هويّةُ الْمَرْأَة..!

أحمد العرفج


يَقول مَحمود دَرويش:
آهٍ يَا جَرْحِي الْمُكَابِرْ
وَطَنِي لَيْسَ حَقِيبَةْ
وَأَنَا لَسْتُ مُسَافِرْ
إنَّنَي عَاشِق، والأَرْض حَبِيبَةْ
تَبدو الحَقيبة «اليَدويّة» من مُحدثات الأُمور -وخير الأُمور مُحدثاتها- وتَظهر علاقة المرأة بحقيبتها كالمُبتدأ والخَبر بتَلازمهما وتَعاضدهما، حين تُصبحان في لِقاء دَائم وعناق مُستمر، مُنذ أن وَعت المرأة أُنوثتها، ووعت الحَقيبة جيوبها!!


الحقيبة وَعاء جِلدي، لذا تَختارها «نُون النّسوة» لتضع أغراضها البسيطة والقليلة، التي تُشكِّل هويتها الخَاصَّة و«الخَاصَّة جداً»!!
أين تضع نَظارتها الشّمسيّة، وتلك الضّروريّة لقراءة الأسعار؟!.. بماذا تُخبِّئ أحمر الشفاه وظِلال العينين -كي يَعرف الجميع أنَّها تَستعمل آخر مُستحضرات تَجميل نَزلت إلى الأسواق- وطَلاء الأظافر التي لربّما انكسرت -لا سمح الله- والعطر الرّذاذ الذي تَكفي منه رَشّة خَفيفة فقط كي تَترك أثراً لها أينما مرّت، ومُزيل الرَّائِحة.. كَما تَضمّ الحَقيبة سلاحاً أبيض، إمَّا سكِّيناً صَغيراً أو غَازاً مُخدِّراً يُستخدم عندما يُقلّل الشباب من أدبهم، ودفتر الشّيكات «حتى لو كان الحساب فَارغاً من أي شيء» ومحفظة النّقود، وبطاقات الاعتماد الكثيرة لتغطية النفقات بعد سنة بفوائد باهظة؛ تُسهّل الكثير من عمليات «الشوبينغ» من دون رادع ورقيب، وعلبة السجائر والولاّعة، لأن مُوضة العَصر تَقضي بحملها، حتى لو كان التّدخين يُسبّب لها الصُّداع والغَثيان، أمَّا الهَاتف الجَوَّال، فيَستقر في رَاحة اليد، ولا يَحتاج أبداً إلى الحقيبة، وإلَّا لن يَبرز تصميمه الجَديد الذي كلّف ثَمنه رَاتب الزّوج بأكمله!!


وأكثر القراءة النَّفسيّة لحقيبة المرأة تُشير إلى رغبة الهروب من الوَاقع الحَاضر، (والتوجّه نحو الجَديد بَعيداً عن الرّتابة، حتى لو لم يَكن هذا الجديد يَستحق الصِّفة الموكولة إليه.. هل رَأيتم مَرَّة سيّدة تَحمل حقيبة دَاخل المنزل)؟!!
إنَّها لا تَتأبّطها إلَّا عند الخروج من الدَّار، وكأنَّ شَرط الخروج يَتمثَّل في تَعليق الحقيبة على الكتف أو المعصم!! أمَّا شَكل الحَقيبة ولَونها، فلا تَظنّ أنَّه بهذه السّهولة، إذ يَقول عُلماء عِلم الذُّوق في الحَقائِب: إنَّ هُناك قَواعد عَامَّة تُعتبر من ثَوابت حَمل الحَقيبة -طَالما أنَّنا في عَصر الثّوابت- لِذَا يَجب (أن تُلائم الحَقيبة نُوع المَلابس «رسميّة، رياضيّة، عاديّة»، وأن تَتماشى مع اللون العَام للثّياب، فلا تَحمل حَقيبة سوداء مع ثياب كُحليّة اللون، كمَا يَجب أن تَكون بالحجم المَطلوب لتَّتسع لكُل الأغراض التي من المُمكن الحاجة إليها -بنظر السيدة طبعاً- وأن تَندرج ضمن آخر صيحات المُوضة الحديثة!!


وقد أخذ عُلماء السيكولوجيا في علم الاجتماع بدراسة طريقة حمل الحقيبة، حين تَكون موزّعة بين التَّدلِّي على الخصر وبين مُعلَّقة على الظَهر ودلالات ذلك النفسيّة، وتوصّلوا إلى أنَّ الحقيبة إذا كَانت مَحشورة تحت إبطها تَعني أنَّها اقتصاديّة في تَصرّفاتها، وتُسيّطر على كُل المَواقف، ومتى كانت تَتدلَّى بين أصابعها بخفة وتتأرجح بعيداً منها، فهي تُرسل إشارة بأنَّها مُستعدة لخوض المُغامرات، أمَّا إذا كَانت الحقيبة كَبيرة وعملاقة ومُعلَّقة على الظّهر -كما تَقتضي الموضة الرَّاهنة- فهذا يَعني أنَّ صَاحبتها مُستعدّة لكُل الاحتمالات). صحيفة الحياة العدد 14761.


وفي النهاية أقول:
إنَّ الحقيبة أَضْحَت هويّة المرأة ورقم إثباتها ووطنها الصّغير؛ الذي يَضم ما يَشرح الصَّدر ويُنعش الأنف، ويَسر النَّظر ويُجذب من في قَلبه مَرض.. إنَّ الحقيبة مَدينة ووَطن رَغم أنف مَحمود درويش!!