نساء في مرتبة مصارع

موقفها حرج، ففي العمل هي مضطرة لإدارة عدد من الرجال، وتقصير ألسنة النساء، وأي تصرف منها ينعت بالذكوري، أما في البيت، فتغلب عليها الجينات، وحب السيطرة، سواء على الأبوين أو الزوج والأبناء، في التحكم بالزوج أو في نظافة البيت، وفي كل الحالات تأخذ صفة «امرأة في مرتبة مصارع»! مسيطرة ومتعنتة وتوجه الإهانات والانتقادات، فأي ظرف يصل بها إلى هذه الحال، وكيف يتعامل معها من حولها؟ ملف «سيدتي» لهذا العدد، على ألسنة أناس عانوا من نساء في مرتبة مصارع.

اتهام صاحبة المركز بالتصرف الذكوري لم توافق عليه المعنيات بالأمر، فإيناس حشاني، المديرة العامة لشركة الرمان من السعودية، لا تجد نفسها متسلطة، ورغم أنها تدير مجموعة من الموظفين والموظفات، إلا أنَّهم يرون فيها الأم أو الأخت الكبرى لهم، تعلّق حشاني: «نادرًا ما أفقد أعصابي أمام خطأ ما، ولذلك فهم يتجنبون إحداث أي موقف يثير غضبي».

ربما كانت زلة لسان حين قالت حشاني: «يتجنبون إحداث أي موقف يثير غضبي»، ولكن ماذا لو لم يتمكنوا من التجنب؟ لهذا لم توافقها الرأي ابنة بلدها إيمان السهيمي، التي كانت تعاني من امرأة تولت منصب مشرفة على القناة التي تعمل بها، فكرّست الموظفين لخدمتها وليس لخدمة مشاهدي القناة، كانت تفرض توجيهاتها لدرجة الإهانة، إضافة إلى تعيينها جواسيس داخل العمل لينقلوا لها الأحداث، ما أثار المشاكل بين الموظفين.

مديرات مدارس

مديرة المدرسة، أكثر مهنة وضعت في قالب المصارعة لدرجة أن الكثيرين اختصروا العمل معها بكلمتين «القهر والتسلط»، فبيسان خليل، إدارية في مدرسة عالميَّة في السعودية، لا تنسى صوت مديرتها الذي يعلو بطريقة مهينة عند توجيهها لأي أمر ما، وهوايتها الخصم من الرواتب على أتفه الأسباب؛ حتى لو جاءتها الموظفة بتقرير طبي من دون مراعاة لظروف الحمل والولادة، تعلّق بيسان: «ما دفعني إلى تقديم استقالتي أنا والعديد من الموظفات».

ظروف فلسطين المحتلة، دفعت النساء لأن يكنّ بمرتبة مصارع، كما يرى يوسف محمد، موظف فلسطيني، فقد عرف مديرة مدرسة تركها زوجها لترعى أطفالها وتقوم بدور الرجل، يستدرك: «كان شعرها قصيرًا، تدخن أمام المعلمين، وتمنعهم في الوقت ذاته من التدخين، والويل كل الويل لمن تراه يدخن حتى لو في حمام المدرسة الخاص بالذكور، والكل يردد: «يا فرعون مين فرعنك، قال ما وجدت حد يقف في وجهي».

لكن شقيق ضياء سعيد الرومي، محاسب، مدرس، عندما استاء من تسلط مديرته، علم أنها تتحول أمام زوجها لقطة صغيرة تضرب أحيانًا، فالتقى أحدهم بزوجها وأخبره ما تفعله مع الموظفين. وعندما زارها في المدرسة، صدمته فجاجة لهجتها، ورمقها بنظرة امتعاض، ومنذ تلك اللحظة وهي تعامل كلّ من في المدرسة بأدب.

 

مصارعات في البيت

قد يعاني الأزواج أو الإخوة من تصلّب شخصية الفتاة في البيت، والتي تتحول إلى مسيطرة تطالب بتنفيذ رغباتها، فعندما تزوجت شقيقة نورين السهنودي، طالبة بكلية الآداب بمصر، جاء الفرج لكل أفراد العائلة، فهي متسلطة حتى على أمها وأبيها، وانتقل تسلطها إلى زوجها، فويل له إن لم يفتح لها باب السيارة أو إن سار أمامها، فهي على استعداد لمصارعته (لفظيًا) حتى يرضخ لها، تستدرك نورين: «هي تحب القطط وتجبر زوجها أن يشتري لقططها الـ11 بنصف راتبه إكسسوارات، فقام بتسريبها، حتى فقدت ثمانية منها في أسبوعين، وعندما اكتشفت ما فعله ثارت وقررت الطلاق منه، وكل ما أخشاه أن تعود لتسلطها علينا من جديد».

