mena-gmtdmp

هل أصبح للسينما السعودية "هوية" و"جمهور"؟

سهى الوعل
سهى الوعل
سهى الوعل

تعيشُ السينما السعوديَّةُ اليوم مرحلةً انتقاليَّةً دقيقةً بين الطموحِ والتجريب، وبين الرغبةِ في التميُّزِ، والخوفِ من الذوبانِ في نماذجَ مستوردةٍ، لا تُشبه المجتمعَ المحلي. ومع كلِّ إنتاجٍ جديدٍ، أو مهرجانٍ سينمائي، يبرزُ السؤالُ نفسه: هل أصبح للسينما السعودية هويَّةٌ حقيقيَّةٌ وجمهورٌ فعلي؟

من منظورٍ نقدي بحتٍ، لا يمكن القولُ: إن لدينا اليوم "نجومَ شباكٍ" بالمعنى المتعارفِ عليه في الصناعةِ السينمائيَّةِ العالميَّة، فعلى الرغمِ من وجودِ بعضِ الأسماءِ التي حاولت أن تقتربَ من هذا المفهومِ إلا أن تلك المحاولاتِ، تلاشت سريعاً تحت وطأةِ الإفراطِ في الظهورِ، والإلحاحِ الإعلامي. كثيرٌ من الممثِّلين والمخرجين الشباب، أحرقوا أنفسهم على كلِّ منبرٍ سعياً إلى الشهرةِ السريعةِ، وليس لبناءِ رصيدٍ فنِّي متينٍ! إن النجوميَّةَ، ليست في الحضورِ الإعلامي، ولا في كثرةِ المشاركات، بل في تقديمِ أعمالٍ، تترك أثراً عميقاً في الذاكرةِ البصريَّةِ للجمهور.

أمَّا على مستوى الدعمِ والإنتاجِ فقد كان لصناديقِ الدعمِ السينمائي دورٌ مزدوجٌ؛ فهي من جهةٍ، فتحت البابَ أمامَ مواهبَ جديدةٍ، لكنَّها من جهةٍ أخرى، شاركت في اتِّساعِ الفجوةِ بين صانعِ الفيلمِ والجمهور. حين لا يكون المخرجُ، أو الكاتبُ مطالباً باستردادِ ما حصلَ عليه من تمويلٍ، يفقدُ الدافعَ الاقتصادي الذي يدفعُه للقتالِ من أجل النجاحِ الجماهيري. يصبحُ الرهانُ حينها على المهرجاناتِ والجوائزِ، وليس على قاعاتِ السينما، ونبضِ الجمهور. بذلك يتشكَّلُ نوعٌ من "السينما النخبويَّة" التي تُصنَع، لتُعرَض في الخارجِ أكثر مما تُقدَّم لأبناءِ الداخل.

ومن موقعِ المُشاهِد، يبدو أن المهرجاناتِ السينمائيَّة، أصبحت عالماً موازياً، لا يمت كثيراً بصلةٍ لواقعِ الجمهور، فالمشاركون فيها هم تقريباً الوجوه ذاتها كلَّ عامٍ، والجوائزُ غالباً ما تدورُ بين الأسماءِ والمجموعاتِ نفسها. إنهم يصنعون أفلاماً، يتحدَّثون عنها بينهم، لكنْ قلَّما تلامسُ حياةَ الناسِ، أو مشاعرهم! وعند أوَّلِ اختبارٍ جماهيري غالباً ما تُصاب هذه الأعمالُ بالخذلان، لأنها وُلِدَت في بيئةٍ معزولةٍ عن الجمهورِ الحقيقي.

أمَّا على مستوى النصوصِ والقصصِ، فالمشكلةُ، ليست في الأفكارِ بقدرِ ما هي في النهايات. يمكن القولُ: إن السينما السعوديَّة، تُعاني من أزمةِ "الخاتمة"، إذ نادراً ما نجدُ أفلاماً تنتهي بشكلٍ مُرضٍ، يوازي قوَّةَ البناء، أو الفكرة. النهايةُ، ليست مجرَّد إغلاقٍ للأحداث، بل هي لحظةُ المصالحةِ بين الفيلمِ والمُشاهِد، ودونها يضيعُ الجهدُ كلّه.

وأخيراً، وحتى تُصبح للسينما السعودية "هويَّةٌ"، يجبُ أن يتخلَّص صُنَّاعها من انبهارهم بالسينما الأجنبيَّةِ، ومن محاولاتِ التقليدِ غير الواعية. الهويَّةُ لا تُستورد، بل تُصنَع من التفاصيلِ اليوميَّة، من نبضِ الشارع، ومن القصصِ الصغيرةِ التي تعيشُ في البيوتِ والمقاهي والمدارس. على المخرجين والكُتَّاب أن يخرجوا من عزلتهم، وأن يعيشوا بين الناسِ لا بين أشباههم ممَّن يُطلِقون على أنفسهم لقبَ مبدعين، وأن يروا الواقعَ لا من خلفِ كاميرا مثقَّفةٍ أكثر مما هي صادقةٌ.

حين يأتي ذلك اليوم الذي تتحدَّثُ فيه الناسُ عن فيلمٍ سعودي كما تتحدَّثُ عن حكايةٍ تخصُّها، عندها فقط يمكن القولُ: إن السينما السعوديَّة، وجدت هويَّتها.. ووجدت جمهورها.