ابحث عنهم

شهرزاد

 


إذا اشتدت أمواج الحياة حولك، وتخبطت سفنك في بحورها، وأصبحت شواطئ الأمان حلمك المنتظر، ولمحت سقوط الكثير من عالمك، وتخلى عنك من ظننته طوق نجاتك، وخذلتك أجنحتك في منتصف الطريق إلى القمة، وأصبح صوتك يعود إليك كلما أرسلته بعيداً، وأصبحت المقاعد القريبة منك شاغرة حد البرد، وخسرت رهانك على إخلاصهم لك، وعلى بقاء الكثير منهم في محيطك، وأصبحت مساحات وحدتك مرعبة، وخيّل إليك أنها بالفعل قد خليت، حتى كدت تنزوي في الظل وحيداً، وتعلن عزلتك.


فلا تستسلم... ولا تعزل نفسك في الزوايا المعتمة، ولا تفقد إيمانك بوجودهم، وابحث عنهم بإصرار، وتمسك بهم كأنهم قطرة الماء الأخيرة على الأرض، أو كأنهم نقطة الضوء الأخيرة في ظلامك.


إنهم أولئك الذين يقفون في مكان ما من حياتك، يراقبون خارطة عمرك بصمت، ويؤمنون بحقك في حياة جميلة، وحقك بالتنفس بعيداً عن مواقف الاختناق، وحقك بالطيران إلى أماكن تعشقها روحك..


أولئك الذين يبحثون عن كلمة السرّ التي تُدخلك مدن السعادة، ويخترعون أسباب الفرح من أجلك، ويجاهدون كي لا تطرق رياح الحزن أبوابك، ويقفون كالسد المنيع بينك وبين كل ما قد يُسلل الهَمّ إليك..


أولئك الذي ينتشلون قلبك من أمواج الأيام، ويتعلمون السباحة في بحور الحياة؛ لحمايتك من الغرق، ويطيلون الوقوف أمام بابك؛ كي يتيقنوا بأنك بأفضل حالاتك..


أولئك الذين يرسمون لك خارطة الطريق للقمة، ويقفون خلفك كي تصلها بسلام، ويراهنون على تميزك وتقدمك ونجاحك، ويصفقون لك عند السقوط؛ كي تعاود الوقوف بثقة..


أولئك الذين يتأخرون عن قافلتك؛ كي يحموا من وحوش القوافل ظهرك، ويحفظون تفاصيل طريقك؛ كي يميطوا أذى الطريق عنك، ويزرعون طريقك بالأمان..


أولئك الذين لا يوقفهم الضجيج حولك، ولا ينصتون للثرثرة المحيطة بك، ولا تعيقهم حكايات السوء التي تسرد عنك..


الذين يصنعون لك النوافذ عند كل اختناق، ويخترعون لك الضوء عند كل عتمة، ويحملون لك ورودهم عند كل انكسار، ويمسحون على قلبك عند كل ذهول.. الذين يوثقون لحظاتهم معك؛ كي يقتاتوا عليها عند الغياب، ويتفننون في نسج الأعذار لك؛ كي لا يغادروا سفينة عمرك، وتصبح أنت أجمل أهدافهم على الأرض..

قبل النهاية بقليل:
بعض البشر (أطواق نجاة) وبعضهم (عصا طريق)؛ تصبح الحياة من دونهم صعبة جداً.