أن يقدم الطفل شيئاً خاصاً يمتلكه لشخص آخر دون توقع مقابل، لهو شعور جميل يمتلئ بالكرم والسخاء، يُسعد مَن يقدمه ومَن يستقبله أيضاً، وهذا العطاء عادة تُرّبى في الطفل منذ الصغر وعلى الآباء متابعتها لتُطبق بحق، لكن للأسف سلمى الطفلة بطلة قصتنا تفتقد هذا الأسلوب في التعامل، وترفض فكرة المشاركة والعطاء بعامة.
وقصة اليوم أو حكاية قبل النوم: "سلمى تحب عروستها جداً جداً" اختارتها الأم بعد بحث طويل وسط مواقع الإنترنت، وكذلك محتوى مكتبة الجد الكبيرة، بعدما احتار دليلها لتعليم طفلتها الصغيرة مفهوم المشاركة، ونبذ عادة التملك والاستحواذ في نطاق لعبها وحاجاتها، وهي لا تعلم بأن هناك مئات بل آلاف من الأطفال يحتاجون لواحدة من اللعب أو الكتب أو القصص أو الملابس ووجبات الطعام.. وينتظرونها.
سلمى تخفي ألعابها

تبدأ القصة بملاحظة الأم لطفلتها الصغيرة سلمى- 9 سنوات- كان لديها عادة غريبة تتكرر مع كل شيء جديد تحصل عليه؛ من لعبة أو فستان جميل أو حتى كتاب مصوَّر؛ كانت تسارع بإخفائها بجانب لعبتها المفضلة ولعبها القديمة، ومكعباتها الملونة في صندوقها الخاص وتضعه تحت السرير، وتحرص على ألا يلمسها أحد، وعندما يزور الأطفال الأصدقاء منزلهم، تتحول سلمى فجأة إلى طفلة مختلفة؛ فهي متوترة، مترقبة، تتابع بعينيها كل حركة، وتُخفي ألعابها بسرعة البرق وكأنها تخاف أن تُختطف منها.
هل تودين التعرف إلى.. قصص قصيرة للأطفال؟
سلمى وحب التملك

وذات مساء، بعدما غادر الضيوف وظلت بقايا الضحكات في أركان المنزل، جلست الأم بجوار سلمى وهمست لها بلطف: لماذا تُخفين ألعابك عندما يأتي أصدقاؤك يا سلمى؟
خفضت سلمى عينيها وقالت بصوت خافت: لأنها لي، لا أريدهم أن يأخذوها، قد يكسرونها أو قد لا يعيدونها، تأملت الأم في كلمات ابنتها، وبدا واضحاً للأم أن المسألة ليست مجرد حب تملك أو أنانية الطفل، بل خوف دفين من الفقدان، ربما شعور بعدم الأمان، أو حاجة للسيطرة على عالمها الصغير وما تمتلكه فيه.
في اليوم التالي، قررت الأم أن تتصرف بحكمة، فحين زارتهم جارتهم أمينة مع ابنتها سارة، أحضرت الأم طبقاً من الحلوى وقالت أمام سلمى: أتعلمين يا سارة هذه الحلوى لذيذة جداً، وأنا سعيدة لأنني أستطيع مشاركتها معكم، عندما نتشارك الأشياء، تصبح السعادة مضاعفة.
ورغم أن سلمى كانت تراقب المشهد بصمت، إلا أن ملامحها لم تتغير ، ومرت الأيام، وأحست الأم بضرورة التدرج في تعليم ابنتها سلمى مفهوم العطاء ومعنى المشاركة، وفي ذات مساء، جلست الأم بجوار سلمى على سجادة الألعاب وسألتها: أتعلمين ما هو الشعور الأجمل من امتلاك لعبة جميلة؟ نظرت سلمى إليها بتساؤل، فأكملت الأم: أن تشاهدي البهجة في عيون طفل آخر يلعب بها لأول مرة، ربما لم تتح ظروف أسرته الاقتصادية شراء مثلها!.
سلمى ونقطة التحول