وفوجئت أسماء العلوي، موظفة مغربية، بزميلتها التي تعتبرها شقيقتها تتصرف كالرجال، وهي تقف ببنطلونها، رافعة حذاءها على محمل ماسح الأحذية وسط الشارع ينظفه لها، وكل المارة ينظرون إليها.

دراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، أحصت الإناث في مرتبة مصارع بنسبة 20  مرجعين ذلك للعبهن الرياضة ودخولهن العمل، لكن جدة نورا مجدي، محامية مصرية ذات الـ (78 عامًا)، لم تتعلم ولم تمارس الرياضة، وتتحكم في أربعة أجيال، فقد أصرت أن يعيش أبناؤها الذكور الستة معها جميعًا وأبناؤهم وأبناء أبنائهم، فكوَّنت مستعمرة صغيرة في (البحيرة) تجاوز عدد أفرادها (65) شخصًا، وتعرفهم بالاسم، تستدرك نورا: «لم يهرب أحد من جبروتها غيري، حيثُ سافرت مع زوجي، فهي تقرر كل شيء حتى لزوجات أبنائها، وكل منهن تتصل بها يوميًا لتسألها ماذا أطبخ وهل يمكنني الخروج، وكيف أربي أبنائي وما الكلية التي يلتحقون بها؟».

فيما أطلق عبيد السالم، موظف حكومي من السعودية، على زوجته لقب (أم المعارك)، فهي عصبية المزاج، وقادرة على إحداث النكد 24على 24 مثل قناة الإذاعة، حسبما قال وتابع: «استسلمت، لأنعم بالهدوء، ومرة سافرت أنا وإياها، والأولاد، وسألني الموظف عن الأسماء للحجز، وعندما جاء اسم زوجتي قلت بشكل لا شعوري «أم المعارك»، والطريف في الموضوع أن هذا الموظف أعجبه اللقب، وقال إنه سوف يلقب به زوجته؛ لأنه أقرب وصف لها».

زوجة أبي هاني العمري، عامل بناء، فلسطيني ملقّبة بـ«الزلمة» أيضًا، ولا يكنونها إلا بأبي هاني، صوتها غليظ وحركاتها رجولية، يتابع: «هي طاغية وليست مسترجلة حتى على أولادها، لدرجة أنها حين تقدم خاطب لابنتي جلست مع عائلته لتناقشهم على المهر والمؤخر، وتركتني في المطبخ مع ابنتي نعد القهوة، الأمر الذي جعل الخاطب لا يعود ثانية».

تعالَ وخُذ، بصيغة المذكر، هي الطريقة التي ينادي بها أبو حيدر صقر، متقاعد فلسطيني زوجته المسترجلة ذات الملابس الرجالية القاتمة، حتى أنها طلبت من زوجات أبنائها أن ينادينها بلقب «يا عم»، وكان مجلسها المفضل هو المقهى الرجالي الذي يقع على ناصية الشارع حتى أطلقوا على المقهى اسمها!

نادر عبد الله حسن، مدرس رياضيات، من مصر، يرى قوة زوجة عمّه، طبيبة التحاليل، بالتعقيم، فهي لا تسمح لأحد بدخول المنزل إلا بعد خلع حذائه وغسل يديه ورجليه، يتابع: «بنت حمامًا أسفل منزل عمي حتى لا يخترق أحد الحد الآمن (بحسب تعبيرها)، ومرة تسلقنا أنا وابنها الحائط حتى وصلنا للنافذة، ودخلنا منها فألقت بنا منها، حتى أن ابنها أصيب من القفزة، وعاقبته بمنعه من المبيت بالمنزل لثلاثة أيام، ووضعت سلكًا على جميع النوافذ حتى لا يمكننا تسلقها من جديد».

 

في مجابهة النساء والرجال

منافسة المرأة للمرأة، وخوفها منها على كرسي منصبها، هو الذي يجعل نجاح الأخرى مستحيلاً؛ لأنها لن تشيد بجهودها بأي حال من الأحوال! وجهة نظر سامية صلاح، موظفة في قطاع الدعاية والإعلان في السعودية، فعندما شعرت مديرتها المباشرة، بتفوقها أرسلت تقارير خاطئة عن أدائها في العمل وإهمالها وعدم التزامها. تتابع سامية: «عندما كانت تخاطب الموظفين من الشباب تبدو وكأنها رجل، لذلك عندما نجتمع جميعًا نقوم برسم صورتها ووضع شوارب عليها، ونكتب تحت صورتها هتلر».

وبلغ الأمر بمديرة وسام النجار، موظفة فلسطينية، أن ترتدي حذاءً رياضيًا، وتمشي على أطراف أصابعها لكي تراقب الموظفات، وتمنعهن من وضع الماكياج طول فترة الدوام، وكانت تضع في كل مكتب موظفين رجالاً وامرأة واحدة، حتى لا يكون هناك مجال للحديث، وتمنع الأمهات من استخدام الهاتف للاطمئنان على أولادهن.

