حالة ضياع

حالة ضياع


سيدتي أتمنى أن أجد لديك نصيحة تخرجني من حالة الضياع الذي أعيشه، أنا زوجة كانت سعيدة مع زوجها في حياة ملؤها الحب. زوجي حنون وملتزم دينيًا وحلو اللسان، والكل يحبه. وأنا في شهور الحمل الأولى فجأة انهار عالمي الجميل؛ حين اكتشفت أن زوجي له ماض، اكتشفت أنه كان على علاقة محرمة مع امرأة أخرى وله منها طفل، واكتشفت أنه دائم الزيارة لولده. وحين واجهته بأنه كذب عليَّ قبل الزواج؛ لأنه لم يصارحني بحقيقة ماضيه، اعتذر وأقسم بأنه أخفى عني الحقيقة خوفًا من أن يخسرني. ولكني فقدت الثقة به، وأفكر جديًا في إجهاض حملي وطلب الطلاق. المرأة التي كان زوجي على علاقة بها لا تنفك تتصل بي، وتهددني بأنه لن يبقى معي، وبلغ بها الحقد أن اتصلت بأم زوجي وأخبرتها كثيرًا من القصص التي يندى لها الجبين.

أقسم بأن حبي لزوجي ما زال كما هو، ولكنني لا أطيق الحياة، كما أصبحت أشعر بأن دوام اتصاله بابنه هو أيضًا دوام اتصاله بالمرأة التي اقتحمت حياتي، وأصبحت تهددني بوقاحة شديدة. أرجوك ما العمل؟

المعذبة سمر

 

عزيزتي تصوري أن لصًا اقتحم بيتك وهددك بخنجر إن لم تتركي البيت، فهل تتركينه؟

أليس من الأفضل أن تفكري في وسيلة للتغلب على خبثه وإجرامه وحماية بيتك وممتلكاتك؟

لا شك في أن زوجك ارتكب معصية في ماضيه، وحسابه بينه وبين ربه. ولكن ما ذكرت عنه في الرسالة أوحى لي بأنه ندم وتاب. كما أن رعايته للطفل المسكين الذي ولد لأم مثل أمه وأب تنكّر لخطيئته تحسب له لا عليه. فمن حق الطفل أن يتلقى الرعاية والبر. ثم إن زوجك كان بإمكانه إصلاح الخطأ والاقتران بالمرأة التي حملت منه سفاحًا، ولكنه لم يفعل لأسباب لا أعلمها. ولكن ما أعلمه بحدسي هو أن سلوكها هو سلوك اليائس الذي لا أمل له في الحصول على مبتغاه.

زوجك تاب عن الذنب، وبإمكانك أن تغفري له؛ لأن الله يغفر الذنوب جميعًا، وأن تعاونيه على البر بولده، وبدلاً من أن يزور الولد عند أمه يمكنك أن تستضيفي الولد في بيتك في أيام الزيارة، وأن تعامليه برفق؛ لأنه لم يذنب، وأن تتذكري أنه سوف يكون أخًا غير شقيق للطفل الذي تحملينه.

أما تفكيرك في إجهاض الحمل فهو من وسوسة الشيطان؛ لأنك تفكرين في قتل نفس بلا وجه حق، وتنسين أن ملايين النساء في العالم يعشن على أمل حمل لا يتحقق، ويترددن على عيادات الأطباء، وينفقن الغالي والنفيس اشتياقًا لحمل وولادة طفل كالطفل الذي تفكرين في إجهاضه. استغفري ربك، واستعيذي بالله من الشيطان. المشكلة الواقعة في حياتك بحاجة إلى دعم جماعي. ضمي جهدك إلى جهد أم زوجك، واطلبا منه أن يشرح لكما كافة الظروف والملابسات التي أدت إلى هذا الموقف، ليس من باب اللوم والعتاب، ولكن من باب الحفاظ على الأسرة الصغيرة التي نشأت والتي تستعد لاستقبال طفل جديد. كوني كريمة النفس، وضعي مشاعر الغيرة جانبًا؛ لأنه في النهاية اختارك أنت زوجة، ولم يختر أخرى.

لو قبلت نصيحتي فسوف تقوى الروابط الإنسانية بينك وبين زوجك، وسوف يقدّر لك الجميل، وإن شاء الله يثيبك على حسن تصرفك نحو طفل بريء.

أرجو لك النجاح في حياتك مستقبلًا، وأتمنى لك سلامة الوضع.

 

أبحث عن شخصيتي!

سيدتي أود أن أطرح مشكلتي؛ أنا فتاة عربية، عمري 43 سنة، أعيش في بلاد الغرب منذ عشر سنوات، أكثر من سبع سنوات عشت الغربة وحدي؛ لزواجي من رجل غريب عني. وبعد 3 أشهر انفصلنا، وكل واحد منا ذهب لحال سبيله. والحمد لله هذه التجربة البسيطة إلى جانب اغترابي منحاني قوة.

درست لغة البلد، وحصلت على شهادة الدبلوم في علم النفس التربوي.. اشتغلت بعدها في مدارس أجنبية وعربية. وكنت أستغل كل أوقات الفراغ والعطلات لأقضيها في هوايتي مع فن السيراميك والنشاطات التطوعية. استمتعت بكل ما قمت به من أعمال؛ لأن النشاط كان يخفف إحساسي بالغربة.

في إحدى السنين ذهبت لزيارة بيت الله للحج، وكان للحج الأثر الكبير في نفسي، فهي تجربة قوّت إحساسي بالهوية، وأعطتني الثقة، علمًا بأنني إنسانة عشت في بيئة لا متعصبة ولا متحررة، إنها وسط في كل شيء.

