للناس تفضيلات مختلفة في الرحلات السياحية، فالبعض يسافر من أجل الغوص في تاريخ الوجهة المقصودة، والتعرف إليها؛ من خلال المتاحف والمواقع الأثرية، والبعض الآخر يهوى الانغماس في الثقافة المحلية؛ أي عيش التجربة في الوجهة على غرار المحليين و"الضياع" في الأسواق الشعبية، وهناك فريق ثالث يحب السفر من أجل المغامرات في الطبيعة، والالتحام بها، ورابع يفضل قضاء ساعات طويلة في التسوق، أو الجمع بين كل ما تقدم، وخامس يتوق إلى تجربة مأكولات جديدة ومختلفة واستكشاف مطاعم جديدة وأنواع طعام مختلفة. تركز السطور الآتية على مواقع في باريس تلبي أذواق محبي الطعام، وتحديداً أولئك الذين يتلذذون بالحلوى، فلعشاق الحلويات؛ هناك تشكيلة لذيذة، إليكِ لمحة عنها.
لمحة عن تاريخ الحلويات في فرنسا

لفرنسا تاريخ عريق مع الحلويات الفرنسية، بدأ في العصور الوسطى بصنوف بسيطة، مثل المعجنات المصنوعة من العسل والمكسرات والفواكه المجففة، وذلك في الصروح الدينية. ليتطور الأمر بعد ذلك. فقد قامت كاترين دي ميديشي، بزواجها من الملك هنري الثاني، بدور مؤثر في هذا الإطار، إذ أدخلت من خلال طهاة إيطاليين معجنات جديدة، مثل الـ"ماكرون"، عندما وصلت فرنسا من إيطاليا في القرن السادس عشر. وفي القرن السابع عشر، أصبحت الحلويات رمزاً للمكانة الاجتماعية، حيث عُرضت بطرق مُتقنة في القصور الملكية؛ مثل قصر فرساي، وذلك مع وصول صانعي الحلويات المحترفين إلى السكر والتقنيات المتطورة. ولا تغفل الإشارة إلى ماري أنطوان كاريم، الطاهي الشهير، عند ذكر الحلويات الفرنسية، فهو الذي عاش في فترة الثورة الفرنسية (القرن الثامن عشر/التاسع عشر) وعمل لصالح نابليون وزعماء آخرين. وقام بتدوين العديد من التقنيات، وأدخل تصاميم باستخدام السكر، ويُنسب إليه ابتكار أو تحسين حلويات كلاسيكية مثل الإكلير، إضافة إلى عجينة الـ"بف باستري" ذات الدوائر الخمس. كما ينسب الفضل إلى الطاهي المبدع كاريم في أخذ قبعة الطاهي البيضاء الطويلة، أو "القبعة البيضاء"، كرمز لمكانة الطاهي وخبرته، فقد أسست تسلسلاً هرمياً، حيث يُمثل ارتفاع القبعة منصب الطاهي، ويدل عدد الطيات على مهارته وخبرته، مع اختيار اللون الأبيض للقبعة رمزاً للنظافة. بعد ذلك انتشر أسلوب "فينوازيري"، الذي يتضمن أصنافاً مثل الكرواسون، في باريس على يد ضابط نمساوي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. أما في العصر الحديث، أدت الثورة الفرنسية إلى تفكيك المطابخ الملكية، وذيوع صيت المعجنات الفردية، مع تطوير الـ"ماكرون" من حلويات "لادوريه" الفرنسية في القرن العشرين، إذ لا يزال التوقف في المكان المتعدد الفروع، لانتقاء حبات الـ"ماكرون" بنكهاتها المختلفة، أمراً يحبه السائحون.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: يوم الشيف العالمي.. من هم الطهاة الحاصلون على أكبر عدد من نجوم ميشلان؟
5 أنواع من الحلويات لا تفوت عند زيارة فرنسا
عند زيارة فرنسا، وباريس تحديداً، يجد السائحون مخابز بالجملة موزعة في كل زاوية من المدينة. وبمجرد أن يتذوّقوا الحلويات الفرنسية الأصيلة؛ يدركون أنهم لن يجدوا مذاقاً يشبهها في أي مكانٍ آخر. فهذه الروائع سكرية المذاقات ليست مجرد طعام، بل هي تجارب تمزج بين التقنية والإبداع. في الآتي، 5 أنواع من الحلويات لا تفوت عند زيارة فرنسا، وعلى رأسها الماكرون.
الماكرون
يعد الماكرون من أشهى الحلويات للتذوق عند السياحة في باريس، وأجملها لناحية الشكل، فهو عبارة عن بسكويتات لذيذة مصنوعة من مرنغ اللوز (بياض البيض المخفوق والسكر، مع إضافة اللوز)، ومغطاة بحشوات كريمية متنوعة. ليس أمراً خارجاً عن المألوف رؤية زحمة كبيرة من السائحين في متاجر بيير هيرميه الموزعة في باريس، اليوم، والتواقين لتذوق الماكرون، بنكهات تقليدية؛ مثل الشوكولاتة والكراميل والتوت، أو الحديثة. للذين يقدرون فنون الحلويات، هناك أيضاً العديد من متاجر الحلويات المحلية، التي تقدم الـ"ماكرون" اللذيذ في المدينة.
البروفيترول

