أمومة مسروقة

شهرزاد


لماذا تتمسك بنا بعض الأحلام، وتلتصق بنا بقوة رافضة أن تغادرنا حتى حين نتنازل نحن عنها ونتأقلم مع واقع فقدانها؟
فها هي على أبواب عقدها السادس ولازالت تمسك بطرف أحلامها القديمة بشدة، وتحاول قدر استطاعتها حماية أمنياتها من رياح الأيام، رغم يقينها أن سفن أمنياتها قد أبحرت منذ زمن، وأن شواطئ العمر قد تخلصت من ضجيج الأحلام وأصبحت هادئة جداً..
فهي لم تقلع يوماً عن تلك العادة التي صاحبتها سنوات طويلة، ومازالت في كل ليلة تضع يدها على بطنها بهدوء، تتحسس ذلك الحلم القديم، وتحاول قدر استطاعتها استعادة ذلك الفرح الذي مر بها في ذلك اليوم البعيد الذي شعرت فيه بنبض مفاجئ في داخلها، ليعقبه بشارة الحمل التي أدخلتها في ذلك الحلم الذي لم تكد تدخله حتى ُطلب منها أن تغادره، وكأن ذلك القلب كان أضعف من احتمال فرحة كبرى كفرحة الحمل التي طال انتظارها لها، فوهن كثيراً، ليضعها في دائرة ذلك الخيار البشع، بين الطفل والحياة،
فانتقت الطفل بإصرار، تمسكت به كآخر أطواق النجاة في لحظات غرقها، وقررت أن تمنحه النور حتى لو منحها هو العتمة، لكنه لم يتمسك بها، أفلت يدها وغادر بعد أشهر من تلك البشارة البيضاء، وأخذ معه تلك الفرحة الكبرى، وتلك الأحاديث التي كانت تتحدث بها إليه كل ليلة، وهي تضع يدها على بطنها وتسمع صوت دقات قلبه، التي كلما ازدادت قوة ازداد قلبها وهناً، حتى تسرب وتحول إلى حلم مسروق، كالكثير من أحلامنا التي تُسرق منا لأسباب متعددة، لكنها تبقى في داخلنا، تكبر كجنين لا يجب أن يغادر ظلمته الداخلية، لكنها لم تستيقظ من حلمها القديم، ولم تتوقف يوماً عن وضع يدها على بطنها، والتحدث معه كما كانت تفعل ذات أمل، لكن نبرة صوتها كانت مختلفة كثيراً، كانت وهنة مليئة بتلك الحشرجة التي يزرعها الوقت في أصواتنا، فتتغير الأصوات كما تتغير الوجوه، وتبقى أمنياتنا معلقة على أغصاننا بعد جفافها كأنها ثمار العمر الجميل..
فبعض الأمنيات لا نتخلى عنها، حتى حين تصبح غير مناسبة لمرحلتنا العمرية، فنحن قد نكبر على كل الأشياء إلا أحلامنا الأولى، تلك الأحلام التى منحتنا فرصة تجربة أفراح مختلفة ومشاعر مختلفة.
قبل النهاية بقليل:
الأمنيات التي لا نتنازل عنها في وقتها المناسب، قد تتحول مع الوقت إلى كتلة سامة، تتدحرج بين القلب، والعقل!