العنوسة هو سبب هذا التسلط الرجالي برأي مديحة راضي، مصرية تعمل في قسم الكيمياء، فمديرة شركتها عانس متسلطة، لا ترتدي إلا البدل الرجالي، ولا تتوقف عن إلقاء الأوامر بلهجة مستفزة، وعندما تمت ترقيتها أقنعها أحد الموظفين عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يحبها، فاستجابت بعد فترة طويلة وتغيرت سلوكياتها حتى أنها بدأت ترتدي الفساتين، تتابع مديحة: «عندما اكتشفت مكيدتنا طردت زميلنا من الشركة، وعاقبتنا بالخصم شهرًا لكل منا».

وتتذكر إنعام الديب، موظفة في بنك أبوظبي الوطني في الإمارات، جزءًا من حياتها كان كالمأساة، فقد عملت في شركة كانت المسؤولة المباشرة عن قرابة 50 موظفًا، سيدة مسترجلة، ذات صوت عال لا تتورع عن الصراخ في وجه العامل إن قصر أو حتى تأخر عن تلبية ما تريده، وعندما تدخل في طريقها إلى مكتبها لا تلقي حتى التحية على من تصادفهم، تعلّق: «أكثر من 10 أشخاص تركوا العمل لوظائف أقل راتب فقط من أجل التخلص من إهاناتها المتلاحقة».

ولازال يرن في أذن سيرينا ميشيل، موظفة في شركة دعاية وإعلان، في الإمارات صوت مديرتها القاسي، والذي تركز فيه على الأوامر والانتقادات، تتابع: «النفوذ والمال واستضعاف الآخرين واللعب على وتر إنهاء الخدمات بحقد، كانت طريقتها، وكنّا نفكر كل يوم كيف سنتعامل معها غدًا؟

بعض النساء إن تهيأت لهن الظروف، والأشخاص الذين يسمحون لهن بذلك، يصبحن رجالاً برتبة مصارع، بحسب رانيا سعيد الجزاوي موظفة في وزارة العمل بدبي. تعلق: «إن وجدن من يواجههن قد يتراجعن ولو بالتدريج».

لكنها طريقة لا يراها محمود طليب مترجم قانوني، من الإمارات، مجدية، فقد وجد نفسه ضحية امرأة في درجة مصارع، تقلل احترامها لرجال بسن والدها، وتصرخ على الموظفين وتبخس أي إنجاز يقومون به، يتابع محمود: «حتى ألقت بمادة قمت بترجمتها في سلة المهملات، وبعد نقاش حاد قلت لها «لولا أنك امرأة لألقيت بك من النافذة»، وكانت النتيجة رسالة إنهاء لخدماتي». ورغم أن محمود بقي بلا عمل قرابة 6 أشهر إلا أنه يعمل بالمثل القائل: «ماذا يكسب المرء إن كسب العالم وخسر نفسه»؟

برأي عبد المجيد بزيوات، موظف مغربي، أن المهنة أحيانًا تفرض نوعًا من الخشونة خاصة بالنسبة للمصورات الصحفيات ما يسيء إلى أنوثتهن. وفي المجتمع المغربي يطلقون على من يعملن بالسياسة والإعلام «رجال» كالوزيرة السابقة نزهة الصقلي التي تنعت من قبل المغاربة «بالرجل»، فقد اصطدم الصحافي المغربي عادل الزبيري مع مديرة قناة تليفزيونية لا تكف عن الصراخ والتدخين بشراهة، وتنطق بكلام بذيء وتستبد بالرجل لمجرد أنه رجل، فواجهها بعدما كانت تعارض كل مشاريع برامجه.

إسلام علي، موظف في شركة سياحة بالإمارات، عاش تجربة صعبة مع مديرته، ذات النظام العسكري، لتثبت أنها ند للرجل، يتابع إسلام: «من الصعب في مجتمعنا أن يتقبل الرجل توبيخ امرأة مسترجلة، والأصعب عليها أن يرد عليها بنفس أسلوبها».

وعندما عمل عبد الله زعرب، طالب جامعي فلسطيني، لفترة في مكتب محامية مسترجلة صدمه فرضها على الموظفين الرجال أن يمضغوا العلكة طول فترة وجودهم في المكتب، يستدرك: «كانت ترضي نزعتها للسيطرة والتسلط؛ فتصرخ وتشتم وتتحكم بنا وتخاطبنا بلغة المؤنث، وكأننا نساء أمامها، لم يستمر عملي معها سوى شهر».

بينما أخذها هشام مصلحي، موظف في شركة للاستشارات الهندسية بالإمارات، من قصيرها وقدم استقالته من بيئة عمل تحكمها امرأة متسلطة مريضة، حسب قوله.