حدث في أحد صباحات الجمعة، أن جلست الأم على مقعد الحديقة بينما كان ابنها ذو السنوات السبع، يلعب مع أصدقائه في الملعب أمامها، كل شيء كان يبدو هادئاً حتى اندلع خلاف بسيط بين ولدها وأحد أصدقائه؛ حول من يبدأ أولاً في لعبة الكرة، لفت نظرها حدة ملامح ابنها والصديق الذي سحب الكرة وقال بنبرة تحدٍّ: أنا أول من يرمي الكرة وإلا لن ألعب معك، فوجدت ابني يتراجع وهو يخفض رأسه، ثم قال: اتفقنا. هنا راقبت الأم الموقف، وأخذت تحاور نفسها بقلق وتساؤل: هل هذا تسامح أم ضعف؟ هل علّمتُه أن يكون طيبًا إلى هذا الحد؟
التقرير التالي يوضح مفهوم التسامح، ومتى يتحول إلى ضعف؟ وما هي قواعد صفة التسامح لدى الطفل؟ اللقاء والدكتور محمود متولي أستاذ طب نفس الطفل لإضافة الكثير من التفاصيل .
قوة التسامح في الوعي وليس التنازل

طفلان صديقان يتمسكان بعلاقتهما
- أن تُربي طفلك على التسامح لا يعني أن تغرسي فيه الطيبة المُفرطة، بل أن تُعلميه كيف يكون قويًّا دون عنف، حازمًا دون عدوان، حنونًا دون خضوع.
- أن يفهم الطفل الفرق بين أن يسامح لأن قلبه كبير، وليس لأنه لا يستطيع المواجهة، بذلك تكونين قد صنعتِ فيه إنساناً أكثر توازناً ونجاحاً.
- أن يعرف الطفل كيف يدافع عن حقه؟ وهل يسامح لأنه قوي؟ أم لأنه لا يعرف كيف يقول لا؟ وفي المرة القادمة التي تشاهدين فيها طفلك ينسحب من خلاف بسيط، لن تقولي هو ضعيف.
- اعلمي أن الأطفال الذين يتلقون تشجيعاً متزناً من آبائهم، على تقبّل الهزيمة وتعلّم الدروس من الفشل، يُظهرون ارتفاعاً في مؤشرات التوازن النفسي بنسبة 42 % ، مقارنة بأقرانهم الذين يُوبّخون أو يُحرجون عند الخطأ.
مفهوم التسامح والفرق بينه وبين الضعف

التسامح
هو القدرة على تحمّل الإحباط، تقبّل الاختلاف، والتصرّف بصبر وثبات أمام المواقف المزعجة، دون فقدان التوازن النفسي أو السلوك العدواني، هو قوّة داخلية تتيح للفرد أن يُغلب احترامه لذاته وللآخرين على انفعاله اللحظي.
الضعف
هو غياب القوة النفسية أو المهارة، ويظهر على شكل تجنّب، تراجع، اعتماد مفرط على الآخرين، أو خضوع متكرر دون دفاع عن الذات، التسامح لا يعني أن تكون ضعيفاً وتتنازل عن كرامتك، بل أن تختار المعركة المناسبة بذكاء عاطفي.
علامات التسامح عند الأطفال
- يتحمّل الانتظار دون نوبات غضب.
- يُعيد المحاولة بعد الفشل.
- يتقبّل الرأي المخالف ولا يسعى لفرض رأيه.
- يُعبّر عن انزعاجه دون صراخ أو عدوان.
علامات الضعف
- ينسحب من التحديات أو يفشل سريعاً.
- لا يعبّر عن احتياجاته أو مشاعره.
- يُظهر اعتماداً مفرطاً على الأم أو المُعلّمة.
- يتأثر كثيراً من أبسط المواقف، مثل نظرة أو كلمة.
احذري العلامات المبكرة التالية:
- حين يتحوّل التسامح إلى ضعف.
- يعتذر كثيراً حتى دون خطأ.
- يتجنّب الخلافات بشكل دائم.
- يكبت مشاعره خوفاً من ردود الفعل.
- وحين يُصبح الضعف عادة.
- يظهر شكاً دائمًا في قدراته.
- يرفض خوض تجارب جديدة خوفًا من الفشل.
- لا يملك أهدافًا شخصية أو قرارات ذاتية.
كيف يظهر التسامح والضعف في الرياضة؟

من أبرز الساحات التي تكشف شخصية الطفل هي الألعاب التفاعلية، سواء كانت رياضية تقليدية أو إلكترونية، فيكون التسامح الرياضي الحسن حين:
- يُكمل اللعب بعد الخسارة دون انفعال.
- يتقبّل قرارات الحكم أو قوانين اللعبة.
- يُشجّع زملاءه ويحترم خصومه.
- يُحسن التعلّم من الخطأ ويُعدّل خطته.
في حالات الضعف:
- يترك اللعبة إذا خسر أو أخطأ.
- يُلقي اللوم على الآخرين.
- يرفض التنافس أساساً خوفاً من الهزيمة.
- يخاف من النقد أو التوجيه.
ماذا تفعل الأم إذا لاحظت ضعفاً من طفلها؟

- شجّعيه على خوض تحديات صغيرة تناسب مرحلته.
- امدحي الجهد، وليس النتيجة فقط، مثل: أحببت مثابرتك.
- ساعديه على تسمية مشاعره (غضب، إحباط، توتر) وعلميه كيف يتعامل معها؟
- وفّري له قدوة، كأن تحكي له كيف تعاملتِ مع موقف فاشل بصبر وثقة.
9 خطوات عملية لزرع التسامح الصحيح

- زرع وبناء ثقافة التسامح في الطفل تبدأ من المنزل، وتحتاج إلى توازن بين تعليم الرحمة والحدود الشخصية.
- اجعلي طفلك يشاهد أفلاماً عن بلدان وثقافات متنوعة، أو شاركيه في ورشات تفاعلية مع أطفال من خلفيات مختلفة.
- علّميه الوعي الذاتي، بمعنى شجّعيه على التحدّث عن مشاعره وتسجيلها في دفتر المشاعر.
- درّبيه على قول "لا" بلطف في مواقف مثل: أن يُطلب منه مشاركة شيء لا يريده، وعلّميه أن يعتذر بأدب.
- مارسي معه لعب الأدوار مثل: أن تمثلي دور طفل يُسيء إليه، وتعلّميه كيف يرد بلغة واضحة وغير عدوانية.
- احتفي بالجهد والمثابرة، واجعلي التركيز على "كيف تصرّف" لا فقط "ماذا حدث"، مثل: "أعجبتني شجاعتك في المحاولة مجددًا".
- أخبريه أن الذات السلبية في الإنسان هي التي تغضب وتأخذ بالثأر وتعاقب، بينما الطبيعة الحقيقية للإنسان هي النقاء وسماحة النفس، والصفاء والتسامح مع الآخرين.
- كثيرون لا يعرفون أن التسامح يحتاج قوة أكبر من الانتقام، وأن الصمت أقوى من أي كلام، بينما يرى البعض أن التسامح انكسار، وأن الصمت هزيمة.
- التسامح جزء من العدالة، وأعقل الناس أعذرهم للناس، النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح؟، تسامحُ النفس جزء من مروءتها، بل هي المروءةُ في أسمى معانيها، النفسُ يسِعدُها خلقٌ ويشقيها خلقٌ أخر.
* ملاحظة من"سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.