من الخُرنفش مصر إلى أم الجود مكة.. طريق المحمَل المصري لكسوة الكعبة منذ الخليفة عمر بن الخطاب

تركيب كسوة الكعبة حديثا - من فيس بوك Yaffa48.com يافا 48
تركيب كسوة الكعبة حديثا - من فيس بوك Yaffa48.com يافا 48
تركيب كسوة الكعبة حديثا - من فيس بوك Yaffa48.com يافا 48
تركيب كسوة الكعبة حديثا - من فيس بوك Yaffa48.com يافا 48
تركيب كسوة الكعبة حديثا - من فيس بوك Yaffa48.com يافا 48
تركيب كسوة الكعبة حديثا - من فيس بوك Yaffa48.com يافا 48
2 صور

مصر والمملكة السعودية تاريخ ثقافي وحضاري واجتماعي مشترك لا تنفصم عراه، ضارب بجذوره في عمق الزمان، راسخ البنيان، متشعب الصلات، متعمق الأصول، متوافق الكيانات، فضاءاته القيمية والثقافية لا نهائية، من أبرز حكاياته حكايات طريق المحمل المصري لكسوة الكعبة الشريفة.

    وعن معنى المحمل النبوي الشريف

أقدم محمل شريف - الصورة من مكتبة الإسكندرية
أقدم محمل شريف - الصورة من مكتبة الإسكندرية

حسب وثيقة مكتبة الإسكندرية، هو هودج مغطّى بالقماش الفاخر المزخرف بالآيات القرآنية، كان يُحمل على جمل خاص ضمن موكب مع قافلة الحج. ويحوي هذا المحمل أستار الكعبة المشرفة (الكسوة)، وهدايا ذات قيمة عالية للحرمين الشريفين، وصرة سلطانية كبيرة (كمية من الأموال) تحتوي على قطع ذهبية كثيرة ومجوهرات كريمة، توزّع على أهل الحجاز، وتصرف على إصلاح طرق الحج وموارد الماء وإعمار مكة المكرمة والمدينة المنورة ومرافق الحرم النبوي الشريف. وسمي المحمل النبوي الشريف؛ لأنه في الأساس هدية الخلفاء إلى مدينة النبي، صلى الله عليه وسلم، في المدينة المنورة، وإلى أتباعه المسلمين في الحجاز، خاصة في الحرمين الشريفين، ويستفيد منه الحجاج والمعتمرون.

 

يحكي أ. عبد النعيم قمر، الباحث المخضرم في التراث الإسلامي، والموظف السابق بهيئة الآثار المصرية لـ"سيدتي" قصة المحمل..

    مصر تحتفظ بشرف كسوة الكعبة..

موكب المحمل فى الطريق إلى مكة - من موقع mideasti.blogspot
موكب المحمل فى الطريق إلى مكة - من موقع mideasti.blogspot

يقول : أول من كسا الكعبة كسوة كاملة هو تُبّع أبي كرب، في عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث كتب إلى عامله في مصر لكي تحاك الكسوة بالقماش المصري "القباطي"، الذي كان يصنع في مدينة الفيوم، ثم استقرت صناعة الكسوة بمصر، حيث امتاز فن النسيج والتطريز الإسلامي المصري بدقة صنعته ومهارة حرفييه.

ظل هذا الحال من عهد  العباسيين إلى الفاطميين والأيوبيين ثم المماليك، ولم تسمح مصر أبداً لشرف غطاء الكعبة بالخروج منها.. ويروي أ. عبد النعيم قصة محاربة الظاهر بيبرس ملكَ اليمن "المجاهد"، والذي أراد عام 751 هجرية أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليستبدلها بغطاء يمني، فلما علم بذلك بيبرس استشاط غضباً، وأمر بإلقاء القبض عليه وإرساله إلى القاهرة مكبلاً بالأغلال.

