في قلب الحياة الجامعية، بين المحاضرات والمشاريع والامتحانات، تعيش كثير من الفتيات رحلة معقدة بين الطموح والرغبة في الإنجاز من جهة، والضغوط النفسية والقلق من جهة أخرى. ومع أن الطموح يُعَدُّ قوة دافعة نحو التميز؛ فإن تحميله فوق طاقته قد يتحول إلى عبء ثقيل على الصحة النفسية.
التقت "سيدتي" كوتش لياقة عاطفية وقيادة تغيرية، صديقة كبي، للحديث حول التفرقة بين الطموح والضغط النفسي وكيفية التعامل مع هذه المشاعر المختلطة التي تواجهها معظم الفتيات خلال المرحلة الجامعية. قالت في مستهل حديثها إن الذكاء العاطفي يلعب دوراً بارزاً كعامل جوهري في التمييز بين الدافع الصحي والضغط الضار.
إعداد:إيمان محمد
ما الطموح؟
تقول كبي إن الطموح هو "تلك الطاقة الإيجابية التي تدفع الإنسان إلى السعي، التعلم، النمو، وتحقيق الذات. بالنسبة للفتيات في عمر الجامعة، يُترجم الطموح غالباً إلى أهداف مثل التفوق الأكاديمي، النجاح المهني، المساهمة المجتمعية، والاستقلال الذاتي".
عندما يكون الطموح صحياً، يكون مصحوباً بمشاعر الحماس، الثقة، والرغبة في التطور. تشعر الفتاة أن لديها سبباً للاستيقاظ كل صباح، وتستمتع بالرحلة رغم صعوباتها. ويظهر الذكاء العاطفي هنا في القدرة على إدارة المشاعر المرتبطة بالطموح، كالتوتر أو الحماس المفرط، وتحويلها إلى طاقة منتجة من دون أن تتحول إلى ضغط.

ما الضغط النفسي؟
تصف كبي الطموح المفرط أو غير الواقعي بأنه أول سبيل إلى الضغط النفسي. وتوضح "حين تشعر الفتاة بأنها مضطرة لإثبات ذاتها باستمرار، أو أنها لا تملك الحق في الخطأ أو التراجع، تبدأ بالانزلاق نحو القلق، جلد الذات، وربما الاكتئاب".
علامات تميز الضغط النفسي
الضغط النفسي قد يتخفى في مظاهر متعددة مثل:
- الخوف المستمر من الفشل.
- الإحساس بعدم الكفاية رغم الإنجازات.
- القلق من نظرة الآخرين وتوقعاتهم.
- صعوبة الاستمتاع بأي إنجاز.
هنا يظهر خلل في الجانب العاطفي، حيث تصبح المشاعر عبئاً لا محفزاً. ويُعَدُّ غياب الوعي الذاتي عنصراً أساسياً في تعميق هذا الخلل.
الذكاء العاطفي السبيل للفصل بين الطموح والضغط
وتُعرف كبي الذكاء العاطفي بأنه هو "القدرة على فهم مشاعرنا ومشاعر الآخرين، وإدارتها بطريقة واعية وفعَّالة. ومن خلاله يمكن للفتيات الجامعيات التمييز بين ما هو نابع من شغف حقيقي، وبين ما هو ناتج عن توقعات اجتماعية أو مقارنات سامة". وحددت كبي دور الذكاء العاطفي في تعزيز الطموح وعدم الوقوع في فخ الضغط النفسي.
الوعي الذاتي
اسألي نفسكِ: لماذا أريد هذا الإنجاز؟ هل هو نابع من شغفي أو لأنني أخشى الفشل أو لا أريد خيبة أمل من الآخرين؟ التعرف إلى النية الحقيقية خلف الطموح يساعد على تقليل التوتر، ويوجه الطاقة نحو ما يُشعرك بالرضا الشخصي، لا فقط بالقبول الاجتماعي.
إدارة المشاعر
المواقف الصعبة، مثل الرسوب في مادة أو رفض فرصة تدريب، قد تُثير مشاعر سلبية. وهنا تأتي أهمية القدرة على تهدئة الذات، والتعامل مع المشاعر المؤلمة من دون إنكارها أو الاستسلام لها.
التعاطف مع الذات
ليس كل يوم سيكون مثالياً. من الذكاء العاطفي أن تمنحي نفسك مساحة للتعب، للخطأ، وللتعلُّم. القسوة على الذات لن تصنع منكِ إنسانة أقوى، بل قد تكسرك من الداخل.
المهارات الاجتماعية
مشاركة مشاعركِ مع صديقة أو مرشدة أو حتى مجموعة دعم، يساعد على تخفيف العبء النفسي. التحدث بصراحة عن الضغط الذي تشعرين به لا يقلل من شأنك، بل يُظهر وعيك وإدراكك لقيمتك الإنسانية.

كيف نُربي الطموح من دون أن نحصد الضغط؟
- ضعي أهدافاً مرنة: بدلاً من التركيز على الكمال، ركزي على التقدُّم.
- قيمي نفسك بمعاييرك الخاصة: المقارنات المستمرة مع الآخرين تُضعف الثقة وتزيد القلق.
- اختاري معارككِ بعناية: ليس عليكِ الفوز بكل شيء.
- مارسي الامتنان: التقدير لما حققتِه بالفعل يُخفف من ضغط ما لم يُنجز بعد.
- خذي استراحات عاطفية: راجعي مشاعركِ، اكتبيها، تأملي فيها، ثم عودي للحياة بطاقة جديدة.
وتنهى المدربة صديقة كبي حديثها مع "سيدتي" قائلة: "الطموح قوة جميلة ومضيئة حين يُدار بذكاء عاطفي. أما الضغط النفسي؛ فهو نداء داخلي يدعونا لإعادة التوازن.
للفتيات في عمر الجامعة، التحدي الحقيقي ليس فقط في تحقيق الأحلام، بل في البقاء صحيَّات من الداخل في أثناء ذلك".
الذكاء العاطفي ليس ترفاً، بل ضرورة في زمن يمجد الإنجاز على حساب الإنسان.
كوني طموحة، نعم، ولكن كوني أيضاً لطيفة مع نفسك.
النجاح الحقيقي يبدأ من الداخل.
اقرئي أيضاً: كيف تحل الخلافات من دون أن تخسر صديقك؟