في خامس أفلامها الروائية الطويلة، تقدّم المخرجة الاسكتلندية لين رامزي، الحاصلة على جائزتيّ "بافتا"، تجربة سينمائية حسّية وعنيفة بعنوان Die My Love، مقتبسة من رواية أريانا هاروفيتش التي تحمل الاسم نفسه.
شاهدت الفيلم ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الـ78 خلال تغطيتي الخاصة لـ"سيدتي"، وخرجت منه بانطباع قوي: هذا ليس مجرد فيلم عن اكتئاب ما بعد الولادة، بل رحلة مشوشة ومكثفة ومؤلمة إلى داخل عقل امرأة تنهار بصمت، وتتمرد على ما يُفترض أن تكونه.
صورة امرأة على حافة الانهيار
تُروى الأحداث من خلال شخصية غرايس (جينيفر لورانس، التي شاركت أيضًا في الإنتاج)، وهي كاتبة شابة تعيش في عزلة ريفية خانقة بعد انتقالها من المدينة، وتجد نفسها وجهاً لوجه مع أمومتها، ووحدتها، ونفسها. ربما أكثر ما جذبني في الفيلم هو أداء جينيفر لورانس، حيث تجسّد غرايس كشخصية متقلبة بين لحظات من العاطفة الشديدة، ثم الانفصال التام عن الواقع، وكأنها على وشك الذوبان.
لورانس لم تكتفِ هنا بالأداء الجيد، بل تخلّت تمامًا عن حرص بعض نجمات هوليوود الجميلات على الظهور بصورة نمطية مثالية. فقدّمت شخصية مليئة بالغموض والتناقض، تتنقل بين البكاء الصامت والضحك المقلق والانفعالات المفاجئة بشكل يجعلنا نشعر وكأننا نراقب شخصًا حقيقيًا، لا مجرد شخصية خيالية. غرايس، كما قدّمتها لورانس، واحدة من أكثر الشخصيات النسائية تعقيدًا التي شاهدتها مؤخرًا، وربما يكون هذا الدور هو الأقوى في مسيرتها منذ أدائها الصادم في تحفة دارين أرنوفسكي الوجودية "Mother" عام 2017.
تابعي: Die My Love: دراما مشحونة بالمشاعر يشهد عرضه الأول بمهرجان كان السينمائي

إخراج بصري خانق ومشاعر مضطربة
لين رامزي تعود بأسلوبها المميز، وهذه المرة بحس بصري وصوتي أكثر حدة. من خلال فيلمها الذي شارك ضمن مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان كان السينمائي 2025.
رامزي تستخدم في الفيلم إطار عرض ضيق يعزز شعور المشاهد بالحصار، وتستعمل تصميمًا صوتيًا مزعجًا عمدًا – أصوات متكررة مثل طنين الذباب وبكاء الطفل ونباح الكلب تُستخدم كأدوات لتضييق الخناق على حواس المشاهد، تمامًا كما يحدث مع غرايس.
واحدة من اللحظات اللافتة هي مشهد بين غرايس ووالدة زوجها "بام" (سيسي سبيسك)، حيث يستمر صوت الذباب دون انقطاع. شعرت كمشاهد بالانزعاج الشديد، لكن سرعان ما اتضح لي أن هذا الانزعاج مقصود. أرادت رامزي أن ننغمس بالكامل في التوتر الداخلي الذي تعيشه غرايس، وأن نختبره معها لا أن نراقبه من بعيد.
الفيلم يبدأ بمشاهد حميمية بين غرايس وزوجها جاكسون (روبرت باتينسون)، لكن مع تقدُّم الأحداث، تتحول هذه العلاقة إلى مساحة مشحونة بالصراع والصمت، ثم الابتعاد الكامل. جاكسون هنا لا يُمنح عمقًا دراميًا كبيرًا، لكنه يبقى حاضرًا كظلٍّ لا يعرف كيف يساعد، أو ماذا يقول.
تنتقل غرايس مع جاكسون إلى منزل ناءٍ يقع في قلب غابات شمال ولاية نيويورك، كان قد ورثه جاكسون عن عمه الراحل. ما إن وضعت غرايس مولودهما الأول، حتى بدأت تتصرف بشكل مقلق — تتسلل إلى الحديقة في الليل زاحفة وهي تشد بيدها سكينًا. حاولت والدة جاكسون (سيسي سبيسك) التقليل من خطورة الأمر، واعتبرته مجرد عرض شائع بين الأمهات الجدد.
لكن حالة غرايس أخذت تتدهور بسرعة، حتى وصلت إلى سرقة بندقية من منزل حماتها. في الوقت ذاته، كان جاكسون كثير الغياب بسبب عمله، ولا يبدو مدركًا لما تمر به زوجته. وعندما عاد ذات مرة، جلب معه كلبًا جديدًا، متجاهلًا الحاجة الحقيقية في المنزل: قط يطارد القوارض الغامضة التي بدأت تظهر.

