في زحمة الحياة وكثرة المشاغل وسرعة التغيّرات، تغفل بعض الأسر عن واحدة من أهم المهارات التي يجب أن نزرعها في أطفالنا منذ الصغر وهي: احترام المال وفهم قيمته الحقيقية، والآباء هنا لا يقصدون حشو عقول الصغار بالأرقام، أو زرع هوس الادخار فيهم، بل غرس معنى الجهد والاختيار في قلوبهم، وأن المال وسيلة لا غاية، وقيمته تأتي من العرق والتعب والوقت الذي بُذل في كسبه.
"سيدتي وطفلك" التقت والدكتور حسن فايد أستاذ علم نفس الطفل للتعرف إلى: خطوات تطبيق مفهوم التربية المالية للطفل، وعلاقته بالتعليم والتحصيل، وفي النهاية يوضح كيف يمكن للأم أن تزرع قيمة المال في نفس الطفل؟ في هيئة شرح وتوضيح لعدد من الأفكار.
علمي طفلك احترام المال

أن تربي الطفل وتعلميه احترام المال، هو في الحقيقة يتعلم احترام نفسه واحترام الآخرين، المال ليس فقط وسيلة للشراء، بل رمز للجهد والوقت والمسؤولية، والطفل الذي ينشأ على هذه القيم سيكون أكثر وعياً في دراسته، وأكثر قدرة على اتخاذ قرارات ناضجة.
يبدأ احترام الطفل للمال عندما يدرك أنه لا يأتي بسهولة؛ فالطفل الذي يرى والديه يعملان بجد، ويتحدثان عن أهمية الكسب الشريف، يتعلّم منذ نعومة أظفاره أن كل قطعة نقدية تمثل تعباً وتحتاج وقتاً.
عندما تشرحين لطفلك أن شراء لعبة جديدة يتطلب أن والده أو والدته يعملان ساعات إضافية لتوفير ثمنها، فهو -هنا- لا يرى اللعبة وحدها، بل يرى وراءها قصة جهد ومسؤولية، هذه الفكرة حين تُزرع مبكراً، تخلق وعياً عميقاً يجعل الطفل أكثر تقديراً لما يملك، وأقل اندفاعاً نحو التبذير.
تعاملي بمفهوم التربية المالية

الأطفال لا يتعلمون من الكلمات بقدر ما يتعلمون من الملاحظة وتقليد الأفعال، حين يشاهد الطفل أمه أو أباه يديران ميزانية المنزل بحكمة، أو يختاران منتجاً بسعر مناسب دون إسراف، فهو يتعلم عملياً معنى الاختيار الذكي.
وعندما نُشرك الطفل في قرارات بسيطة مثل مقارنة أسعار الألعاب أو الادخار من مصروفه الأسبوعي لشراء شيء يريده، فإننا نعلّمه كيف يتعامل مع المال، وكيف يخطط، ينتظر، ويختار، وكلها مهام تحوي مهارات حياتية تنعكس لاحقاً على شخصيته وسلوكه العام.
خطوات لتدريب طفلك على الادخار وفن إدارة المال الصغير هل تودين تجربتها؟
أخبري طفلك أن التوفير ليس بخلاً بل تخطيطٌ

كثير من الأمهات يقلقن حين يشاهدن أطفالهن حريصين على المال، فيخشين أن يتحول الأمر إلى بخل! لكن التوفير الحقيقي لا يعني الحرمان، بل القدرة على ترتيب الأولويات.
حين نعلّم الطفل أن الادخار هدفه تحقيق حلم أكبر -شراء كتاب، أو هدية لصديق، أو رحلة مدرسية- فإنه يفهم أن المال وسيلة لتحقيق السعادة بطريقة مسؤولة.
الفرق بين البخل والتوفير هو في النية والغاية؛ البخيل يخاف من الإنفاق، بينما الموفّر يفكر قبل أن ينفق، بهذه الفكرة البسيطة، يتكوّن لدى الطفل وعي متوازن يجمع بين العطاء والحذر، بين الكرم والوعي.
السلوك المالي يعكس القيم الأسرية

