لم تعد حكاية قبل النوم وسيلة لبث الطمأنينة في نفس للطفل قبل خلوده للنوم، أو مجرد لحظات دافئة من الاسترخاء يختم بها نهاية يومه فحسب، بل أصبحت أداة تربوية ذكية تحمل بين طيّاتها رسائل عميقة. فهي أشبه بكبسولة تربوية تقدمها الجدة أو الأم في دقائق معدودات، بعد فترة قلق وتفكير في مشكلة ما تواجهها مع الابن أو الابنة، وترى أن القصة وسيلة مثلى -غير مباشرة- للوصول للهدف؛ حيث تطرح بوضوح معالم المشكلة، بعدها تعرض الحل أو العلاج بوضوح.
و"قصة رحلة سامي" تحكي عن الطفل المُبذر في ماله، والذي يقدم الكماليات قبل الأولويات، من دون الاعتراف بقيمة المال، ما يؤثر على أسلوب حياته حالياً ومستقبلاً.
البداية:

تبدأ الحكاية مع الأستاذ كريم، المشرف الاجتماعي بالمدرسة، والذي يجلس بغرفته يتصفح بعض الأوراق، عندما دخلت عليه مجموعة من الطلاب وكانوا يتحدثون بصوت منخفض، وكأنهم يخفون شيئاً، فاستدار لهم وسأل بابتسامة هادئة: ما الأمر يا شباب؟
تردد بعض الطلاب قليلاً قبل أن يجيب أحدهم: أستاذ كريم الرحلة الأخيرة كانت كارثة، الطعام لم يكن كافياً، والمواصلات كانت سيئة، وكل شيء كان فوضى.
رفع الأستاذ كريم حاجبيه باستغراب، وسأل: ومن كان المسؤول عن تنظيمها؟
أجاب طالب آخر: سامي.
في تلك اللحظة، شعر الأستاذ كريم بقلق، وأخذ يتحدث مع نفسه، من دون صوت: سامي من الطلاب المتفوقين، لكنه أحياناً يتصرف باندفاع. وهنا قرر الأستاذ استدعاء سامي.
أهمية تعليم الطفل القراءة مبكراً.. وطرق لتحفيزه عليها
اعتراف سامي:
في اليوم التالي، جلس سامي أمام الأستاذ، وهو ينظر إلى الأرض بخجل، سأله الأستاذ كريم: سامي، سمعت أن هناك مشاكل في الرحلة، هل يمكن أن تشرح لي ما حدث؟
تنهّد سامي وقال بصوت منخفض، وكأنه يدرك خطأ ما فعل، وأجاب: كنت أريد أن أجعل الرحلة مميزة، فأنفقت المال على تزيين المكان؛ بشراء لوحات وإعلانات ملونة، حتى الصور التي طبعتها كانت بحجم كبير، وأعتقد أنني بالغت قليلاً.
تفّهم الأستاذ ما سمع، وقال بلطف: سامي، أن تكون مبدعاً شيء جميل، لكن لا بد أن نتعلم كيف نخطط بذكاء، ونوزع الميزانية بشكل متوازن، هل تعلم ما هي الميزانية؟
رد سامي بتردد: أعرف أنه المبلغ الذي نخطط لصرفه، هل هذا صحيح؟
ابتسم الأستاذ وأكمل: نعم، كما قلت، الميزانية هي إعداد خطة للمصروفات، يجب أن نضمن الأساسيات أولاً، مثل الطعام والمواصلات، ثم نفكر في الإضافات، وإضافة الكماليات.
هدية سامي الثمينة:

لم تمر سوى أيام قليلة بعد هذا الموقف، إلا وتلقى سامي هدية كبيرة بمناسبة عيد ميلاده، فتح الظرف بفرح، ووجد فيه مبلغاً مالياً كبيراً، فقال بحماس: يا إلهي! سأشتري جهاز ألعاب جديداً، وسأدعو أصدقائي لتناول البيتزا والحلويات.
وبالفعل جرى سامي إلى المحل، وأنفق المبلغ كاملاً في يومين، وعندما عاد إلى البيت، لاحظت والدته -التي كانت تعلم بأمر الرحلة السابقة- أن كل المبلغ قد اختفى، فجلست معه في المساء وسألته: سامي، ماذا فعلت بكل هذا المال؟!
أجاب سامي بابتسامة مترددة: اشتريت أشياء جميلة واستمتعت مع أصدقائي، وهنا تنهّدت والدته وقالت بلطف ممزوج بالجدية: سامي، ألاحظ أنك كررت نفس الخطأ الذي حدث في الرحلة، لا بأس أن تفرح، لكن ماذا ستفعل إذا احتجت إلى شيء مهم لاحقاً؟ المال ليس للمتعة فقط، بل يجب أن نخطط له بحكمة.
سحر وتأثير حكاية قبل النوم على طفلك التقرير يبحث عن السبب
جلسة للتخطيط:
جلسا معاً، وأخرجت والدته ورقة وقلماً، وقالت: دعنا نعمل معاً على خطة بسيطة، ما رأيك أن نخصص جزءاً من أي مبلغ تحصل عليه لوضعه كادخار؟ مثلاً، 50% للادخار، 30% للمصاريف المهمة، و20% للمتعة، ابتسم سامي، وقال بحماس: فكرة رائعة!
وأضافت والدته: أريدك أن تجرّب بنفسك أن تكسب المال، ربما تساعدني في ترتيب البيت، أو تقدم خدمة لجيراننا، أو أي صديق أو جار محتاج، وعندما تشعر بتعب العمل، ستعرف قيمة كل قرش تكسبه.
درس في الاقتصاد:

وفي المدرسة، قرر الأستاذ كريم أن يشرح درساً في الاقتصاد بطريقة مبسطة، وبدأه بأن سأل الطلاب: تخيلوا أن معكم 100 جنيه، ماذا ستفعلون بها؟
رفع سامي يده وقال بثقة: سأقسمها؛ 50 للادخار، 30 للأشياء الضرورية، 20 للمتعة، اندهش الطلاب وصفقوا له، وابتسم الأستاذ قائلاً: رائع يا سامي! هذه طريقة رائعة لإدارة المال.
وبينما كان الطلاب يصفقون، نظر سامي إلى أصدقائه وقال بابتسامة عريضة: تعلمت الدرس يا شباب، وعلينا ألا نكرر الأخطاء.
في الأسابيع التالية، بدأ سامي يطبّق ما تعلمه؛ فكان يدوّن كل ما ينفقه، ويفكر قبل شراء أي شيء، وصار يشارك في التخطيط لرحلات المدرسة، وهذه المرة نجحت الرحلة التي تولى مسؤوليتها بشكل كبير، بل وتمكن من التوفير لشراء هدايا تذكارية بسيطة للطلاب.
وفي يوم من الأيام، بينما كانوا يتناولون الغداء بالمنزل، قال أحمد، أخوه الأصغر، ضاحكاً: يا سامي، صرت خبيراً في توزيع المال!
رد سامي مبتسماً: الحياة علمتني أن المال أمانة، والنجاح لا يكون في المظاهر وحدها، بل في الحكمة في التصرف والتوزيع، وعمل حساب للأولويات.
9 طرق لتعليم الطفل قيمة المال ومفهوم الادخار:

- تحدثي مع طفلك عن الأمور المالية بطريقة مبسطة ومناسبة لسنّه، وشجعيه على تخصيص جزء من مصروفه للتبرع به، ومساعدة الآخرين.
- علّمي طفلك كيفية الادخار، ويكون ذلك من خلال فتح حساب ادخار له مع استخدام حصالة، وقومي بتحفيزه على وضع أهداف للادخار.
- علّمي طفلك كيفية التمييز بين الاحتياجات الضرورية والرغبات غير الضرورية، هذا سيساعده على اتخاذ قرارات إنفاق أفضل.
- دعي طفلك يشارك في بعض القرارات المالية البسيطة، مثل تخطيط النفقات للعطلات، هذا سيساعده على فهم كيفية إدارة الأموال.
- امنحي طفلك فرصة التصرف في بعض المبالغ الصغيرة، هذا سيساعده على تعلم كيفية اتخاذ القرارات المالية بنفسه، والاستفادة من الأخطاء.
- حاولي بشكل تدريجي أن تنتقلي من إعطاء ابنك المراهق المصروف بشكل يومي، إلى إعطائه المصروف بشكل أسبوعي ثم شهري.
- عرّفي طفلك لماذا يدخر؟ واطلبي منه أن يكون ادخاراً بهدف شراء شيء معين، ومن باب التشجيع: على الآباء أن يقوموا بزيادة المصروف إذا شعروا أن الابن المراهق يدخر من المصروف ليتمكن من شراء شيء يريده.
- أعطي لطفلك مبلغاً مُحدَّداً كل أسبوع أو شهر، ما يمنح الطفل الشعور بالأمان، ويجعله يشعر بأنّ من حقّه الحصول عليه.
- تمسكي بالمبلغ المخصَّص من دون زيادة طارئة وسط الأسبوع أو الشهر، ما يضع حدّاً لطلبات الطفل بالمزيد من الأموال.