يُعَدّ تعلُّم التعبير عن المشاعر مهارةً أساسيةً للأطفال؛ إذ يُمكن أن يُؤثّر بشكلٍ كبير على صحتهم العامة ونموّهم العاطفي. قد يُشكّل التعبير عن مشاعرهم تحدياً لهم. وكثيراً ما يُواجه العديد منهم صعوبةً في التعبير عن أنفسهم بفعالية. لذا، من الضروري تعليم الأطفال كيفية تحديد مشاعرهم والتعبير عنها منذ الصغر. إليكِ ما ينصحك به الخبراء النفسيون والاجتماعيون؛ لتتمكني من تعليم طفلك أهمية التعبير عن المشاعر؛ حتى لا يصاب بالكبت الذي يؤثّر على شخصيته في الكبَر.
مراحل التطور الاجتماعي والعاطفي

يُعَدّ النموّ الاجتماعي والعاطفي عنصرين أساسيين في نموّ الطفل الشامل. فمنذ الولادة وحتى سن الخامسة، يمرّ الأطفال بمراحل نموّ اجتماعية وعاطفية مختلفة، تُشكّل شخصياتهم وتُحدّد كيفية تعاملهم مع الآخرين.
من الولادة إلى 6 أشهر من الولادة
في الأشهر الستة الأولى من العمر، يبدأ الأطفال بتنمية مهارات الطفل الاجتماعية والعاطفية. في هذه المرحلة، يتعلمون التعرُّف إلى والديهم ومقدمي الرعاية، ويكوّنون تعلقاً عاطفياً بهم. كما يبدأون بالتواصل من خلال الأصوات، وتعابير الوجه، ولغة الجسد. يبدأ الأطفال في هذا العمر بالابتسام والضحك والهديل استجابةً للتفاعل الاجتماعي. قد يشمل نموّهم العاطفي إظهار علامات الضيق، مثل: البكاء أو التذمُّر عند الجوع أو التعب أو الشعور بعدم الراحة.
الطفل الذي يمُر بمراحل مبكّرة من التطور العاطفي من 6 أشهر إلى سنة واحدة
بين ستة أشهر وسنة واحدة يصبح الأطفال أكثر اجتماعية، ويبدأون بالتفاعل مع الآخرين عن قصد. يبدأون بفهم معنى الكلمات والتعرُّف إلى الوجوه المألوفة. كما يطوّرون شعوراً بالثقة والتعلُّق بمقدّم الرعاية الرئيسي. يبدأ الأطفال في هذا العمر أيضاً بفهم القواعد الاجتماعية الأساسية، مثل تبادل الأدوار أثناء اللعب. كما يبدأون بتقليد تصرفات مَن حولهم.
الأطفال الذين يختبرون التطور العاطفي من عمر سنة إلى سنتين
خلال السنة الثانية من العمر، يصبح الأطفال الصغار أكثر استقلالية وحزماً. وكجزء من نموّهم الاجتماعي والعاطفي، يبدأون باستكشاف محيطهم وتنمية شعورهم بالهوية. في هذا العمر، يصبح الأطفال الصغار أكثر اهتماماً باللعب مع الأطفال الآخرين ويبدأون باللعب الموازي؛ حيث يلعبون جنباً إلى جنب من دون تفاعل نشِط. كما يبدأ الأطفال الصغار بفهم التعليمات الأساسية والاستجابة لها، مثل "لا" أو "توقّف".
الأطفال الذين يتعلمون التطور العاطفي من سنتين إلى 3 سنوات
بين سنتين وثلاث سنوات، يصبح الأطفال أكثر اجتماعية ويتعلمون التواصل بفعالية أكبر. يبدأون بتنمية حس التعاطف لديهم، ويصبحون أكثر وعياً بمشاعر الآخرين. كما يبدأون بفهم الأعراف والقواعد الاجتماعية، مثل المشاركة والتناوب. هم في هذا العمر يكوّنون صداقات وينخرطون في اللعب التعاوني مع الآخرين.