لم تلق الجملة صدى طيباً في قلب وآذان سلمى ولم تقتنع بقصد أمها؛ كان تعلق سلمى بأغراضها أعمق من أن يزول بكلمات عابرة، لكن نقطة التحول الحقيقية جاءت ذات يوم عندما دعت الأم مجموعة من أمهات الحي وأطفالهن إلى نشاط صغير بإحدى الحدائق العامة القريبة من المنزل، كان النشاط يدور حول التبرع بالألعاب القديمة للأطفال المحتاجين.
وبالفعل جلب الأطفال ألعابهم، وكانوا يضعونها في صناديق مخصصة، ثم يجلسون ليرسموا كروتاً ملونة تُرفق مع كل لعبة، في البداية كانت سلمى تقف جانباً، تمسك بدميتها- عروستها- المفضلة بين يديها وكأنها تخشى أن تُنتزع منها بالقوة، وهنا اقتربت منها إحدى صديقاتها وقالت لها بابتسامة عريضة: سلمى، انظري! أعطيت اليوم دبدوباً كنت أحبه جداً، تخيلي كم سيكون سعيداً الطفل الذي سيأخذه.
ترددت سلمى، ثم سألتها بصوت خافت: ألن تشعري بافتقادها؟ ألن تندمي؟
ضحكت صديقتها وأجابت: بل أشعر أنني سعيدة جداً! كأنني أعطيته حياة جديدة مع صديق ثانٍ.
في تلك اللحظة، لمعت فكرة في رأس سلمى، نظرت إلى دميتها، تلمست فستانها بيديها الصغيرتين، وتذكرت كم أحبَّتها عندما حصلت عليها لأول مرة، ثم وكأنها تخطو خطوة عملاقة خارج قناعاتها، مدت يدها نحو صندوق التبرعات، ووضعت الدمية برفق، وهمست: أرجو أن تجدي بيتاً يحبك كما أحببتك، لا تغضبي أنا أحبك ولكن هناك أطفال لا يعرفون شكل اللعب - كما تقول أمي- سامحيني وسأظل أحبك.
قصص أطفال مكتوبة هادفة قصيرة هل تودين مطالعتها؟
سلمى زهرة تتفتح

