صديق الأدب العربي

شاركتُ قبل أيام، في تكريم المستشرق الألماني «هارتْموت فانْدريتش»، وقدّمتُه صديقاً للأدب العربي، وذلك في الندوة التي نظّمتْها دار «نلسن» للنشر وشارك فيها عدد من الأدباء الذين تَرجم أعمالهم. كما رعت اللقاء وزارة الثقافة.

ناهزَ عددُ الكتب التي أنجز ترجمتها حتى الآن ستين كتاباً، وهي في معظمها من الروايات المعاصرة لكُتّاب من عدد من البلدان العربية.

تعود معرفتي بالدكتور هارتْموث إلى ثمانينات القرن الماضي؛ وما زلتُ أذكرُ تلك الرسالة الغريبة، مُرسلة باسمي إلى عنوان مكتبة رأس بيروت. وحوّلتْها إليّ مديرةُ المكتبة فاديا جحا.

أوّل ما لفتني في العنوان حرفُ السين المُسنَّن؛ وهي الدقّة التي يعتمدها المستعربون في كتابة الأحرف العربية. وكانت الرسالة من الدكتور هارتْموث، ويُبَلِّغني بواسطتها نبأ اختيار روايتي «طيور أيلول» للترجمة إلى اللغة الألمانية، وقد صدرتْ، آنذاك، في سلسلة الروايات العربية المعاصرة عن دار «لينوس» حيث تولّى الإشرافَ والتحريرَ ما يزيدُ على ربع قرن.

قامتْ بالترجمة «فيرونيكا تايْس»، إنما بتوجيه الدكتور وإشرافه. وكان ما وَردني من ردود فعل وتعليق يُؤكّدُ لي الأمانةَ والدقّة المعتمدة في تلك الترجمة كما في ترجمات تالية، تولّى هو بعضَها، خصوصاً رواية «الإقلاع عكس الزمن».

وكانت ملاحظاتي منذ أن التقينا أولَ مرّة، حولَ الجدّية التي يعتَمدُها في عمله، والمثابرة، والأمانة، ما مكَنَهُ من إنجاز ذلك العدد من الترجمات. وبقي على تواصلٍ مع الكُتَّاب، يسعى إلى التعرّف إليهم، في إثر قراءة رواية، أو ترجمتها.

وهو لم يكتفِ بالإشراف والإدارة لمنشورات دار «لينوس» في مدينة «بازل» بسويسرا، بل شارك في عدد من المشاريع التي تولّتْ ترجمةَ أدبنا المعاصر إلى لغات أوروبية. وهو من مؤسّسي مشروع الترجمة من العربية إلى تلك اللغات، والمعروف باسم «ذاكرة البحر المتوسّط». كما كان عضواً في لجنة «بوكر» الدولية للأدب العربي.

وقد نال على جهده جوائز عديدة بينها جائزة المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وجوائز من المملكة العربية السعودية، إلى جائزة جامعة الدول العربية. وكلُّها جوائز مستَحقَّة وتتويج لعمل مخلص ودؤوب.