كنت أعيش وحدي في بلد، وإخواني في بلد آخر، ووالدي ووالدتي في بلد. إلى أن رتبنا أمورنا وتجمعنا في بلد واحد منذ أكثر من سنتين.. في بدايتها كانت كل حياتنا حلوة.. ومنذ سنة بدأت المشاكل من والدتي.. كل فترة تطلب مني أن أسافر لبلد؛ لكي أحصل على وظيفة أهم، أو راتب أعلى، أو تطلب مني أن أقدم على دراسة الصيدلة أو الطب. أتناقش معها عندما يكون رأيها مفاجئًا، أو تطلب طلبًا يؤلمني. أتألم لأنني سئمت الغربة، ولا أريد أن أعيش وحدي. وحين أعبّر عن هذا الرأي ألاحظ أن هناك تدخلًا غير طبيعي فيما يتعلق بملبسي، أو بأوقات النوم، أو حتى الطعام، والغريب هو أنني لا أتدخل بحياة أي شخص في العائلة، ولا أبدي رأيًا إلا إذا طلبت مشورتي. وحين يصبح التدخل مزعجًا أشعر بتوتر داخلي، وأبكي، وأرفض الوجود معهم أو الخروج. إذا تكلمت بالهاتف يطلبون أن يعرفوا من الداعي، وتقوم القيامة إذا كان المتحدث رجلًا، وأنني لم أخبرهم من قبل من يكون؟! وأنا لا أمانع في ذلك، ولكنني لا أحب أن يجبرني أحد؛ لأن الإجبار في مثل عمري غير لائق.

لقد وصل الأمر إلى أنني قصدت طبيبة نفسية، وقالت لي: سلوكهم هذا لن يتغير، ولن تستطيعي أن تغيريه. أهم شيء غيّري من سلوكك، وحاولي أن تجدي لك متنفسًا؛ كعمل آخر، أو هواية تقضين بها وقتك.

أقول للوالدة: أرجوك تعاملي معي على أنني لست صغيرة.. لم يعجبها كلامي، وتجاوب باستهزاء، مرات قليلة تتعامل بطيبة، خاصة عندما أبكي، ولكن بقية الأوقات تعود وتتعامل معي بدون احترام، مع العلم أنها تتعامل مع الغير، من الأقارب والصديقات، بكل احترام، وتمنحهن الحرية بالكلام والرأي.

سيدتي.. إنني إنسانة ناجحة في حياتي العملية. أعمل في مدرسة عربية، وكذلك عندي العضوية بعدة جمعيات. علاقتي مع الناس طيبة جدًا، وهناك احترام متبادل. لي حضور بالمجتمع والمجتمعات المختلفة؛ لكنني في البيت ومع الأهل منعدمة الشخصية، وهذا الذي يريحهم.

أشكر سعة صدرك.. ووقتك.. وأنتظر... بماذا تنصحينني؟

هالة

 

عزيزتي كلنا نختار أصدقاءنا، ولكننا لا نختار أهلنا. ورغم أنني أقدّر مدى الضغط النفسي الذي تسببه معاملة والدتك، أقول إن التعامل مع أي طرف آخر يخضع لقواعد إنسانية ثابتة. تعاملنا مع الآخر يقوم على أساس ما نسمح به داخل حدود العلاقة، في كل علاقة سواء أكانت مع والد أو مع أخت أو صديقة أو رئيس أو زميل، ينبغي رسم الحدود بحيث يفهم الطرف الآخر ما هو مسموح به، وما هو غير مقبول، دون داعٍ لذرف الدموع والشكوى.

ورغم ما تقدم أعترف بأن الأم إن لم تكن واعية ومثقفة ثقافة إنسانية واجتماعية، لا تنفك تعامل أولادها كأطفال، مهما تقدم بهم العمر.

بما أنك سئمت الغربة وتفضلين أن تكوني مع أهلك، عليك باتباع سياسة الحسم. إذا اقترحت عليك والدتك ترك عملك والسفر إلى بلد آخر، يكفي أن تقولي لها مرة واحدة بحزم غير قاس: إنك اخترت العمل الذي تفضلين، وإنك لن تفكري في السفر مرة أخرى. إذا تدخلت فيما تلبسين فقولي لها إنك تختارين ثيابك بنفسك منذ ثلاثين عامًا، ولم يشك أحد من مظهرك. اشكريها على النصيحة، وقولي بهدوء: إنك تفضلين أن تختاري لبسك بنفسك.

ما قالته لك الطبيبة النفسية صحيح، وعليك أن تخلقي لنفسك حياة خاصة تشعرك بالاستقلال النفسي والعاطفي نسبيًا، وتشعرك بالقيمة المستقلة. اربطي علاقات صداقة مع زميلات العمل، واخرجي معهن للترفيه، وقوي صلتك الروحية بخالقك بالدعاء بأن يزيل عنك الكرب، وكوسيلة لإعلان استقلالك أنصحك بمفاجأة أسرتك بأنك مسافرة في رحلة، ولا تفصحي عن أسباب الرحلة إلا بعد العودة. اعتذري بأن لديك أسبابًا خاصة لعدم الإفصاح إلى ما بعد العودة، وحين تعودين قولي ببساطة: إنها كانت زيارة وفاء لصديقة ربطتك بها صداقة في زمن الغربة.

قدرتك على اتخاذ القرار المستقل بدون تردد، وبدون توتر، سوف تكون بداية عهد جديد في التعامل مع أسرتك. الإنسان يجبر الآخر على احترامه بسلوكياته، لا بالبكاء والاستعطاف. هناك خيط رفيع بين الحزم والجفاء. أنصحك بالحزم من دون جفاء.