نظن أن العلاقات تسير في مسارات أفضل حين نقبل بأي شيء حتى وإن كان ضد رغبتنا، لكن يبدو أن خبراء النفس لهم رأي آخر، فقول "لا" عند الحاجة أمر شديد الأهمية.
كثيرون يعانون من الضغط النفسي نتيجة الموافقة الدائمة على الطلبات، حتى عندما تكون على حساب صحتهم النفسية والجسدية. إلا أن تعلم قول "لا" يُعد خطوة جوهرية نحو بناء حياة متوازنة، ووضع حدود صحية، وتحقيق علاقات قائمة على الاحترام المتبادل.
إعداد: إيمان محمد
لماذا يصعب علينا قول "لا"؟
الخوف من خذلان الآخرين أو إيذاء مشاعرهم هو أحد أبرز الأسباب. ثقافات كثيرة، تُعلي من شأن التضحية والامتثال، وتربط الرفض بالأنانية أو الجفاء. تقول الاختصاصية النفسية ماغي مارتينيز لموقعTherapy Now : "حين تقول لا بطريقة واضحة ومحترمة، فأنت لا ترفض الشخص، بل تمارس حقك في التواصل الصادق".
لكن هذا لا يعني أن الرفض دائماً سهل. فالشعور بالذنب قد يتسلل، خاصةً عندما يكون الطرف الآخر يمثل لنا شيئاً، هنا، يصبح قول "لا" فرصة لوضع حدود واضحة وتعزيز الثقة بالنفس.
فوائد قول "لا" على صحتك النفسية
بحسب موقع Therapy Now، فإن لا ليست مجرد رفض، بل أداة فعالة لحماية طاقتك ووقتك ومشاعرك. ومن أبرز الفوائد:
- تقليل التوتر والإرهاق الناتج عن التزامات فوق طاقتك.
- تعزيز احترام الذات من خلال التأكيد على أولوياتكِ واحتياجاتكِ.
- بناء علاقات أكثر توازناً قائمة على الوعي والوضوح.
- منع الاستغلال أو التلاعب في المواقف التي لا تشعرك بالراحة.
- فتح المجال للنمو الشخصي والتركيز على ما يهمك فعلاً.
متى يجب أن قول لا؟
الحديث السابق لا يعني أن قول "لا" انعكاس للقوة والعكس، بينما تزيد هذه الكلمة قوتها حين تعبر عن مشاعر حقيقية بعيدة عن الأنانية أو التهرب.
ويقول موقع Lisa Steingold إن هناك مواقف يصبح فيها الرفض واجباً، منها:
- عندما يتعارض الطلب مع أولوياتكِ أو قِيَمكِ الشخصية.
- حين تشعرين بالإرهاق ولا تملكين الطاقة لمساندة الآخرين.
- إذا شعرتِ بعدم العدالة أو بوجود تلاعب في العلاقة.
- عندما يطلب منكِ شريكك شيئاً لستِ مستعدة له كخطوة سريعة في العلاقة.
- حين يطلب منكِ التخلي عن مناسبة أو نشاط يخصك لأجل شخص آخر بشكل متكرر.
- إذا تجاوز أحدهم حدودك رغم أنكِ عبّرت عنها سابقاً.
في مثل هذه اللحظات، عدم قول "لا" قد يؤدي إلى الشعور بالاستياء، وبالانفصال عمّا تحتاجه النفس وتتوافق معه. لذلك قول لا في الوقت والموقف المناسب هو فرصة لتعزيز الشعور بالراحة.
متى يكون "لا" تعبيراً عن حب الذات؟
في كثير من الأحيان، يُساء فهم "لا" على أنها أنانية أو جفاء، لكن الحقيقة أن الرفض أحياناً هو أصدق أشكال العناية بالنفس. عندما تقولين لا لطلب يُرهقك أو لعلاقة تستنزفك أو لالتزام لا يناسب وقتك وظروفك، فأنتِ في الحقيقة تقولين نعم لصحتك النفسية، لهدوئكِ الداخلي، لتركيزكِ على ما هو أهم بالنسبة لكِ. قول "لا" لا يعني أنك ترفضين الآخرين، بل يعني أنكِ اخترتِ ألا ترفضين نفسك.
كيف تقولين لا بأسلوب محترم وواضح؟
رفض الطلب لا يعني رفض الشخص، ما يعني أن الرفض هو سلوك مقبول ويحق للشخص حال رفض ما طُلب منه بطريقة راقية لا تسبب انزعاجاً لمشاعر الآخرين.
استخدمي "عبارات الأنا"
مثل "أنا بحاجة إلى بعض الوقت لنفسي أو "لا يمكنني الالتزام بهذا حالياً".
كوني مباشرة ولطيفة
تجنبي التبرير المُفرط، لكن لا تترددي في شرح موقفك إن لزم الأمر.
قدمي بدائل
إذا لم يكن التوقيت مناسباً، اقترحي موعداً آخر أو طريقة مختلفة.
جربي تقنية "الشطيرة"
ابدئي بجملة إيجابية، ثم اذكري الرفض، وأنهي بجملة مشجعة. مثال: "أحب قضاء الوقت معك، لكنني مرهقة اليوم. لنخطط للغد!"
التدريب على الرفض في مواقف بسيطة
مثل رفض دعوة غير مناسبة، كل مرة تقولين فيها لا، تصبح أكثر قوة ووضوحاً.
كيف تتغلبين على الشعور بالذنب؟
قد نقلق من قول "لا" بسبب الشعور بالذنب بعد الرفض، لذلك يمكن التغلب على هذا الشعور السلبي من خلال التالي:
- قول "لا" ليس أنانية بل وعي صحي.
- أنتِ مسؤولة عن نفسك أولاً قبل أن تكوني مسؤولة عن راحة الآخرين.
- من يحبك ويحترمك سيتفهم حدودك ولن يعاقبك على قول لا.
- رفض ما لا يناسبك هو احترام للعلاقة وليس تهديداً لها.
التوازن في العلاقات لا يعني أن تقولي نعم دائماً، بل أن تعبري عن نفسك بصدق، حتى وإن كانت "لا" هي الجواب المريح لك.
اقرئي أيضاً هل معدّلك الجامعي يحدد مستقبلك فعلاً؟