تقدّم حلوى البروفيترول مثالاً عن الحلوى الفاخرة، فهي تختصر بأنها كرات مجوفة من عجينة الشو محشوة بالكريمة أو الآيس كريم، مع سكب صلصة الشوكولاتة المعروفة بـ"الغاناش" عليها. بعد تذوقها، سيشعر المرء على الفور بأنه يمكن إدراج هذا الطعم ضمن مباهج الحياة الصغيرة. يمكن تناول البروفيترول في أماكن عدة في باريس، لكن في فندق فور سيزونز جورج الخامس، لهذه الحلوى طقوس خاصة، مع استخدام المكونات الرئيسية من عجينة الشو، وآيس كريم الفانيليا، وشانتيه الفانيليا، مع تقديم صلصة الشوكولاتة منفصلة، حيث يُمكن لكل ضيف غمس عجينة الشو في الصلصة الدافئة. الميزة الثانية هي نكهات الشوكولاتة التي تنتشر على الطاولة طوال تجربة التذوق.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: دليل لأفخم الفنادق التاريخية والمعاصرة في العاصمة باريس
تارت تاتان

هي فطيرة تفاح مكرمل مقلوبة، تشتهر بنكهتها الغنية بالزبدة وعجينتها الهشة. تُقدم دافئة مع مغرفة من الآيس كريم. هناك حكاية جديرة بأن تروى خلف وصفة تارت تاتان الناتجة عن خطأ، مفادها أنه في نهاية القرن التاسع عشر، كانت شقيقتان تُديران فندقاً ومطعماً في لاموت-بوفرون، وهما: كارولين وستيفاني تاتان، وفيما كانتا تعدان فطيرة التفاح، غفلت إحداهما عن إضافة العجين إلى التارت قبل وضعه في الفرن، فقامت بعد ذلك بإضافة العجين ووضعته فوق التفاح. إشارة إلى أن طهي الحلوى في المنزل ستجعل رائحة زكية تغمره. يمكن للسائحين، اليوم، زيارة موطن تارت تاتان في وادي لوار، والمتمثل في "ميزون تاتان" الواقع في "لاموت-بوفرون"، ففي هذا الفندق-المطعم، ابتكرت الأختان تاتان الحلوى. تُقدم الحلوى في أي وقت من اليوم، وينصح بعض السكان المحليين بتناولها سادة؛ للاستمتاع بنكهتها. وفي باريس، "كاريت"، قاعة شاي باريسية كلاسيكية؛ تقدم طبق تارت تاتان الشهير في قائمتها.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: دليلك السياحي لقضاء يومين في باريس بين المعالم الأشهر
الكريم بروليه

يُترجم "الكريم بروليه" إلى "الكريمة المحروقة"، وهو طبق كلاسيكي لطالما أمتع براعم التذوق لقرون. تعود أقدم وصفة معروفة لطبق يشبه الكريم بروليه الفرنسي إلى كتاب طبخ للشيف الفرنسي فرانسوا ماسيالوت، صادر عام 1691. الحلوى مكونة من قاعدة كريمية من كاسترد الفانيليا، مغطاة بقشرة صلبة من السكر المكرمل، تقدم باردة. لتذوق أطيب كريم بروليه في فرنسا، بنسخة تقليدية، ينصح بزيارة مطعم Le Potager du Père Thierry في منطقة مونمارتر، و/أو Chez Janou بباريس، حيث الكريم بروليه برائحة اللافندر، وتخصصات من جنوب فرنسا، و/أو Bouillon Racine بباريس، حيث الكريم بروليه مع شراب القيقب.
المادلين

لا تُفوّتي تجربة حلوى المادلين عند زيارة باريس، فهذه الكعكة اللذيذة ذات القوام الإسفنجي، مع شكل مميز يشبه الصدفة، لطالما أسرت قلوب الناس لقرون. من بين الأماكن الشائعة في باريس للاستمتاع بهذه الحلوى الفرنسية الكلاسيكية؛ هناك "لو كونتوار دو مادلين"، حيث كل قطعة هناك طازجة وهشة بشكل لا يُقاوم، مع توافر مجموعة متنوعة من النكهات؛ من الفانيليا الكلاسيكية إلى النكهات الموسمية المميزة. أما لتجربة باريسية راقية، من الممكن زيارة "لو كونتوار" في فندق ريتز باريس، وهو متجر أنيق يقدم هذه الحلوى بصورة حرفية. وكذلك، هناك "مادو أ باريس"، حيث تضاف لمسة عصرية إلى الحلويات الفرنسية التقليدية، من بينها فنّ إعداد المادلين، مع اختيار الشوكولاتة والليمون والفستق؛ لإضفاء لمسة عصرية على هذه الحلوى الفرنسية المفضلة.