التطور العاطفي للأطفال من عمر 3 إلى 4 سنوات
بين سن الثالثة والرابعة، يصبح الأطفال أكثر استقلالية وثقة. ويزداد نموّهم العاطفي مع ازدياد وعيهم بمشاعرهم وتعلُّمهم التعبير عنها بفعالية. كما يطوّرون شعوراً بالوعي الذاتي، ويتمكنون من التعرُّف إلى أنفسهم في المرآة. في هذا العمر، يبدأ الأطفال في بناء علاقات اجتماعية أكثر تعقيداً، وينخرطون في ألعاب أكثر إبداعاً.
التطور العاطفي للأطفال من عمر 5 إلى 6 سنوات
بين سن الرابعة والخامسة، يزداد وعي الأطفال بأدوارهم الاجتماعية، ويبدأون بتنمية حس التمييز بين الصواب والخطأ. ويزداد اهتمامهم باللعب الجماعي، ويتعلمون التعاون مع الآخرين. كما يصبح الأطفال في هذا العمر أكثر وعياً بمشاعرهم ومشاعر الآخرين، ويتمكنون من التعاطف معهم. كما يطوّرون فهماً أفضل للإشارات الاجتماعية والتواصل غير اللفظي.
فوائد التطور العاطفي للأطفال الرُضع والأطفال الصغار

تُساعد القدرة على التعبير عن المشاعر عند الأطفال، على بناء علاقات صحية مع أقرانهم والبالغين. فالأطفال الذين يستطيعون التعبير عن مشاعرهم، يميلون إلى التفاعل بشكل أكثر إيجابية مع الآخرين، ويكونون أكثر قدرة على التعبير عن احتياجاتهم ومشاعرهم. في الواقع، يُمكن أن يُؤثّر نموّهم العاطفي بشكل كبير على تجارِبهم مع الآخرين. وهذا بدوره يُساعد على تعزيز الشعور بالتعاطف والتفهُّم تجاه الآخرين. عندما يتمكن الأطفال الصغار ومَن في مرحلة ما قبل المدرسة مِن التعبير عن مشاعرهم بفعالية؛ فإنهم يكونون أكثر قدرة على حل النزاعات، والعمل ضمن فرق، وتكوين صداقات.
فالأطفال الذين يستطيعون التعبير عن مشاعرهم، يكونون أكثر قدرة على التعامل مع التوتر لدى الأطفال والمواقف الصعبة. عندما يتعلم الأطفال التعبير عن أنفسهم، يطوّرون ذكاءً عاطفياً يُمكّنهم من تحديد مشاعرهم وإدارتها. وهذا يُفيد بشكل خاص في المواقف التي قد يشعر فيها الأطفال بالإرهاق أو القلق أو الانزعاج. من خلال تعلُّم التعبير عن أنفسهم، يستطيع الأطفال التعامل مع التوتر بشكل أفضل ويكتسبون المرونة، وهي مهارة حياتية أساسية.
علاوة على ذلك؛ فإن تعلُّم التعبير عن المشاعر، له تأثير إيجابي على الصحة النفسية للأطفال. فالأطفال الذين لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم، قد يعانون من مجموعة من المشاعر السلبية، مثل: القلق والاكتئاب وانخفاض تقدير الذات. في المقابل، يكون الأطفال الذين يستطيعون التعبير عن مشاعرهم، أكثرَ قدرة على التعامل معها بطريقة صحية. فهم أقل عُرضة لكبت مشاعرهم، أو اللجوء إلى آليات مواجهة سلبية مثل: تعاطي المخدرات أو إيذاء النفس.
نصائح لتعليم الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة كيفية التعبير عن مشاعرهم

هناك عدة طرق يمكن للآباء ومقدّمي الرعاية من خلالها تعليم الأطفال التعبير عن مشاعرهم بفعالية، وهي:
- تهيئة بيئة آمنة وداعمة تشجّع على التواصل المنفتح. يمكن للآباء إتاحة فرص لأطفالهم للتعبير عن مشاعرهم من خلال: طرح الأسئلة، والاستماع بانتباه، والتحقق من مشاعرهم. من خلال تخصيص ولو بضع دقائق.
