في اليوم العالمي للتراث .. متحف الجوهرة بالدرعية شاهد على تاريخ السعودية


تعيش السعودية منذ سنوات مرحلة ذهبية تتسم بالتطور التكنولوجي والتفوق الاقتصادي والانفتاح الثقافي والاجتماعي غير المسبوق، لكن في ظل كل ذلك لا زال التراث الشعبي والتاريخي يحظى باهتمام واسع ضمن المجتمع السعودي.

 

باب مزين بنقوش أثرية مميزة


يظهر ذلك من خلال تجسيده ضمن مختلف القطاعات الإبداعية والثقافية أو من خلال تمكين أصحاب الحرف والمهن اليدوية المرتبطة بالتراث وخلق الفرص أمامهم لاستعراض منتجاتهم وأعمالهم المتميزة، أو من خلال المبادرات الشخصيات في جمع واقتناء التحف والمصنوعات التاريخية والأدوات التي رافقت تطور الدولة والمراحل الحياتية التي مرت عليها.

اليوم، وبمناسبة اليوم العالمي للتراث، أحببنا أن نلقي الضوء على هذه المبادرات التي تفتح أمامنا أبواب التاريخ وقصص تعاقب الملوك وتوحيد المملكة والأزمات التي مرت عليها قبل وبعد التوحيد، فكانت لنا زيارة إلى متحف "مزرعة الجوهرة" في الدرعية.

 

توثيق للتاريخ

من مقتنيات المتحف الخاصة بأهل البادية


ما إن تفتح أبواب المتحف حتى تعبق رائحة التاريخ من بين جدرانه وأرففه الطينية ومقتنياته العتيقة التي حافظ عليها صاحب المزرعة سعود محمد الناصر، بأبهى حلة وحرص على أن لا تتلف مع الوقت وأن تعرض بطريقة واضحة تمكنه من رواية قصة كل قطعة على حدة لزوار المتحف من المهتمين بالتراث والقصص التاريخية القديمة وأنماط العيش في الأزمنة السابقة في تاريخ المملكة.

المتحف وفق قول مالكه سعود محمد الناصر يجمع تاريخ الجزيرة العربية من حاضرة ومن بادية، وقيمة مقتنياته ليست مادية وإنما قيمة معنوية تاريخية لا تثمن.

 

 

مجسم للدرعية القديمة بعد الهدم


وألقى الناصر الضوء على بعض القطع المعروضة فقال: "هناك بعض القطع التي لن تجدها في أي مكان آخر، وهناك قطع مرتبطة بمراحل دقيقة في تاريخنا، فهذا مثلًا سلاح فرنسي مصنوع عام 1866 وهذا سلاح قديم عمره 150 سنة، وهذا سيف يعد من النوادر فهو صنع بطريقة بحيث لا يميل ولا يقع من يد المحارب ويساعده في القتال ويصيب الهدف، وهناك أيضًا مقتنيات من البادية كالشداد التي توضع على ظهر الجمال، والخرج الذي توضع فيه المونة ووسائل إخراج الماء من البادية، وهذا فانوس عثماني قديم جداً مصنوع من الحجر، وهنا بعض القذائف التي قام العثمانيون بهدم الدرعية بها وبعض الشظايا وبعض المدافع التي استخدمت في هدم الدرعية، وتجدون أيضًا مجسمين يجسدان صورة الدرعية قبل الحرب وبعدها."

 

 

 

 

مقتنيات حجرية


وأضاف: "توجد في المتحف أشياء حجرية تروي المرحلة التي كانت فيها الجزيرة العربية مروجًا وأنهاراً وبحاراً، وكيف حدث التحول البيئي فيها، وكيف تفاعلت الكائنات الحية وتكيفت مع البيئة، كهذا الحجر الذي على شكل الحلزون، وهذا شكل القلب، وهذا جزء من ساق جمل، وكائنات حية أخرى تحجرت."

ومن المراحل التي أراد الناس توثيقها في متحفه مرحلة أيام الجوع في الجزيرة العربية فقال: "هذه الجنبية أو الخدامة، تروي أيام الجوع في الجزيرة العربية فهذا الرباط وفي مقدمته الحجر يربطون به المعدة حتى لا تتم عملية الهضم بشكل سريع حتى لا تحتاج المعدة إلى الطعام، والحمد لله نحن اليوم ننعم بالخير والنعمة في عهد خادم الحرمين وولي عهده"

وتحدث صاحب متحف مزرعة الجوهرة عن القيم التي كانت منتشرة آنذاك رغم كل الأزمات، ومنها تشارك الأفراح والأحزان والموائد والترابط الاجتماعي وإكرام الضيف، حيث حرص على جمع قطع وأدوات وأوان تشير إلى ذلك معددًا: "هذا فستان العروس للبدو، وهذا مقياس صاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لجدي رحمه الله وانا أفتخر باقتنائي له كثيرًا، وهذه آنيتان يوغسلافيتان عمرهما أكثر من 75 سنة، وهذه مجموعة من أدوات ومواد الحرف اليدوية، وهذه دلات القهوة القديمة التي تدل على الكرم، فرغم القلة التي كانت عند الناس فإكرام الضيف كان أمرًا مهما جدًا لأهل الجزيرة العربية، وهذه أوعية لقياس البنزين، وهذه حصالات كان الناس يضعون فيها أموالهم وأوراقهم وصكوكهم، لأنه لم يكن هناك بنوك في وقتها، وهذه دلة شامية قديمة، وهذه لصيد اللؤلؤ، وهذا حبل من جلد الجمل، وكان أيام الجوع الناس يسرقون هذه الحبال ويطهونها على النار ويأكلونها."

 

 

شخصيات سعودية

صور لشخصيات تاريخية وأحداث مهمة


تمتلئ جدران المتحف بصور متنوعة لأحداث وشخصيات مرت في تاريخ المملكة، وكان لها أثر كبير، وعن ذلك قال الناصر: "في هذه الصورة ترون شخصية معروفة للجميع، الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، فقبل توحيد المملكة كانت السعودية منعزلة عن العالم وفي ظلام دامس، وهذا يظهر من خلال صورة معلقة هناك أخذت عام 1945 من قبل باحث مستشرق، كانت حياتنا كما تظهر الصورة رعي وفلاحة والناس كانت غير متعلمة، وكانت فترة فيها نوع من الظلامية، لذلك الملك عبد العزيز له فضل بعد الله عز وجل في ما نحن فيه اليوم من نعيم ومن أمن واستقرار في البلد، جزاه الله عنا خير جزاء وحفظ الله ولاة أمرنا."

وتابع: "وهذه صورة للملك سلمان حفظه الله، وهذ صورة تاريخية تجمع الملك سلمان والملك فهد والأمير سلطان."

مقتنيات خاصة

القسم الخاص بمقتنيات والد صاحب المتحف سعود محمد الناصر


العديد من القطع التي يستعرضها الناصر في متحفه ورثها عن والده، ثم أضاف لها أشياء ومقتنيات جديدة جمعها من مناطق مختلفة في المملكة ومن خارجها أيضًا، حيث يسعى دومًا للبحث عن النوادر وجمعها في مكانها المميز، وقال: "تجدون على هذا الجدار مجموعة من مقتنيات الوالد رحمه الله، هذا السيف والبندقية وباقي الرصاص وسروج الخير، وهذه صورة الوالد على ظهر الخيل عمرها أكثر من 80 عامًا، وهذا تقرير صحفي بعنوان "اريحية كريمة" حول مبادرة الوالد عندما انقطعت المياه عن الدرعية، فقطع الماء عن المزرعة هو وأخوته وأوصلوا أنابيب المياه إلى خزانات الدرعية."

الطابع التراثي للمزرعة

البيت الشعبي القديم المصنوع من الطين


مزرعة الناصر لم تقتصر فقط على المتحف القيم ومقتنياته النادرة، فقد حرص الناصر على أن تكون روحية المكان بأكملها مرتبطة بتراث المملكة والملامح العمرانية التي تميزها، مثل بيوت الطين والمجالس الشعبية، وعن ذلك قال الناصر: "أمامكم هنا مجلس له عدة مسميات منها مجلس الجماعة والمضحى والمصباح، كانت الناس قديمًا قبل التلفاز ووسائل التواصل يلتقون فيه ويتناقلون الأخبار".

وأضاف: "وهذا بيت الشعر أو الخدر، وهو مصنوع يدويًا بأيدي نساء حرفيات مبدعات، ويستغرق صنعه أكثر من سنتين أو ثلاثة من العمل اليدوي، ونحن نقول عنه: المكان ضيق لكن النفس وسيعة، وهو سهل في حمله وتركيبه."

وتابع: "أما بيت الطين الذي كان قديمًا يجمع أكثر من أسرة، ويمتاز بالديوانية أو الدكة وهي مجلس الضيوف وهي المكان الأكبر في البيت لأنها مكان إكرام الضيف ونحن من تعاليم ديننا إكرام الضيف."

 

المنحاز (كما يعرف في السعودية)


وأشار الناصر إلى حجر عند مدخل المزرعة قائلًا: "هذا الحجر قد يبدو لكم مجرد حجر عادي لكنه بالنسبة لي يحمل قيمة كبيرة فهذا الحجر من بيت الإمام تركي بن عبدالله والإمام عبد العزيز بن سعود في الدرعية، هذا البيت أنا ولدت وعشت فيه، لذلك عندما هدم البيت أخذت الحجر هذا معي ولا زلت أحتفظ به حتى اليوم."

وفي نهاية الجولة على المزرعة والمتحف قال صاحب المزرعة: "الواضح من الذي أمامكم أن الانسان إذا تكيف مع بيئته يستطيع أن يعيش، فالحياة كانت قاسية في ذلك الزمن لكن الناس تكيفت وعاشت، عاشوا الجوع ويمكن أن نروي ساعات وساعات عن الجوع، عاشوا الخوف لذلك كانوا ينامون وأسلحتهم بجانبهم لم يكن هناك أمن وأمان، وعلى الناس أن تدرك أن الحياة والنعم لا تدوم ويمكن أن نعود إلى استخدام هذه الوسائل."

 

 

سلاح فرنسي مصنوع عام 1866


وختم بالقول: "الاهتمام بتراثنا واجب علينا ويأتي من منطلق محبتنا وولائنا لهذا الوطن، حتى أنني جمعت عينات من رمال وأتربة المملكة من مناطق مختلفة منها وحفظتها في زجاجات خاصة.".

اقرؤوا المزيد: للمرة الأولى.. الرياض تستضيف لجنة التراث العالمي