاً.. قال إدريس: إن ثقافتي، (أي ثقافة إدريس)، لا تبلغ نصف أو عشر ثقافتك. ومع ذلك، فإن الفارق بيني وبينك هو أني عرفت عامة الشعب منذ طفولتي وصباي، بينما لم تكد تخرج أنت عن نطاق عائلتك وعملك حتى الآن. إنني قد اكتسبت خبرات من الكثرة بحيث أصبحت في حاجة الآن إلى العزلة للتفكير فيها وهضمها، أما أنت ففي حاجة إلى الخروج من عزلتك لاكتساب خبرات".

وهنا بدأت أحد نوباتي التي جرت إليها العديد من التساؤلات التي لا أجوبة مثالية لها ولا حتى أملك أجوبة عادية عليها:

هل جعلتني الكتبُ والعملُ وتطوّري الشخصي والمهني أعيش حقًّا؟

أم أنّني، في زمنٍ آخر، سأتمنّى لو أنّني كنت قد عشت؟

هل حقّقتُ التوازنَ بين حيوات الأصدقاء في الواقع وفي الكتب؟

أم أنّني فضّلت أحدهما على الآخر؟