mena-gmtdmp

من أجلّ العبادات: الدعاء

جاء في كتاب الأدب للبخاري قوله صلى الله عليه وسلم: «أشرف العبادة الدعاء»، وفي رواية الإمام أحمد «الدعاء هو العبادة»، وعند أحمد «لن ينفع حذر من قدر ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم بالدعاء»، وعند البيهقي «الدعاء مخ العبادة»، وعند الترمذي «من لم يسأل الله يغضب عليه»، وعند أبي داود «إن ربكم حيي كريم يستحيي أن يبسط العبد يديه إليه فيردهما صفرًا»، وعند الترمذي «من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة»، وعند الطبراني في الأوسط «أعجز الناس من عجز عن الدعاء»، وعند ابن حبان «ليسأل أحدكم ربه حاجته، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع» (الشسع هو أحد سيور النعل)، وعند البخاري في كتاب الأدب «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء»، وفي الحديث القدسي بتخريج أبي داود «يقول الله تعالى: يا ابن آدم واحدة لك، وواحدة لي، وواحدة فيما بيني وبينك، فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئًا، وأما التي لك فما عملت من شيء أو من عمل وفيتك، وأما التي فيما بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة».

الدعاء نوعان: 

دعاء المسألة: والمراد به طلب ما ينفع الداعي، وكشف ما يضره.

دعاء العبادة: والمراد به الثناء على الله تعالى بأسمائه وصفاته، وتقديسه وتنزيهه، وفي الحديث القدسي «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين».

والله حث عباده على الدعاء، وأعلمهم أنه يحب الملحين فيه، نقل صاحب فتح الباري بسنده إلى عروة عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أنها سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الله يحب الملحين في الدعاء»، والإلحاح فيه يقين، وأفضل العبادة ما كانت على يقين. وقال ابن القيم: «من أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء».

والله لا يملّ حتى نملّ نحن، ولا يسأم حتى نسأم. وخزائن جوده ملأى تزيد على كثرة العطاء، والله يغضب حينما لا يُسأل، وفي الآية من سورة غافر {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. وكان خالد الربعي، رحمه الله (وهو من التابعين) يقول: عجبت لهذه الأمة في «ادعوني أستجب لكم» أمرهم ربهم بالدعاء، ووعدهم بالإجابة ولم يجعل بينهما شرطًا.

بينما يغضب الواحد فينا إذا سئل مرة، ولربما ثار سخطه إذا أعيد عليه الطلب وتكرر.

 

لا قبول عند الله إلا بالدعاء

لقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}الفرقان 77، قال الرازي في الشرح الكبير: المعنى أنه تعالى خلقنا لنعبده دعاء، وإلا لما خلقنا.

إن أجلّ عباد الله، وأشرفهم عند الله، وأقربهم إليه منزلة، وأرجاهم عنده بالكرامة والفضل، وهم الرسل والأنبياء، وقد غفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، ومع ذلك لم يستنكفوا عن دعائه، وقد سجل لهم القرآن العظيم ضراعتهم إلى الله وخضوعهم ومناجاتهم له.

 

 

الشيخ فتحي المحجوبي       

 

لا نجاة إلا بالدعاء

الله ينجي بالدعاء أفرادًا من البشر، وينجي بالدعاء جماعات منهم، ولولا الدعاء لهلكوا جميعًا.

فالله نجى يونس بن متى بدعائه {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ*لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، ونجى نوحًا من قومه قال تعالى {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُون}.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.

وكانت الأمم تفزع إلى أنبيائها في حوائجها، {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ}، {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}.

 

حكم الدعاء

الوجوب، ومن تركه فهو آثم. ومن شروط صحة الدعاء شرعًا أنه لا يصرف إلا إلى الله عز وجل، ومن دعا غيره فقد أشرك لقوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} وقال تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}.

قد تكفل المولى سبحانه بإجابة من دعاه فقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وقال: {وَقَالَ رَبَّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

نعم قد تتأخر الإجابة لحكمة يعلمها الله، ولكنها لا تتخلف أبدًا، إن الله لا يخلف الميعاد، وفي الحديث «يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول: عبدي، إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أني أستجيب لك، فهل كنت تدعوني؟ فيقول: نعم يا رب. فيقول: أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك، أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغمّ نزل بك أن أفرّج عنك ففرّجت عنك؟ فيقول: نعم يا رب. فيقول: فإني عجلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا لغمّ نزل بك أن أفرّج عنك فلم تر فرجًا؟ قال: نعم يا رب. فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا، فيقول المؤمن في ذلك المقام: يا ليته لم يكن عجّل لي في شيء من دعائي».

 

شروط الدعاء

أول الشروط صرف الدعاء بالكلية إلى الله دون سواه، ومن شروطه الأخرى:

1- الإخلاص، قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

2- الثقة واليقين في إجابة الله الدعاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ادعوا ربكم وأنتم موقنون بالإجابة».

3- حضور القلب بالخشوع والرغبة فيما عند الله تعالى من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب، قال تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين}.

4- العزم والجزم والجد في الدعاء (فلا يكون متلهيًا)، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء، ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطني، فإن الله لا مستكره له».