أنا والمرأة والتاريخ

أنا واحد من أنصار المرأة، وأقف بحزم وعزم مع نضالها التاريخي من أجل انتزاع حقوقها من براثن الرجل.

لكن وقفتي هذه لا تنطلق من أدبيات ورشات العمل التي تشارك فيها نساء سلسات، يترجلن من سيارات تأتي بهن من صالونات التجميل مباشرة إلى قاعات الحوار، وإذا كان لابد لي من ذكر الحقيقة فسأقول: أؤيد المرأة لأنها الأقوى، وأنا لست سوى واحد من خلق الله الذين دأبوا على مساندة الأقوياء.

فضلاً عن هذا فإن التاريخ القديم جدًّا ينبِّئنا أن أصل العقيدة -قبل ظهور الديانات السماوية بآلاف السنين- كانت للأنثى لا للذكر، وقد تم العثور على تماثيل لرموز نسوية تعود إلى ما قبل الألف العاشر قبل الميلاد، كما يسرد هذا التاريخ حكايات وروايات عن نساء تسلمن السلطة، واتخذن قرارات بإشعال الحروب، أو عقد التحالفات، أو بناء العلاقات السياسية والدبلوماسية، أو تحقيق انتصارات سهلة تعود في أساسها إلى أسباب غامضة لا يعرفها سوى اثنين: الله تعالى، والمرأة.

 ينبِّئنا التاريخ أيضا عن أعداد هائلة من النساء اللواتي لم تتح لهن فرص التسلم العلني لدفة القيادة، لكنهن استخدمن ذكاءهن وكل ما وهبهن الله من دهاء، واشتغلن -من وراء الستار- على تزيين ما يروق لهن من قرارات أمام الحكام والقادة العسكريين، ثم إرغامهم على تبنيها بقوة الأنوثة والذكاء والسحر، ومجريات أحداث الليالي الملاح.

وبطبيعة الحال، فأنا لا أستطيع أن أنسى ما فعلته حواء منذ بدء الخليقة، حين أقنعت آدم بقضم التفاحة المحرمة التي أدت إلى إقصائه وإقصائنا معه، من الجنة.

في الأسرة، تقوم المرأة بتسيير الحياة أكثر من الرجل دون التوقف عند تدخلاته السافرة في المجريات المنزلية، ودون الالتفات إلى هدير صوته الذي يثير فيها نوعًا من السخرية الصامتة أثناء انشغالها بالتخطيط الهادئ البعيد المدى لتحقيق غاياتها، مستغلة اعتداده الرجولي وركونه إلى سخف القوة البدنية ووهم السيطرة.

ثم إن المرأة هي التي تنتصر في أي خلاف أو اختلاف مع الرجل! صحيح أن هذا الانتصار قد يأتي متأخرًا، لكنه في نهاية الأمر يكون حتميًّا، فإذا أرادت تزويج ابنتها لابن شقيقها مثلاً، فإنها تجد من المسوغات ما يقنع الجميع بسلامة هذه الخطوة وضرورتها، وإذا اختلفت مع زوجها فإن الأبناء يصطفون إلى جانبها، وإذا انفصلت عنه فإنهم يميلون إلى تحميله كل المسؤولية، فضلاً عن هذا فإنه يشيخ قبلها، ويشعر بالتعب في وقت مبكر، فيرخي حبال سلطته الأسرية؛ لتتسلمها المرأة التي تظل قوية حتى آخر لحظة في حياتها.

يقولون، إذا كان الحصان يستطيع جر عشرة رجال، فإن المرأة تستطيع جر ألف رجل. إنها تمتلك آليات عقلية وأنثوية مركبة تهون دونها تلك التي يمتلكها الرجل المستحكم وراء فهم مغلوط لمعادلات القوة في الحياة، بل إنه لا ينتبه إلى أن المرأة تقف وراء الكثير من القرارات المهمة التي يتخذها هو في حياته من دون أن يدري.

لهذا كله، ولأسباب أخرى يصعب ذكرها الآن، أجدني في صف المرأة؛ لأنها تمثل سلطة الحاضر وقوة المستقبل، وأنا أحب الأقوياء، مع الاعتذار لكل الرجال على سطح كوكبنا، خصوصًا أولئك الذين لم يتوصلوا إلى الحقيقة بعد.