    وقف مصري خالص للإنفاق على كسوة الكعبة

موكب المحمل- من وثائق akhbarelyom
موكب المحمل- من وثائق akhbarelyom

فى عهد السلطان محمد بن قلاون، تم تخصيص وقف مصري للإنفاق على كسوة الكعبة، وواصلت الدولة العثمانية اهتمامها بصناعة الكسوة الشريفة من أفخم الأقمشة المطرزة بخيوط ذهبية وفضية، حيث قامت بتصنيع كسوة الكعبة، وكسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل.

في العام 1818م، تم بناء دار الكسوة الشريف في حي الخُرنفش (مفترق حي باب الشعرية وحي الجمالية)، وقد كان وقتها ساحة عامرة يومياً بالأمراء والوزراء، ولا تزال هذه الدار قائمة حتى الآن، وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها.

    ترتيبات مدهشة تسبق موكب المحمل  

عقب شهور من الحياكة والتصميم والتطريز، توضع كسوة الكعبة في صندوق ذي قبة مثلثة الشكل مطرزة بالأسلاك الذهبية أو الفضية، أو الفضية المطلية بالذهب، مزخرف بالزينة الحريرية الملونة، ومزيّن باسم الخليفة أو السلطان على جانبه، وآية من القرآن على وجه الغطاء؛ وذلك ليحافظ على حمولة المحمل الثمينة، ثم يوضع المحمل على هودج جمل.

    حلاق خاص لتهذيب شعر جمال المحمل

رحلة المحمل - من موقع mideasti
رحلة المحمل - من موقع mideasti

كانت الحكومة المصرية تعين حلاقاً خاصاً لتهذيب شعر جمال المحمل الشريف وكسوة الكعبة المشرفة، يقوم بتهذيب شعرها 7 مرات على الأقل في العام، وتخضيب جسد تلك الجمال بالحناء والعطر؛ لإظهارها بالمظهر اللائق في مهمتها الكريمة للأراضي المقدسة؛ استعداداً لحمل الكسوة الشريفة والاحتفالات قبل التوجه للأراضي الحجازية.

    طقوس احتفالية رسمية لموكب المحمل  

رحلة المحمل بكبار الأعيان والبكاوات فى مصر - من موقع archives.saltresearch
رحلة المحمل بكبار الأعيان والبكاوات فى مصر - من موقع archives.saltresearch

يقول أ. عبد النعيم: يقام حفل رسمي كبير في حي الخُرنفش، مروراً بأحياء القاهرة؛ احتفالاً بالمحمل، حيث يبدأ الاحتفال بإطلاق 21 طلقة مدفعية وعزف نشيد الخديوي من القلعة، ثم تدق الدفوف وتعزف الموسيقى على طول الطريق الذي يسلكه الموكب الذي يخرج من بيت الكسوة بالخُرنفش، وصولاً للقلعة، حيث يسير الصوفيون خلف المحمل مباشرة، يقرعون الطبول. كانت المناسبة حدثاً سنوياً كبيراً، يحضره علماء مشهورون وأفراد من العائلة المالكة وكبار الشخصيات.

يعود الموكب للسير في شوارع القاهرة الفاطمية، بداية من شارع المعز. ثم يخرج أمير الحج في الموكب متوجهاً إلى السويس، حيث تبدأ الرحلة المقدسة بالسفن في البحر لتصل لأرض الحجاز، وصولاً لمكة، حيث الكعبة المشرفة.

ظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية لأكثر من 1000 عام، وقد استمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962، إذ تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعة الكسوة، حيث تم تشييد مصنع أم القرى لصناعة الكسوة المشرفة، وفي عام 1977 أنشئ مصنع في أم الجود، لا يزال مستمراً إلى الآن، في تصنيع الكسوة الشريفة، لتظل كسوة الكعبة المشرفة تاريخاً ثقافياً مشتركاً؛ يحمل قيم المودة والمحبة والإخاء بين مصر والمملكة.

 

تابعوا المزيد: أحد أعمدة الكعبة المشرفة يزيد عمره على 1370 عامًا