أحيانًا، يكون الحب نفسه هو ما يفتك بنا
الفيلم لا يروي حكاية بتسلسل تقليدي. لا يوجد بداية ووسط ونهاية بالمعنى المعتاد. هناك مشاهد متناثرة، تتّصل بشعور داخلي أكثر من منطق خارجي. تُصاب غرايس بهوس تجاه رجل غامض على دراجة نارية (يجسّده لاكيث ستانفيلد)، يبدو أحيانًا حقيقيًا، وأحيانًا مجرد خيال. وجوده يضيف عنصرًا من الغموض، لكنه لا يُقدَّم كشخصية متكاملة، بل كرمز لرغبة دفينة في الهروب أو الانعتاق.
أحد المشاهد التي علقت بذهني بقوة كانت في نهاية الفيلم، حيث تُعاد أغنية Love Will Tear Us Apart بصوتٍ هادئ ومجرّد، يحمل حزنًا دفينًا ويعكس فكرة الفيلم الرئيسية: أحيانًا، يكون الحب نفسه هو ما يفتك بنا.
ما بين التكرار والتشويش
رغم إعجابي الكبير بأسلوب الفيلم، شعرت في بعض اللحظات أن العمل يُعيد نفسه بصريًا ونفسيًا أكثر مما يحتاج. تتكرر مشاعر غرايس نفسها عدة مرات دون أن تتطور بشكل واضح، وهو ما جعل المنتصف أقل حدة من البداية والنهاية. كما أن الشخصيات الثانوية، مثل "بام" أو "جاكسون"، لم تحصل على مساحة كافية لتشكيل توازن حقيقي مع غرايس.
شعرت أيضًا أن تحويل رواية تقوم بالكامل على السرد الداخلي إلى فيلم بصري كان تحديًا كبيرًا، ولم يُوفَّق الفيلم دومًا في ترجمته. أحيانًا كانت الرموز واضحة أكثر من اللازم، تفقد جزءًا من قوتها الغامضة التي ربما كانت ستبقى أكثر تأثيرًا لو تُركت مفتوحة للتأويل.

خاتمة: تجربة لا تُنسى رغم مرارتها
Die My Love ليس فيلمًا مريحًا -كتجربة مشاهدة-، لكنه صادق. لا يحاول أن يخفف من صعوبة ما يمر به أبطاله، بل يطلب من المشاهد أن يغوص في التجربة بكل ما فيها من توتر وانهيار وحيرة. ليست هناك إجابات واضحة، ولا نهاية مريحة. لكن هناك صدق فني نادر، وشخصية نسائية تُقدَّم بكل ضعفها وقوتها دون تبرير أو تلطيف.
ورغم أن الفيلم قد لا يُرضي كل الأذواق، إلا أنني أراه تجربة تستحق – خاصة بفضل أداء جينيفر لورانس الذي يمكن وصفه بأنه من اللحظات التي تذكّرنا لماذا نذهب إلى السينما.
التقييم النهائي:(3 من 5)
فيلم قوي بصريًا وعاطفيًا، وقد يكون صعب المتابعة أحيانًا، لكنه صادق في كل لحظة، ويُظهر جينيفر لورانس في واحد من أهم أدوارها على الإطلاق.
قد يعجبك: مراجعة فيلم المخطط الفينيقي (The Phoenician Scheme): تحفة بصرية من ويس أندرسون تفتقر إلى الروح
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي»
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي»
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن»