باحثون يوثقون الانفجار الإشعاعي للنجم النيوتروني للمرة الأولى

 التقط فريق من الباحثين من جامعة نيويورك أبوظبي وجامعة موناش في أستراليا، ولأول مرة على الإطلاق، العملية الكاملة لتصادم مواد في نجم نيوتروني من مسافة بعيدة، ما أدى إلى انفجار نتج عنه أشعة سينية بتوهج يفوق توهج شمسنا بآلاف المرات. وجرى ملاحظة هذا الحدث باستخدام عددٍ من الترددات المختلفة، بما في ذلك أجهزة القياس عالية الحساسية للأشعة الضوئية والسينية والأجهزة البصرية الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن الفيزياء الكامنة وراء تلك العملية حيرت الفيزيائيين على مدار عقود من الزمن، وهذا يعود جزئيًا إلى وجود عددٍ قليلٍ جدًا من الملاحظات الشاملة التي تتناول الظاهرة.

 

تسجيل الانفجار الإشعاعي للنجم النيوتروني

 

وتمكن الباحثون من ملاحقة أحد الأنظمة المتراكمة الخاصة بأحد النجوم النيوترونية أثناء دخوله في مرحلة الانفجار، حيث شهدوا الحدث منذ بدايته، أي من النشاط الأول الذي جرى ملاحظته بصرياً، وبداية انبعاث الأشعة السينية، وحتى نهاية الانفجار. وكشفت الملاحظات أن المادة تستغرق 12 يوماً أثناء توجهها نحو النجم النيوتروني واصطدامها به، وهي فترة أطول بكثير مما كان يعتقد سابقاً، حيث تشير معظم النظريات السابقة إلى أنه يجب أن يكون هناك تأخير لمدة يومين إلى ثلاثة أيام فقط.

 

وقد تم تقديم البحث إلى الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية، وجرى استعراضه خلال اجتماع الجمعية الفلكية الأمريكية. وقاد فريق البحث المرشحة لنيل درجة الدكتوراه أديل جودوين من كلية موناش للفيزياء وعلم الفلك الأسترالية، بالتعاون مع الأستاذ المشارك في جامعة موناش دنكان جالواي، بالإضافة إلى الأستاذ المساعد في الفيزياء في جامعة نيويورك أبوظبي ديفيد راسل، إلى جانب باحثين دوليين آخرين.

 

ومن جانبه قال ديفيد راسل الأستاذ المساعد في الفيزياء في جامعة نيويورك أبوظبي: "عملنا لعدة سنوات في محاولة لتسجيل مشاهدة كاملة لهذه الظاهرة منذ بدايتها، وقد تمكنا في الصيف الماضي من رصد هذا السطوع والتوهج المذهل في الوقت المناسب، مما أتاح الفرصة للمجتمع الفلكي لقياس الأشعة السينية وفوق البنفسجية وتدوين الملاحظات الراديوية في وقت مبكر، أي قبل بدء الانفجار الرئيسي".

 

وأضاف راسل: "أتاحت لنا مشاهدة هذه الظاهرة الفرصة لتسليط الضوء على البنية الفيزيائية التراكمية لأنظمة النجوم النيوترونية، بالإضافة إلى أنها أعطتنا نظرة أعمق حول هذه الموجات الكبيرة من الأشعة الكونية التي ولدها الانفجار، وهو الأمر الذي حير الفلكيين لفترة طويلة من الزمن".

 

وقالت أديل جودوين: "إن الملاحظات التي تم تدوينها نتيجة هذه الظاهرة ستمكننا من دراسة بنية الهيكل التراكمي، وتحديد مدى سرعة وسهولة انتقال المواد إلى داخل النجم النيوتروني"، النجم النيوتروني الذي تمت ملاحظته ومراقبته هو SAX J1808.4−3658، والذي يدور 400 دورة في الثانية.

 

وأضافت جودوين: "لقد تمكنا باستخدام مجموعة من التلسكوبات الحساسة للضوء وذات طاقات مختلفة، من تتبع النشاط الأولي لهذه الظاهرة، والذي بدأ بالقرب من النجم المرافق، في الحواف الخارجية للهيكل التراكمي، واستغرق الأمر 12 يومًا حتى يتم سحب تلك المواد المتراكمة وتصطدم بالنجم النيوتروني قبل حدوث الانفجار النجمي الكبير".

 

وبالإشارة إلى الأنظمة المتراكمة الخاصة بالنجوم النيوترونية، فإن النجم النابض يجذب المواد بعيدًا عن النجم القريب منه، مشكلاً لهيكلٍ تراكمي من المواد المتصاعدة والتي تنجذب نحو النجم النابض، وهذا يؤدي إلى توليد كميات هائلة من الطاقة تقدر بحوالي إجمالي إنتاج طاقة الشمس في 10 سنوات، وذلك خلال أسابيع قليلة فقط، وعند وصول هذه الطاقة إلى أعلى مستوى من الطيف المغناطيسي يؤدي ذلك إلى حدوث الانفجار، الذي يولد بدوره الأشعة السينية.

 

وإن بعض النجوم النيوترونية التراكمية ليست نشطة دائمًا، ويمكن أن تبقى سنوات في حالة من الهدوء والخمول، حيث بالكاد تصدر شعاعاً من الضوء، كما أنها تتراكم بمعدل منخفض جدًا، ويمكن أن يتحول النجم فجأة إلى فجوة ويصبح ساطعًا للغاية بسبب الأشعة السينية، وقد تستمر هذه الظاهرة لمدة شهر تقريبًا. عادة ما يكون الهيكل التراكمي للنجم النيوتروني مكون من الهيدروجين، ولكن هذا النجم الذي تم رصده وتتبعه يحتوي على هيكل مكون من 50٪ من الهيليوم، وهي نسبة كبيرة مقارنة بمعظم الهياكل التراكمية، ويعتقد العلماء أن الهيليوم الزائد قد يبطئ من تسخين الهيكل، لأنه يحترق في درجة حرارة أعلى،  من ما يؤدي إلى "زيادة الطاقة" وهذا يستغرق 12 يومًا.

 

والجدير بالذكر أن تسجيل هذه الظاهرة جاء ثمرة تعاون دولي، شارك فيه خمس مجموعات من الباحثين، باستخدام سبعة تلسكوبات (خمسة على الأرض واثنان في الفضاء)، إلى جانب مشاركة 15 من الجهات المتعاونة، وتضمنت التلسكوبات التي شاركت في توثيق هذه الظاهرة، مرصد نيلز جيريلز سويفت للأشعة السينية، ومستكشف التركيبات النجمية لنيوترون ستار (NICER) في محطة الفضاء الدولية (ISS)، وشبكة مرصد لاس كومبريس (LCO) الأرضية، وتلسكوب جنوب إفريقيا الكبير( SALT).