الطفل مرآة بيئته؛ إذا نشأ في بيت يُنفق بلا حساب، فسيتعلم أن المال بلا قيمة، أما إذا رأى والديه يوازنان بين الرغبة والضرورة، فسيقلدهما دون أن يحتاج إلى شرح، لهذا السبب، القدوة الأسرية هي الركيزة الأولى للتربية المالية.
احكي لطفلك كيف تديرين ميزانية البيت، أو كيف تختارين بين شراء شيء ضروري وتأجيل آخر، وامنحيه أحياناً مسؤولية بسيطة، مثل إدارة مصروف صغير أو اختيار هدية لعائلته بميزانية محددة.
هذه التجارب الصغيرة تزرع في نفسه إحساساً بالمسؤولية والانتماء، وتجعله يشعر بأنه جزء من القرارات لا مجرد متلقٍ للأوامر.
المبذر لا يشعر بثمن الأشياء
حين يحصل الطفل على كل ما يريد دون حدود، يفقد تدريجياً إحساسه بالجهد المبذول خلف الأشياء، فالذي لا ينتظر، لا يقدّر، والذي لا يسعى، لا يشعر بقيمة ما يصل إليه، ومنح الطفل كل ما يطلبه بحجة الحب قد يحرمه من أعظم هدية يمكن أن تقدمها له الأم أو الأب: وهي الإحساس بالإنجاز بعد التعب، كذلك علميه: أن الرغبة في الشراء لا تعني الاستحقاق الفوري؛ أحياناً، الانتظار جزء من المتعة، لأنه يجعل الحصول على الشيء أكثر معنى.من المال إلى الدراسة... خيط غير مرئي
قد يبدو أن الحديث عن المال بعيد عن التعليم، لكن الحقيقة أن بينهما رابطاً قوياً؛ الطفل الذي يتعلم الانضباط المالي -أي ضبط رغباته وتأجيل إشباعها- يطور أيضاً مهارة التحكم الذاتي التي يحتاجها للتركيز في دراسته.الذي يعرف كيف يدخر ليحقق هدفاً صغيراً، سيعرف كيف يجتهد ليحقق هدفاً دراسياً أكبر؛ فالمال هنا ليس مجرد نقود، بل أداة لبناء الشخصية، ومن يتعلم أن لكل شيء ثمناً، يتعلم أيضاً أن النجاح له ثمنه، وهما الجهد والمثابرة.
حب الدراسة لا يأتي من المكافآت فقط
في بعض البيوت، يُربط الاجتهاد الدراسي بالمكافأة المادية: "إن نجحت ستحصل على هدية"، ورغم أن المكافآت قد تكون حافزاً جيداً في البداية، فإنها على المدى الطويل تُضعف الدافع الداخلي.الطفل الذي يتعلم أن يدرس فقط من أجل الجائزة، سيفقد شغفه عندما لا تكون هناك مكافأة، أما الذي يعتاد على الشعور بالفخر من إنجازه نفسه، فإنه يصبح متعلّماً حقيقياً.
اغرسي فيه فكرة أن المكافأة ليست دائماً في اليد، بل في القلب، في الرضا، وفي الإحساس بقيمة ما أنجزه بجهده.
الطموح يُبنى على التقدير الذاتي

الطفل الذي يُشجَّع عندما يدخر، أو عندما يختار بحكمة، أو حين ينجح في دراسته، يشعر بأن جهده يُقدَّر، وأن قراراته لها وزن، هذا الشعور يبني لديه ثقة داخلية هي حجر الأساس للطموح.
الطموح لا يولد من المال أو الجوائز، بل من الإحساس بأن ما أفعله له قيمة، وأن تعبي لا يضيع هباءً. لهذا، حين تربطين بين احترام المال واحترام الجهد، فإنك تبنين في طفلك قاعدة متينة تجعله يسعى لتحقيق أهدافه بوعي ومسؤولية.
كيف يمكن للأم أن تزرع هذه القيم؟

- ابدئي بالمحادثة: تحدثي مع طفلك ببساطة عن معنى المال، وكيف ينفقه؟
- قدّمي له مسؤولية صغيرة: أعطيه مصروفاً أسبوعياً، ودعيه يقرر كيف يستخدمه، مع توجيه لطيف عند الحاجة.
- شجّعي الادخار بهدف محدد: كشراء لعبة أو هدية لصديق، هذا يجعله يتعلم أن الانتظار جزء من المتعة.
- كوني قدوة: اجعليه يراك تتخذين قرارات مالية واعية، لأن الأطفال يقلدون ما يرون لا ما يسمعون.
- استخدمي الأخطاء كفرص تعليمية: إذا أنفق مصروفه بسرعة؛ فلا تعاتبيه فقط، بل ناقشي معه كيف يمكن أن يتصرف في المرة القادمة.
- اربطِي بين الجهد والمكافأة: لا تجعلي الهدية مجرد مقابل مادي، بل وسيلة للاعتراف بالجهد والالتزام.






