احذروا الابتسامة..!

أحمد العرفج

لا مَحالة مِن ضَخ الابتسامة؛ في عروق ومَفاصل المُجتمع؛ لأنَّ العبوس قَد خيّم عَلى الوجوه والمَلامح، الأمر الذي جَعل بَعض البلديّات والأمانَات تَضع على مَداخل المُدن عبارة: «ابتسم فأنتَ في مَدينة....... »..!

حَسناً.. لماذا يَظهر أحدنا وكأنَّه –للتَّو- قد ارتشف «ليموناً حَامضاً»؛ يَجعله -مِن قوّة الطَّعم- يَزمُّ مَلامحه، ويقبض تَجاعيده، حتَّى يَبدو وَجهه وكأنَّ الزَّمن رَجُلاً عَبَر عَلى وجهه، فتَرك في بَشرته خطوطاً ودَوائر.. لماذا لا نَفرح.. ألا يَكفي هذا الحَرّ الذي تتضجرون منه، ويَبعث عَلى الأترَاح..؟!

في السَّابق كَان التَّاجر يَصنع النُّكتة، والجزَّار يُسهم في زَرع الابتسامة، والفلَّاح يَضخُّ الفَرح، والصَّانع يُشارك في السَّعادة.. نَاهيك عن الفَقيه والمُعلِّم والوَزير.. لذلك سَأحاول اليوم أن أخرج مِن مَناطق الكآبة والهَم، وأنشر شيئاً ممَّا تَيسَّر مِن مَوجات خِفّة الدَّم، التي تُساهم في صنعها شَرائح المُجتمع المُلوّنة..!

يُقال: إنَّ بَخيلاً قَال لصَديقه: «الحمد لله، لقد أنقذتُ اليَوم رَجُلاً مِن المَوت، فقَال صَديقه: وكيف كَان ذَلك..؟! فقَال البَخيل: لقد رَأى الرَّجُل المُتسوّل مَعي درهماً، فقَال: لو أعطيتني هَذا الدّرهم، فسَأموت مِن الفَرَح، لذا أعدتُ الدّرهم إلى جيبي، فحَفظته مِن المَوت..!

ويُقال: إنَّ أحدهم أرَاد أن يَشتري نَعلاً، فقَال لبَائع الأحذية: مَا أصعب لبس الحِذَاء الجَديد في اليومين الأوّلين، فرَدّ عليه البَائع قائلاً: حقًّا يا صَديقي، لذا أنصحك أن تَشرع في لبسه ابتداءً مِن اليوم الثَّالث..!

ويُقال: إنَّ أحد المُؤلِّفين قَال لصَديقه: لقد ألَّفتُ كِتَاباً بعنوان: «كيف تُصبح مليونيراً»، ولم أطبعه.. فسَأله صَديقه: ولماذا لم تَطبعه..؟! فقال المُؤلِّف: لأنِّي لا أملك تَكلفة طِبَاعته..!

ويُقال: إنَّ أحد الزُّعماء زَار مُستشفى المَجانين، فاصطف لاستقباله نُزلاء المُستشفى، وهُم يَرفعون الأيدي للتحيّة.. ما عدا رَجُلاً لم يُؤدِ التحيّة، ولاحظ الزَّعيم ذَلك، فسَأل المدير: لماذا لم يؤدِ هَذا الرَّجُل التحيّة..؟! فأجابه المدير: إنَّ هذا الرجل ليس مَجنوناً..!

ومِن طَرائف أهل الإعلان، أنَّ أحدهم نَشر إعلاناً يَقول فيه: «مَطلوب سكرتيرة»، مواصفاتها كالتَّالي: «أن تَبدو كفَتاة، وتُفكِّر كرَجُل، وتَتصرَّف كسيّدة مُحترمة، وتَعمل كالحِمار»..!

وفي الطّب، يَرى الدكتور «أندريه سوبيران»؛ أنَّ القَاعدتين الذَّهبيّتين في مهنة الطّب، هُما: «كتابة الرّوشتات بخطٍ غير مَقروء، وكِتَابة فَواتير أُجرة العلاج بخطٍ وَاضح مَقروء»..!

وفي عَالَم السّياسَة، يُقال: إنَّ شَابًّا أُعْتَقل بتُهمة كِتَابة هذه الجُملة -على أحد الجُدران العامَّة-: «الرَّئيس أحمق»، وقد حُكم عليه بالسّجن لمدّة شَهرين؛ لأنَّه ارتكب مُخالفتين، الأولى: التَّشهير بمَسؤول كبير في الدَّولة، والثانية: إفشاء أسرَار الدَّولة..!

ومِن عَالَم المَقَاهي، يُقال: إنَّ عَامل مَقهى تَرك عَمله، وانتقل إلى العَمل في إحدى المَحاكم، وعند انعقاد الجَلسة الأُولى، طَلب القَاضي أحد الشّهود، واسمه: «مرعي ناصر مرعي»، فانطلق «عَامل المَقهى» يَصرخ -بلهجته التي اعتادها في المَقهى- قَائلاً: اثنين مرعي وواحد ناصر لعيون القَاضي..!

في النهاية أقول:

إنَّ تَبسّمك في وَجه أخيك صَدقة، لذا بالتَّأكيد أنَّ «خِفّة دَمِّي» -وعَقلي أيضاً-، قَد زَرعت عَلى وجوهكم الابتسامة، لذا سَأكون مِن أكثر النَّاس سَعادة، حين أجمع آلاف الصَّدقات والحَسنات..!
ومن الآن، سأكتب إقراراً على نَفسي، بأن لا أحد يَراني إلَّا ضَاحكاً، ولا أكتب إلَّا مُبتسماً، طَالما أنَّ كُلّ مَا حَولي يَدعو إلى التَّعاسة والكَآبة.. حتَّى السَّماء صَارت كئيبة، كما صَرَّح بذلك مَصدر شعري حين قَال:
قَال: السَّماءُ كئيبة وتَجهّما
قلتُ ابتسمْ يَكفي التَّجهُّم في السَّمَا!

يا قَوم.. ابتسموا.. ويَكفينا تَجهُّم الفَضاء.. أمَّا عن العنوان: «احذروا الابتسامة».. فقد جَاء هكذا؛ لأنَّ العَربي مُنذ آدم –عليه السلام- عَنيد، إذا قُلتُ له: لا تَأكل «أكل»، وإذا قلتُ له: اشرب «لا يَشرب»، وإذا قلتُ له: «مَمنوع الابتسام»، سيَخرّ مغشيّاً عليه مِن الضّحك.. والدَّليل: اذهب إلى أي مَطار في العالم، ستَجد لوحات «مَمنوع التَّدخين» تُحاصر عيونك في كُلِّ زَاوية، ومَع ذَلك تَحت كُلّ لوحة رَجُل يُدخِّن.. والله الهادي إلى سواء السبيل..!.

أحمد عبدالرحمن العرفج
[email protected]