لست (حبيبي) أيها الجمهور...

جمهوري الحبيب... أو أهدي هذه الأغنية إلى الجمهور الحبيب... أعد جمهوري الحبيب... والكثير من هذه الجمل الرنّانة المعلّبة، إلا أن الجمهور وإن أراد يستطيع أن يصبح العدو الأول والأخير للفنان حين يخرج عن طاعته أو حين يفقد الاتصال مع النجم الذي يقف في الواجهة على المسرح، حاملاً كل ما لديه ليقدّمه للجمهور العزيز، بينما ومن غير مقدّمات ينكسر الإيقاع وتفلت الأمور وتفقد السيطرة وتصبح الأشياء "خبيصة" (متداخلة).

 

في الماضي سمعنا عن رشق الجمهور لبعض الفنانين بالبيض أو بالبندورة أو أشياء قد تكون أكثر أذى، إلا أن صورة عبد الحليم حافظ وهو يقدّم رائعته "قارئة الفنجان"، لا تزال متاحة ويمكن مشاهدتها على (يوتيوب) حين خرج بعض البلطجية وأخذوا يصرخون ويصفّرون ويفتعلون المشاكل لتخريب حفله، مما دفع عبد الحليم آنذاك للتوجّه مباشرة لهؤلاء ومطالبتهم بالهدوء أكثر من مرّة. لكن حين تأكّد أن الأفعال مقصودة، خرج عليهم بقوله (أنا أعرف أزعّق وأعرف أصفّر كمان) وصفّر فعلاً. في تفسير لهذا، يقول البعض إن هذه المجموعة فعلت ذلك بطلب من أم كلثوم التي أزعجها حليم في إحدى الحفلات أمام الرئيس الراحل عبد الناصر.

 

وهنا لا بدّ من التذكير أن هذا الأسلوب كان معتمداً في الماضي حيث كان الفنان يستأجر بعض البلطجية لتخريب حفل هنا أو هناك أو بدافع الغيرة، أو فتوّة تفرض نوعاً من الوصاية على إنتاج الفنانين ليكون لهم نصيب من مداخيل تلك الحفلات وأماكن الأنس التي تستخدم الطرب وأشياء أخرى كوسيلة لجذب الجمهور.

 

استمرّ هذا الوضع مع عبد الحليم حافظ الى أن ذهب إلى أم كلثوم وطلب الصفح والرضا فعادت الأمور إلى نصابها.

 

 

أما الإشكالات في عصرنا فمختلفة نوعاً ما... جورج وسوف مثلاً اختار طريقة مختلفة في حلّ الإشكالات التي تقع في حفلاته بالتوجّه مباشرة إلى مثيري الشغب وتهديدهم ونهرهم بألفاظ جارحة وتذكيرهم بأن هناك من هو أقوى منهم ويستطيع أن (يكسّر رؤوسهم). فيهبّ جمهور أبو وديع مؤيّداً له، مما يدفع المشاغبين وإن كانوا محقّين أحياناً. فالمشكلة أساسها الفوضى في توزيع الطاولات وقد يكون هناك تعديل لقاء نفوذ أو رشوة للحصول على طاولة محجوزة، فيثور صاحب الحجز، لكن قمع الوسوف لهذه الانتفاضة يكون دائماً سريعاً وفعّالاً.

 

وائل كفوري كان أكثر هدوءاً... حاول مراراً بالأسلوب اللبناني حلّ الإشكالات بقوله: "برواق لو سمحتم، وإذا بتريدوا"، لكن الأمور لم تكن في صالحه، خصوصاً إذا كان الجمهور من المستعرضين الذين يرغبون في تسجيل حضورهم الشقي في حفلات النجوم...

 

سجل الإشكالات في حفلات المطربين طويل ولا تخلو حفلة في العالم العربي من بعض المهاترات التي قد تتسبّب أحياناً في إرباك الحفل والتي يصل الأمر فيها أحياناً إلى إلغائه أو إلى أقسام الشرطة.

 

نانسي عجرم... في كركوك العراق تدافع الجمهور نحوها لالتقاط الصور، فضاعت هي وسط الهرج والمرج فيما انشغل حراسها أيضاً في التدافع نحوها لالتقاط صورة تذكارية.

 

فيما نوال الزغبي فضّلت أسلوباً نوعياً وهو (ضرب) أحد الحاضرين من الجمهور الخارج عن الطاعة، أو الذي يتخطّى الحدود المرسومة له وهذا يكون عبرة للآخرين.

 

لعلّها أعسر اللحظات التي يمرّ بها الفنان (النجم) هذه الأيام هي حين يطالبه الجمهور بأغنية لمنافس له على الساحة الفنية، وتكبر الأزمة إذا طالبه الجمهور طوال الحفلة بأغانٍ من هذا القبيل، فهنا يخرج المطرب عن حبه الأزلي لجمهوره (الحبيب) ..