- تعليم الأطفال عن المشاعر المختلفة وكيفية تحديدها. يمكن تحقيق ذلك من خلال قراءة كتب عن المشاعر، أو ممارسة ألعاب تساعد الأطفال على تمييز المشاعر المختلفة.
- نمذجة التعبير العاطفي الصحي؛ حيث يتعلم الأطفال من خلال مراقبة آبائهم ومقدّمي الرعاية، وعندما يُظهر الكبار نمذجةً للتعبير العاطفي الصحي، يزداد احتمال اتباع الأطفال لها. يمكن للبالغين نمذجة التعبير العاطفي الصحي من خلال التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية، مثل: التحدث عنها أو تخصيص وقت لإدارتها.
- قولي لأطفالكِ أشياءَ مثل: "أتفهّم أنك متوتر؛ فنحن جميعاً نشعر بهذه الطريقة في بعض الأحيان"، "لا يوجد ما يدعو للخوف هنا، إنها ليست مشكلة كبيرة". (بدلاً من تجاهُل مشاعرهم).
- لا تنسَي الثناء، فعندما يستخدم الطفل كلمات عاطفية أو طريقة مناسبة للتعبير عن نفسه، خُذي وقتك لملاحظة ذلك وإطرائه. على سبيل المثال، قولُ أشياء مثل: "شكراً لك على المشاركة، أنت تشعر بالغضب بدلاً من إغلاق الباب بقوة".
- شجّعي طفلك على أن يأخذ راحة؛ حيث يُشير العديد من الآباء إلى أن طفلهم ينتقل من صفر إلى مئة بسرعة كبيرة. ما يحدث على الأرجح، هو أن الطفل يتجاهل إشارات جسده التي تُشير إلى بدء انزعاجه، وباعتبارنا بالغين، يمكننا تشجيع الأطفال على أن يكونوا أكثر وعياً بأفكارهم ومشاعرهم، وأن يأخذوا قسطاً من الراحة للتحقق من أنفسهم.
- شجّعي طفلك على أن يسأل نفسه أسئلة مثل: "كيف أشعر بجسدي الآن؟ ما الأفكار التي تدور في ذهني؟" هذا سيساعدهم على تحديد مشاعرهم والتعبير عنها بطريقة مفيدة؛ بدلاً من تركها تسيطر عليهم.
- قومي بالتعبير عن مشاعركِ بصوت عالٍ؛ حتى يعرفوا أنه من الجيّد لهم أن يفعلوا الشيء نفسه. يمكنكِ أيضاً مشاركة اللحظات التي شعرتِ فيها بهذه المشاعر وكيفية تعاملكِ معها.
- اطلبي من طفلك أن يرسم أو يكتب أو يروي قصةً عن شخصية تشعر بمشاعر قوية. بالنسبة للأطفال الصغار، تُعَدّ الدُمَى وسيلة رائعة لخلق شخصيات تُعبّر عن مشاعر مختلفة وتُمثّلها بطريقة مرحة. كما يُمكن للبالغين مساعدتهم في التدرُّب على المواقف الصعبة، وكيفية تحديد المشاعر والتعبير عنها بشكل مناسب.
- اعلمي أن الرد بمزيد من المشاعر السلبية لن يُجدي نفعاً. تفاعلي مع أطفالكِ بتعاطُف، وحاولي توجيههم نحو طريقة أفضل للتعبير عن أنفسهم.
- تذكّري أن الأطفال يتعلمون ضبط أنفسهم؛ لذا قد يتصرفون أحياناً بشكل سيّئ. عندما يُعبّرون عن غضبهم أو حزنهم أو أيّة مشاعر صعبة أخرى بسوء التصرف، حاولي جعل مشاعرهم طبيعية حتى يشعر الأطفال بالراحة عند التحدث عما يشعرون به في داخلهم.
- ابحثي عن لحظات للاطمئنان، وامدحي أطفالك دائماً عندما تستخدمون كلمات تعبّر عن المشاعر. تعلّمي كيف يمكنكِ تعليم أطفالكم كيفية التعامل مع تلك المشاعر الجيّاشة.
* ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليكِ استشارة طبيب متخصص.