مما لا شك فيه أن الأسرة هي نواة المجتمع، لذا فهو يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها لذا عني القرآن الكريم بها وشرع ما يكفل استقرارها، حيث نجده عني بالعلاقة الزوجية عناية فائقة، لأن الزوجين هما دعامة كل أسرة والأصل الذى تتفرع منه الفروع، فإذا قام كل واحد منهما بحق الآخر تحققت النعمة المرجوة من الزواج.
والنشوز مرض خطير يصيب الأسرة المسلمة ويهددها بالانهيار، وقد انتشرت هذه الظاهرة نظراً لجهل الكثير من الأزواج والزوجات بحقوق كل منهما على الآخر، وبعدهم عن المنهج القويم فى المعاملة والإصلاح فى حالة وقوع خلاف أو غيره، يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر :إن الشرع الحنيف وضع حلولاً لكافة المشاكل الأسرية التي يتعرض لها الزوجان في حياتهما.وأن الإسلام أرشدنا إلى كيفية التعامل مع الزوجة الناشز والتي لا تطيع زوجها، بأن يبدأ الزوج أولاً بالوعظ والإرشاد والتوجيه والنصيحة والدعوة بأسلوب طيب وحكمة.
واستشهد بقوله تعالى "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"، وكذلك قوله تعالى: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ".
وأكد أن كل هذه الحلول والتعاملات، هدفها الأول والأخير هو التأديب والعلاج وليس الانتقام، بدليل أن حتى الضرب لا يكون مبرحاً ولا يؤذي الجسد.
وأوضح أن النبي لم يضرب إحدى زوجاته قط في حياته، فإن المعاملة بين الزوج والزوجة تكون من باب الفضل لا من باب العدل، فالحياة الزوجية تقوم على المودة والرحمة وليس على الحقوق والواجبات.
صفات الزوجة الناشز:
-لا تُمكِّن الزوجة الناشز زوجها من نفسها، بالرغم من أنَّ ذلك حقٌ شرعي للزوج بموجب عقد الزواج الذي بينهما، ومن الجدير بالذكر، أنَّ الفقهاء كانت لهم عدة آراء في نشوز الزوجة هنا: -تسافر المرأة الناشز لوحدها من دون إذن زوجها، والدليل على عدم جواز ذلك، حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؛ إذ إنَّه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر، تُسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ إلا مع ذي محرمٍ عليها). ومن الجدير بالذكر هنا، أنَّه توجد حالتان من سفر المرأة من دون إذن زوجها: -تمتنع المرأة الناشز من السفر مع زوجها. وهنا يمكن أن نميِّز حالتين: -تخرج الزوجة الناشز من البيت من دون إذن زوجها؛ حيث إنّه لا يجوز ذلك حتى وإن كان خروجها لزيارة مريض، أو إلى منزل أهلها أو أهله، أو إلى العمل. ولكن هنا يمكن أن نميز حالتين:
-تمتنع المرأة الناشز من الانتقال مع زوجها إلى مسكنٍ جديد. ويمكن أن نميِّز حالتين:
o في حال امتنعت عن الانتقال مع زوجها إلى منزلٍ شرعي من دون وجود أي عذر، تُعدُّ ناشزةً وتسقط نفقتها عنه.o في حال امتنعت عن الانتقال مع زوجها إلى منزلٍ غير شرعي، فلا تُعدُّ بذلك ناشزةً ولا تسقط نفقتها.
كيفية التعامل مع الزوجة الناشز:
- الوعظ:
يجب على الزوج وعظ زوجته بالكلام الحسن، وتذكيرها بما جاء في القرآن الكريم من آياتٍ تبيِّن الرحمة والألفة والمودة بين الزوجين، وحُسن عشرة الزوج والإحسان إليه، وتذكيرها بالعقاب الذي ستناله في الآخرة بسبب نشوزها، وامتناعها عن طاعة زوجها، فضلاً عن ذِكر الأحاديث النبوية الشريفة التي تبيَّن ذلك. ومن هذه الأحاديث نذكر لكم الآتي:1. عن زيد بن أرقم، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق زوجها، حتى لو سألها نفسها على قَتَبٍ لأعطته).
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها، استمتعت بها وفيها عوجٌ).
ومن الجدير بالذكر هنا، أنَّه في حال ارتدعت الزوجة بالوعظ والكلام الطيب الحسن، لا يحق للزوج اتباع الطرائق الأخرى التي تأتي بعد الوعظ.
-الهجر في المضجع:
في حال لم ترتدع الزوجة بعد الوعظ، عندها يمكن للزوج أن يهجرها في المضجع، واختلف الفقهاء في مدة الهجر على عدة أقوال، وهي كالآتي:1. المالكية: إنَّ مدة الهجر في المضجع من شهر إلى أربعة أشهر.
2. الحنابلة: إنَّ هجر الزوج زوجته الناشز في الكلام يجب ألَّا يتجاوز 3 أيام، بينما مدة هجره لها في المضجع تكون ما شاء ذلك.
3. الحنفية: إنَّ الرجل يحق له أن يهجر زوجته في المضجع حتى ترجع إلى طاعته، ولم يحددوا مدةً معيَّنة.
4. الشافعية: إنَّ الرجل لا يحق له أن يهجر زوجته في الكلام أكثر من 3 أيام، والدليل على ذلك الحديث الشريف؛ إذ إنَّه عن عبد الله بن عمر، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيامٍ).
-الضرب غير المُبرح:
ماهية ضرب الزوجة الناشز، يجب أن يعلم الزوج أن الضرب هو آخر الحلول للزوجة الناشز وذلك إذا لم تستجب الزوجة في حال الوعظ والهجر، ولا يتَّخذ هذا الحلَّ أسلوباً في حياته، - فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "ما رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضرَب خادماً قطُّ ولا ضرَب امرأةً له قطُّ ولا ضرَب بيدِه شيئاً قطُّ إلَّا أنْ يُجاهِدَ في سبيلِ اللهِ ولا نِيلَ منه شيءٌ قطُّ فينتقِمَه مِن صاحبِه إلَّا أنْ يكونَ للهِ فإنْ كان للهِ انتقَم له، ولا عرَض له أمرانِ إلَّا أخَذ بالَّذي هو أيسرُ حتَّى يكونَ إثماً فإذا كان إثماً كان أبعدَ النَّاسِ منه".كما كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يعيب على أبي جهم لضربه نسائه.
وتجدر الإشارة إلى أنَّه لا يحق للزوج أن يضرب زوجته وهو المقصِّر، فمن قصَّر في حقِّ زوجته من عشرة أو نفقة أو معاملة كالإساءة إليها وشتمها فلا لومَ عليها في خروجها وعدم تحمُّلها وصبرها عليه، وفي هذه الحالة لا يجوز له الضرب وهو ظلمٌ في حق الزوجة. إن المراد والقصد من ضرب الزوجة الناشز هو تأديبها وزجرها لتعود إلى طاعة زوجها وليس تشويه الزوجة أو إتلاف شيء فيها.