mena-gmtdmp

حين يصبح العالم شاشة والعواطف كبسة زر

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي
د. سعاد الشامسي

في زمنِ الترندات، لم تعد السرعةُ إنجازاً.. بل اختباراً للوعي. كلّ يومٍ، يُولَدُ ترندٌ جديدٌ. فيديو، صورةٌ، أو جملةٌ عابرةٌ، تصبحُ في لحظاتٍ موضوعَ الساعةِ. يتحدَّثُ عنه الجميع، يتفاعلون معه، ثم يختفي كما جاء.. كفقاعةِ ضوءٍ في بحرٍ من الضجيج.

لكنْ ما الذي يحدثُ حقاً خلفَ هذا الصخبِ؟ ومَن الذي يُمسِك بالخيوطِ؟

الترندُ اليوم، لم يعد مجرَّد موجةِ ترفيهٍ، بل أصبح منظومةً ذكيَّةً، تُوجِّه عواطفنا، وتُغذِّي فضولَنا بما تختارُه لنا الخوارزميَّاتُ. نضحكُ معاً، ونغضبُ معاً، ونتأثَّرُ بما يُعرَضُ علينا حتى صرنا جزءاً من قِصَّةٍ رقميَّةٍ، لا نكتبُها نحن، بل تُكتَبُ لنا!

ومع ذلك، لا يمكن إنكارُ أن بعض الترنداتِ، تحملُ نبضاً جميلاً.. وعياً، تضامناً، أو لحظةً إنسانيَّةً، تُعيدنا إلى جوهرنا، فهي تُظهِرُ أن المجتمعَ، ما زال حياً، ويتفاعلُ، ويشعرُ، ويتأثَّر.

لكنْ بين ما يُلهِمُنا، وما يُلهِينا، يبقى الوعي، هو الحدُّ الفاصلُ بين الحريَّةِ والتوجيه الخفي.

في عالمٍ، يتغيَّرُ كلَّ ثانيةٍ علينا أن نكون أكثر انتقاءً لما نتابعه، لأن ما نمنحه انتباهنا، يصبحُ في النهايةِ جزءاً منَّا.

الترندُ الحقيقي، ليس ما يتصدَّرُ الشاشاتِ، بل ما يتركُ أثراً في القلوبِ.

فلنكن نحن الترندَ المقبلَ.. لا بالصوتِ الأعلى، بل بالفكرةِ الأعمق.

لأن العالمَ، لا يحتاجُ إلى مَن يُكرِّرُ ما يراه، بل إلى مَن يُعيد المعنى لما يُقال.