راقبت الأم ذلك المشهد بصمت وفخر؛ فلم تكن بحاجة إلى قول أي شيء، فالفعل كان أبلغ من كل الكلمات، ومنذ ذلك اليوم، بدأت سلمى تتغير، ولم يكن التغيير سريعاً بل تدريجي، وكأنها زهرة تتفتح على مهل.
في زيارة لاحقة لصديقاتها نورة وصفاء وحسناء، لاحظت الأم شيئاً مختلفاً، كانت سلمى تجلس وسط المجموعة تبتسم وتقول: تفضلوا، يمكنكم اللعب بعروستي، وهذه القصص ستعجبكم أيضاً.
قالت نورة بدهشة: سلمى! لم تكوني تحبين مشاركة ألعابك سابقاً، ضحكت سلمى وأجابت بخفة ظل: تغيرتُ قليلاً لا لا..ربما كثيراً، لقد اكتشفت أن الألعاب تُحب أن تتحرك وتلعب مثلنا، لا أن تُحبس في الصناديق.
وذات مساء، بينما كانت الأم ترتب الخزانة، دخلت سلمى وهي تحمل صندوقاً صغيراً بين يديها وقالت: أمي هل يمكننا التبرع بهذه الألعاب وهذه الفساتين؟ لم أعد أستخدمها، وأظن أن أطفالاً آخرين سيحبونها.
نظرت الأم إليها بامتنان وقالت: بالطبع يا صغيرتي، أنا فخورة بكِ، وأجمل لحظة كانت؛ حين نظمت المدرسة حملة لجمع الكتب القديمة لإهدائها لمكتبة الأحياء الفقيرة، واقترحت المعلمة أن يُشارك الطلاب بكتب كانوا قرأوها من قبل.
سلمى وجمال العطاء
وقف أحد الطلاب وقال متفاخراً: أنا لا أُعطي كتبي القديمة، وأفضل أن أحتفظ بها كلها، وهنا رفعت سلمى يدها، بثقة لم تعهدها معلمتها من قبل، وقالت: أنا أيضاً كنت أظن أن الاحتفاظ بكل شيء يمنحني السعادة، لكني اكتشفت أن العطاء أجمل، عندما أعطيت دميتي لطفل لم يكن لديه ألعاب، شعرت أن قلبي صار أكبر، ساد الصمت في الفصل، ثم بدأ الطلاب يتبادلون النظرات، وشيئاً فشيئاً بدأت الأيادي ترتفع بالموافقة
في طريق العودة إلى المنزل، سألت الأم سلمى: كيف شعرتِ اليوم؟ فأجابت بابتسامة دافئة: أشعر أنني قوية، لم أعد أخاف من فقدان الأشياء، بل صرت أحب أن أشاركها.
احتضنت الأم ابنتها بفخر، وكانت تعلم أن هذا التغيير لم يكن سهلاً ولم يأتِ بين يوم وليلة، لكنه كان ثمرة صبر ومواقف صغيرة تراكمت حتى أحدثت فرقاً كبيراً.
وهكذا، تعلمت سلمى أن تملّك الأشياء لا يمنحها الأمان، بل إن القدرة على المشاركة أو العطاء هي ما جعلتها تشعر بالرضا الحقيقي؛ إذ لم تعد تخاف من أن يأخذ الآخرون ممتلكاتها، لأنها أدركت أن الفرحة التي تأتي من إسعاد الآخرين أثمن وأبقى.
وفي ليلة من الليالي، قبل النوم، قالت سلمى لأمها: المشاركة مثل الابتسامة، لا معنى لها إذا احتفظت بها لنفسك!
ضحكت الأم وربتت على رأسها، وهكذا دخلت سلمى تلك الليلة سريرها وهي تحتضن لعبتها الجديدة، وكانت تعلم جيداً أنها يوماً ما ستكون مصدر سعادة لطفل آخر.
العبرة من القصة:

تعليم الأطفال التعاون وتقديم جزء مما تملك مسؤولية كبيرة، يبدأ منذ السنوات الأولى للطفل، لكنّها مسؤولية مُجزية أيضاً.
مساعدة الطفل على تعلم معنى العطاء والكرم، يُساهم في بناء مجتمع أفضل، هيا: أخبري طفلك أن مشاركة الآخرين فيما تملكين قيمةٌ يجب أن تُمارس يومياً، وليس فقط في المناسبات الخاصة.
من خلال المشاركة في الأعمال الخيرية، يتعلم الطفل قيم الرحمة والتعاطف تجاه الآخرين، وأفضل طريقة لتعليم طفلك العطاء هي أن تكوني قدوةً حسنةً له، هيا شاركي طفلك في الأعمال الخيرية.
تحدثي مع طفلك عن أهمية العطاء وكيف يُساهم في جعل العالم مكاناً أفضل، العطاء يُساهم في بناء علاقات إيجابية مع الآخرين، سواءً كانوا أفراداً من العائلة أو أصدقاء أو زملاء.
سؤال ينتظر إجابتك
1-هل تحب سلمي ألعابها وتحافظ عليها أم تحب امتلاكها أكثر؟
2- هل توافقين على سلوك سلمى مع صديقاتها في بداية القصة؟
3- كم محاولة قامت بها الأم لتقنع سلمي بجمال العطاء؟
4- ماذا تعلمت من قصة سلمى التي تحب عروستها جداً جداً؟